د. ميشال الشماعي

الثقافة التيئيسيّة القاتلة

13 تشرين الثاني 2021

02 : 00

إنّ إغراق النّاس في الاحباط هو هدف ومفتاح للحلقة المفرغة المثاليّة. وهذا ما يسعى إليه دويتّو المنظومة والمنظّمة في لبنان. وإشاعة هذه الأجواء هي السبيل الوحيد للإلتفاف على نتائج الانتخابات المفترَضَة في آذار المقبل- إن لم تتأجّل بعد- وذلك لأنّ هذا الدويتّو يدرك سلفاً خطورة تطيير العمليّة الديموقراطيّة بالمطلق. كذلك، بات مدركاً مدى الخطورة في الانقلاب على الديموقراطيّة بالديموقراطيّة نفسها للحفاظ على أكثريّته البرلمانيّة. فما هي السبل الجديدة التي يسعى إليها هذا الفريق؟ وهل يعدّ العدّة لإجراء الانتخابات بعد توسّله طرائق علم النفس – إجتماعي للإنقلاب على الرأي العام السياسي؟

تتوافق خدعة جديدة ابتدعها هذا العقل المدبّر قوامها: "كلّ شيء يسير على نحو خاطئ" مع قاعدة: "لا أحد يستطيع إصلاح الأمور غيري أنا" وذلك لإشاعة جوّ نفس –إجتماعي بين الرأي العام اللبناني الذي هو وحده، أي الدويتّو، أوصله إلى ما وصل إليه. ومقابل ذلك يشيّع أجواء تيئيسيّة على قاعدة القول: "ماذا يمكنني أن أفعل؟"

فبهذه الطرائق العلميّة يغذّي خيبة الأمل واليأس وهذا ما يفرط عقد التضامن الاجتماعي- السياسي، ويُغْرِق الناس في الاحباط. وهذا مفتاح للحلقة المفرغة المثاليّة التي يضع هذا الدويتّو فيها اللبنانيّين جميعهم، ليخضعوا بطريقة غير مباشرة لتبعيّته الديكتاتوريّة الخفيّة، ديكتاتوريّة المصالح غير المرئيّة التي استولى بوساطتها على مقدّرات الدّولة بالكامل، ومفاتيح الحكم في مؤسّساتها ووزاراتها؛ وهذا ما مكّنه من السيطرة على التعبير لدى رأي عام استطاع تخديره على مدى سنوات خلت. فهو بذلك يجدّد الطريقة عينها التي اتّبعها ليقبض على زمام الأمور انتخابيّاً، التفافاً على أيّ هزيمة بات مقتنعاً بالتعرّض إليها.

هذا الأسلوب الأنيق الذي يمارسه بشكل دؤوب ومتكرّر أرفقه بموجة إعلاميّة استعاد بموجبها أدبيّات الحرب الأهليّة التي يبرع فيها المدّعون بالوطنيّة والحريّة، أي أفرقاء التيار الوطني الحرّ، حيث تتفتّح براعم شهواتهم الإعلاميّة عندما تعود بهم في أيّ حوار إلى الحرب الأهليّة فيبدأون ببثّ الأخبار الهوليوديّة التي لم تعد تنطلي على أحد.

وهذا ما يعرف بعلم النفس- الاجتماعي – السياسي تحت غطاء الصوابيّة السياسيّة التي يحاولون دوماً إشاعتها؛ حيث إنّ الخطاب الذي يتبنّونه ناتج عن ماكينة إعلاميّة غوبلزيّة برعت ببثّ الأضاليل. ومع ذلك يستفيد حليفهم الاستراتيجي، أي "حزب الله"، بإشاعة أيديولوجيّته المذهبيّة التي تقوم على تشييع فكرة التشيّع المستور تحت عباءة ولاية الفقيه التي ما فتئ يعمل لإرسائها في صلب المجتمع اللبناني التعدّدي.

مقابل ذلك، يجب أن تشكّل هذه الصعوبات المتجدّدة فرصة جديدة محفِّزة للمشاركة الكثيفة في العمليّة الانتخابيّة القادمة؛ إنتشاريّاً ومحلّيّاً، حيث ما زال هذا الفريق عينه يعوّل على نسبة مشاركة ضئيلة قد تمكّنه من الاستفادة من عدم تحقيق بعض الحواصل الانتخابيّة في بعض الدّوائر التي تمتاز بتعدّدية اقتراعيّة للصّوت التعدّدي.

وهكذا فقط نستطيع كبح جماحه الانتخابي والحدّ من شبقه السلطوي. والمطلوب هنا بالتحديد أن يصبح السياديّون قريبين من كلّ الآخرين المتخالفين معهم لاعتبارات فرديّة. فهنالك دوماً قادة رأي شعبويّون قادرون على تفسير حسّ الشعب وديناميكيّته السياسيّة – الاجتماعيّة؛ وهم قادرون أيضاً على تجميع الشعب وتوجيهه في المشروع الوطني الكبير للتحوّل والنموّ الوطني المنشود من أجل الخير العام.

لكن حذارِ من هذا الجزء المهمّ جدّاً من المجتمع أن يتحوّل إلى جذب النّاس بهدف استغلالهم في تحقيق طموحه السياسي إرضاءً لشهوة السلطة لديه في مشروعه الذي يحلم بتحقيقه. مع التأكيد على ضرورة عدم سعيه إلى زيادة شعبيّته من خلال عمليّة تأجيج للميول المنحطّة سياسيّاً والرافضة للآخر المختلف. بل المطلوب الحقيقي هنا التعاون السياسي الواضح والصريح، ومن دون أيّ مواربة. وذلك للحدّ من عمليّة الاخضاع للمؤسّسات التي نجح الدويتّو بممارستها منذ العام 2005 وحتّى اليوم، ولو تعدّدت أشكال هذا الاخضاع من الترغيب كما حصل على مذبح رئيس الملائكة في الشياح في ذلك السادس من شباط في العام 2006، وصولاً إلى الترهيب كما حدث في سلسلة الغزوات من غزوة بيروت في 7 أيّار إلى غزوة خلدة وشويّا وآخرها غزوة عين الرمانة.

خلاصة القول، ما نحن بحاجة إليه هو سياسة تفكّر برؤية واسعة جدّاً، تبني مقاربة وطنيّة جديدة تشمل مختلف جوانب الأزمة اللبنانيّة على قاعدة الحوار المؤسّساتي المنتِج، وليس الطاولاتي العقيم. وذلك لأنّ السياسة هي دعوة في غاية النبل، وهي من أثمن أشكال المحبّة، لأنّها تسعى إلى الخير العام. فهل سيستطيع الفريق المعارض بأطيافه كلّها أن يعيد تصحيح مسار السياسة اللبنانيّة على أنّها فعلاً شكل من أشكال المحبّة الكيانيّة؟ أم ستستعر نار الخلافات من جديد على وقع بثّ ثقافة تيئيسيّة قاتلة؟