مايا الخوري

ميلاد أبي رعد: إنتاج البرامج اللبنانية رهن الوضع السياسي

20 تشرين الثاني 2021

02 : 00

يستقرّ المخرج اللبناني ميلاد أبي رعد في مصر منذ سنوات حيث يُشرف على قناة "القاهرة والناس" ويُخرج برامجها الشهيرة التي استحقّ بفضلها جائزة أفضل مخرج لبناني في مهرجان الفضائيات العربية على مدى 4 سنوات متتالية. عن مسيرته المهنية هناك والبرامج وغربته، يتحدث إلى "نداء الوطن".

تستقرّ منذ سنوات في مصر، كيـــــــف انطلقت مسيرتك المهنية هناك؟

دعاني الإعلامي الكبير طارق نور منذ عشرين عاماً لتنفيذ برامج عدّة في مصر، أوّلها برنامج "ستار مايكر" المعني بالموسيقى والفن. واظبت بعدها على تنفيذ برامج رمضانية سنوية في القاهرة ذيعت على القناة الثانية المصرية. إلى أن اتُخذ العام 2012 قرار إنطلاق بثّ محطة "القاهرة والناس" على مدار السنة بعدما اقتصر نشاطها منذ العام 2009 على بثّ برامج خاصة بشهر رمضان فقط. عندها تلقيت عرضاً باستلام مهمّة إخراج البرامج اليومية في المحطّة، لتنطلق مسيرتي المستمرّة هناك.

ما هي أبرز البرامج التي نفّذتها؟

قدّمنا برامج يومية كثيرة نالت إعجاب الجمهور، من بينها برامج فريدة من نوعها مع الإعلامي الصديق طوني خليفة. أطلقنا منذ 5 سنوات "العباقرة" مع صاحب الفكرة الرؤيوية الإعلامي عصام يوسف، يرتكز على تحفيز الطلاب والعائلات من ضمن مسابقات متنوّعة. كذلك حقق برنامج "شيخ الحارة" بمواسمه كلها نجاحاً كبيراً. أمّا برنامج "حبر سرّي" الذي أطلقناه أخيراً وتقدّمه الإعلامية أسما إبراهيم، فيضم مجموعة من النجوم العرب الكبار مثل أحمد السقّا وأصالة وأحمد فهمي وفيفي عبده وحسن الرداد وأكرم حسني ونيكول سابا.

جائزة الابداع ميلاد ابي رعد


كيف تصف علاقتك بالإعلامي طارق نور الذي قدّمت له جائزتك في مهرجان "بياف"؟

إنه أسطورة وإعلامي لا يتكرّر. نتّفق في الرؤية والإحساس وفي النظرة إلى كيفية صناعة البرنامج التلفزيوني. تحتاج مهنتنا إلى إبداع وابتكار وتجدّد مستمرّ، لذا لا بدّ من التعامل مع أشخاص نتفاهم معهم. قدّمت له جائزتي تقديراً لمسيرته وإحتراماً ومحبة له، لأنه صاحب رؤية كبيرة، قادر على جعلنا نعيش فكرته حتى نتمكّن من ترجمتها إلى برنامج تلفزيوني أو إعلان أو أي مشروع آخر. صحيح أنني خسرت كثيراً في لبنان لكنني ربحت أكثر في مصر، من خلال تعرّفي إلى شخصية إعلامية مرموقة مثله. دخلت بفضله إلى السوق المصرية ونجحت في هذه المنافسة الكبيرة.

لطالما إشتهر لبنان ببرامجه التلفزيونية المبتكرة قبل أن تتسبب الظروف بتراجعها وتقدّم دول أخرى، ما رأيك؟

يضيف مبدعو لبنان لمسة فنيّة لافتة إلى المشاريع تجعلهم متميّزين عربياً، إنما كيف يبدعون في بلدٍ يعاني من الفوضى والنار والمشاكل؟ كيف يثق المنتج بتمويل عمل قيّم وتنفيذه في بلدٍ ذي أفق غامض؟ برأيي، عندما تتحسّن السياسة في البلد، تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي ويصبح الوقت مناسباً لإنتاج البرامج اللبنانية. ينتشر المبدعون والمبتكرون اللبنانيون في الدول العربية حيث يقدّمون البرامج الناجحة، في انتظار إستقرار الأوضاع في لبنان، فيتلقّون العروض ويعودون إلى وطنهم.

فريق عمل برنامج "العباقرة"

تُشرف منذ العام 2009 على شاشة "القاهرة والناس"، كيف تلخّص خبرتك المهنية هناك؟

تكمن المهمة الصعبة في الإستمرار وفي الشعور الدائم بالتحدي الذاتي لتحقيق علامة فارقة في أي برنامج ومشروع جديد. إن المعادلة ما بين الخوف الذكي والتحدي القوي، وعدم الثقة الزائدة في أننا نقدّم دائماً الأفضل والأنجح، تجعلنا نجتهد لتقديم عمل ناجحٍ. عندما نبلغ الشعور بالعظمة نقع في مطب الغيرة والغرور، فتفلت منّا أمور صغيرة توقعنا في الفشل. أنظر إلى كل برنامجٍ جديد وكأنه برنامجي الأول، فأتابع تفاصيل كل حلقة بمجهود كبير مع فريق العمل الذي يتعب كثيراً لتنفيذ المشاريع في ظروف صعبة.

تضحّي كثيراً في سبيل تحقيــــق النجاح المستمر؟

أضع مجهوداً كبيراً في تنفيذ البرامج، وأكرّس وقتاً طويلاً من أجلها ومن أجل المحطة على حساب العائلة والأصدقاء. ربما يعتب كثيرون لإبتعادي عنهم، أو يفكّرون بأنني مغرور تناسى أصدقاءه والمقرّبين. إنما على العكس، أتواصل معهم قدر المستطاع ، محاولاً اللقاء بهم كلما زرت لبنان. صحيح أنني أقصّر أحيانًا تجاه علاقاتي الشخصية، إنما أشعر بأن محطة "القاهرة والناس" من صُلبي، كوني انطلقت معها منذ بداياتها، لذا أريدها متميّزة دائماً وفي قمّة الإبداع.


ميلاد ابي رعد تكريم biaf


لكنك حصدت نجاحاً وجوائز في مقابل المجهـــــــود الذي بذلته من أجل هذه القناة؟

لقد فتحت لي مصر أبواب النجاح وعشت فيها أجمل الأيام، لذا أختارها إذا سُئلت عن البلد الذي أرغب في الإستقرار فيه غير لبنان. خصوصاً أنني سافرت إلى بلدان أخرى تلقيت فيها عروض عمل، لكنني لم أرتح سوى في مصر، التي تعطي قيمة للإبداع والإعلام. يقصدها كل فنان يسعى للنجاح كيف يحقق بصمة ينطلق من خلالها إلى كل البلدان العربية. أمّا بالنسبة إلى الجوائز، فهي تقدير لهذا التعب والمجهود، وحافز للإستمرار. يشرّفني تمثيل بلدي لبنان من خلال هذه الجوائز في مصر، لأنه يبقى في القلب، فأتمسّك به رغم كل الظروف التي يمرّ فيها.

هل يتمايز الإعلام العربي عن المحلي؟

لا تمايز كبيراً بينهما في الشكل، إنما تختلف التقاليد والمفاهيم والمواضيع بين بلد وآخر. يجب الإنتباه إلى اهتمامات المجتمع والمحرّمات فيه وعدم التحدّث عن المواضيع المثيرة للجدل التي تُغضب المواطن أو المشاهد أو المتلقّي. كما يجب التيّقظ تجاه المنتَج الذي نقدّمه إلى الجمهور العربي لئلا يؤذي السمع والبصر، خصوصاً أن بعض المصطلحات قد يصلح في بلدٍ ما بينما يُعتبر شتيمة في بلد آخر. لهذا السبب إطّلعت على طريقة تفكير كل البلدان العربية وأساليب حواراتها من أجل انتقاء المصطلحات واستقطاب أكبر عدد ممكن من المشاهدين.

ألا تتشوّق للعودة إلى لبنان وتقديم أعمال درامية أو برامج خاصة بك؟

ما من مكسب من دون خسارة. أشتاق إلى تقديم مسلسل أو فيلم أو برنامج أو وثائقي في لبنان، إنما يجب أن نكون واقعيين، والتمييز ما بين الرغبة والمنطق. أشكر زوجتي الحبيبة مي التي تنتج مسلسلات لبنانية أشرف عليها في شكل أو بآخر، سواء من خلال قراءة النصّ أو المشاركة في اختيار الممثلين والمخرجين ومتابعة إنطلاق التصوير والتوليف، ما يُبقي النبع نابضاً دون توّقف. ربّما أعود في يوم من الأيام لتقديم عمل جديد ذي رؤية وزاوية مختلفة. قد ينساني المنتجون والجمهور بسبب إبتعادي عن الدراما إنما بفضل الحسّ والنظرة والتقنيات لن تستغرق عودتي إلى الساحة وقتاً طويلاً إنما التوقيت ليس مناسباً الآن.

كيف تتعايش مع غربتك عن العائلة؟

تهون هذه الغربة الصعبة بسبب توافر وسائل الإتصالات، حيث نعيش في عصر التواصل عبر الفيديو في كل زمان ومكان. أتأثر بسبب إبتعادي عن عائلتي وعن والدتي لذا أواظب على زيارة بيروت دورياً، لأن إحساسي باللقاء المباشر وحضورهم إلى جانبي مختلف عن التواصل عن بعد. كما أتأثر كثيراً بسبب ابتعادي عن ابنتي "ريان" التي أحرص على توجيهها مهنيًا بشكل صحيح. وحين يتعذّر عليّ الحضور إلى لبنان، توافيني زوجتي "مي" إلى مصر.



ألا تفضّل هجرة عائلتك إلى مصر حتى تستقرّ الأوضاع في لبنان؟

لا أعتبر نفسي مهاجراً في مصر، بل انا مستقرّا في بلدي. أتمنى أن تأتي عائلتي إليّ لنستمر معاً، خصوصاً في ظل هذه الظروف في لبنان، إنما لكل إنسان حريته الخاصة في إختيار التوقيت المناسب لإتخاذ قرار مماثل. لو شعرت بالغربة القاسية، لما استطعت الإستمرار هنا. لقد اخترت النجاح في العمل على حساب النجاح في أمور أخرى، لذا إخترت مصر التي كسبت فيها أصدقاء مقرّبين جداً هم الروائي عصام يوسف ونهى مرجان وأحمد سعيد وحسام شومان، برفقتهم لا أشعر أبداً بالغربة.

ما رسالتك إلى الشباب اللبناني ومن بينهم ابنتك الممثلة ريان ابي رعد لمواجهة الأفق المسدود في لبنان؟

نحفّز الشباب في برنامج "العباقرة" على المحاولة مراراً وتكراراً والعمل على الذات حتى تحقيق النجاح مهما حالت الظروف دون ذلك. لا يتوقّف النجاح على نتيجة جامعية متفوّقة بل يجب المواظبة على العمل الذاتي يومياً، فيأتي النجاح بداية بتأنٍ حتى نصل إلى القمّة بعد سنين من الإجتهاد والتعب، مثلما حصل معي. بالنسبة إلى الشباب اللبناني ومن بينهم ابنتي "ريان"، أقول إنه يمكن تحقيق النجاح أينما كان، حاولوا من خلال الإنترنت و"البلوغر" و"السوشيل ميديا"، لأن الإبداع لم يعد يقتصر على التلفزيون بل يمكن تحقيقه عبر وسائل التواصل الإجتماعي، لإستثماره في أي بلدٍ مهما كانت الظروف. إستهلكوا جهازكم الخلوي بشكل إيجابي لإبتكار أفكارٍ وإستثمارها، وإجعلوه جسر عبور إلى التلفزيون والمنصات الرقمية. وفي النهاية أدعو الله أن يحمي لبنان وشبابه وأن تمر هذه الأزمة فيعود وطننا منارة للشرق.


MISS 3