ريتا ابراهيم فريد

Green Factor Lebanon تحويل النفايات من مسبّب للسرطان إلى وسيلة لمحاربته

16 تشرين الثاني 2021

02 : 00

جورج قدوم مؤسس المبادرة

بدأت الفكرة في العام 2015 حين انفجرت أزمة النفايات، خصوصاً في شوارع بيروت وضواحيها حيث الكثافة السكانية، وأطلّ لبنان على الإعلام العالمي بصورة بلد مطمور بالنفايات. حينها، شارك جورج قدوم في التظاهرات الشعبية، لكنّه سرعان ما أدرك أنّ هذه التحرّكات لن تؤدّي الى نتيجة في لبنان، بل ستبقى مجرّد "فورة غضب". تلا ذلك التعاطي السلبي للسلطة مع هذا الموضوع، حيث لجأت الى حلّ طمر النفايات في البحر من دون فرزها. حينها قرّر أن يقوم بمبادرة فردية، كمحاولة بسيطة منه للتخفيف من كمية النفايات التي ترسل الى البحر، أو على الأقلّ كي لا يكون مساهماً بتفاقم الأزمة، فبدأ يفرز في منزله في أوائل العام 2016.

سخرية واستغلال

إصطدم جورج بتعليقات ساخرة من بعض الذين شكّكوا بقدرته على معالجة هذه الأزمة بمفرده، كما واجه مشكلة أخرى حول كيفية تصريف النفايات المفرزة. فحين حاول إرسالها الى بعض المصانع، على اعتبار أنها موادّ أولية تستخدم في الصناعة، اشترطوا عليه قبولها لقاء الحصول على بدل مالي منه. فبدا الأمر مكلفاً بالنسبة له واعتبره استغلالاً، ورفض الفكرة. وحين لم يعد منزله قادراً على استيعاب هذه الكمية الكبيرة من النفايات المفرزة، بات الأمر يحتاج الى حلّ. وهُنا انطلقت مبادرة "Green Factor Lebanon"، حيث استخدم المستوعبات البلاستيكية والزجاجية الصغيرة مثل علب اللبن أو مجامع الزجاج في زراعة الشتول، ثمّ قام بتوزيعها على أصدقائه وزملائه في العمل بعد أن دهنها ولوّنها. لكن بعد فترة، حتى أصدقاءه رفضوا قبول هذه الشتول، وعاودوا السخرية منه. وهُنا أدرك أهمية وضع هدفٍ واضحٍ أمامه.

تصويب الهدف

نحو مواجهة السرطانجورج الذي يعمل في مستشفى، يلتقي يومياً بأطفال حليقي الرأس مصابين بمرض السرطان، ويشاهدهم وهم جالسون على كراسٍ متحرّكة حين يتوجّهون الى غرف العمليات أو لإجراء تحليلاتٍ أو صورٍ شعاعية، أو لتلقّي علاجهم الكيميائي. وهُنا لمعت الفكرة في رأسه، وقرّر أن يصوّب هدفه على دعم هؤلاء الأطفال من خلال بيع الشتول بمبالغ رمزية لا تتجاوز الـ250 أو الـ500 ليرة لبنانية. وكان يضع القطع النقدية المعدنية في عبوة بلاستيكية حتى امتلأت، وتمكّن من جمع حوالى 265 ألف ليرة، وقدّمها الى مركز سرطان الأطفال. حينها بات الموضوع جدياً أكثر بالنسبة للمحيطين به وتضاءلت نسبة السخرية منه. كما لمس حماساً أكبر لدى البعض الذي تهافتوا على شراء الشتول أو تزويده بالعبوات البلاستيكية. وعندما اندلعت الأزمة في تشرين الأول 2019، كان جورج قد تعرّف على جمعية "Kids First" التي تعنى أيضاً بمعالجة الأطفال المصابين بالسرطان. فطلب من رئيس الجمعية أن يسمح له باستعمال اسمها ليبيع الشتول، على أن تعود كل الأرباح لدعم الجمعية، فوافق.




"لا أطلب تبرعات مادية"

جورج الذي يجمع بنفسه العبوات البلاستيكية من الناس، يشدّد على أنّه لا يطلب منهم أي تبرّعات مادية، بل أن يفرزوا النفايات في منزلهم ويزوّدوه بالعبوات التي لا يحتاجون اليها. ويقول في هذا الإطار: "أحاول من ما شي، إقدر أعمل شي، وأن أستفيد من الأغراض التي لا يحتاج إليها الناس، كي أساعد الأطفال الذين يحتاجون الى المساعدة"، وتابع: "حصلتُ على عبواتٍ بلاستيكية ركيكة لا يمكن الإستفادة منها للزراعة. فتواصلتُ مع إحدى الشركات التي وافقت على شرائها لإعادة تدويرها، علماً أنّ هذه المبالغ ستعود لدعم جمعية "Kids First".

حملة لجمع 15 مليون ليرة مشاكل عدّة اعترضت طريق هذه المبادرة، بين انتشار"كورونا" وتدهور سعر صرف الدولار وأزمة البنزين، فبات الإعتماد أكبر على بيع البلاستيك أكثر من بيع الشتول. ويشير جورج الى أنّه "حصل على بعض المساعدات من المغتربين الذين تبرّعوا بمبالغ مالية من الخارج لقاء إرسال الشتول الى أقربائهم في لبنان". وهكذا جمع نحو عشرة ملايين ليرة خلال 11 شهراً، وقدّمها الى الجمعية. لكن تبيّن أنّ هذا المبلغ ضئيل جداً بالنسبة لتكلفة علاج طفل واحد. لذلك قرّر رفع سقف الهدف، مطلقاً حملة لجمع 15 مليون ليرة خلال فترة زمنية أقصر، وهذا ما يفعله اليوم.

بالتوازي، بادر البعض الى تقديم المساعدة وفق قدراتهم، إما من خلال جمع البلاستيك، أو بمحاولة بيع الشتول والإهتمام بها، إضافةً الى بعض الفنانين الذين تبرّعوا بالرسم على المستوعبات الزجاجية والبلاستيكية. ولفت جورج الى أنّه "شارك في نشاط مع كشافة زهرة الإحسان في الأشرفية"، مردفاً "علّمنا الأطفال كيفية الفرز وأهميته، كما بعنا عدداً من الشتول. ونعمل الآن على التواصل مع جمعيات أخرى للقيام بأنشطة مماثلة".

من جهة أخرى، أوضح أنّه حاول التركيز على أنواع خاصة من الشتول التي لا تحتاج اهتماماً كبيراً. وبعد أن أجرى بحثاً، اختار عدداً من النباتات التي تعيش داخل المنازل أو المكاتب، ولا تموت إذا تُركت أسبوعاً أو أسبوعين بلا مياه. وتتراوح الأسعار بين 10 و20 ألف ليرة للشتلة الواحدة، وهي تشمل كلفة مواد الدهان، أما الأرباح الصافية فتعود بكاملها للجمعية.

لا بدّ من الإشارة الى أنّ الـ"CNN" نشرت في مدوّنتها خبراً أثنت فيه على المبادرة البيئية الإنسانية التي أطلقها جورج، في إطار تسليط الضوء على الموضوع البيئي في دول مختلفة ضمن حملة Call To" Earth"، الأمر الذي لاقى ردود فعل عدة حول العالم. هذا الخبر يعيدنا سنوات قليلة الى الوراء، حيث نشرت الشبكة نفسها تقريراً مؤسفاً عن نهر النفايات في لبنان، حين شعر معظم اللبنانيين بالخزي والعار من "وصول نفاياتهم نحو العالمية". ويقول جورج في هذا السياق: "أرى أنّ الخبر هو رسالة من لبنان الى كلّ العالم. من المهمّ أن يظهر على الإعلام العالمي أنّ هناك لبنانيين يهتمّون للموضوع البيئي، ويحاولون بالإمكانات المتاحة القيام شيء ما".