وأخيراً، انتهت حقبة وزير الاعلام "المستقيل"جورج قرداحي السياسية والاعلامية، وإن لم تنته أحلامه "الوردية"، لعل استقالته "تضع حدّا للخلل الذي اعترى العلاقات اللبنانية - الخليجية" وفق ما اشتهى رئيس الجمهورية ميشال عون، و"تفتح باباً لمعالجة إشكالية العلاقة مع الاشقاء في المملكة العربية السعودية ودول الخليج"، كما رأى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
فبعد مرور نحو شهر على الأزمة اللبنانية مع السعودية خصوصاً ودول الخليج عموماً، وما رافقها من تداعيات سلبية على الوضع الداخلي لا تزال مستمرة، اعلن قرداحي استقالته من الحكومة امس في مؤتمر صحافي عقده في وزارة الاعلام، مؤكداً أن مصلحة لبنان وشعبه فوق مصلحته الشخصية.
وتحدث عن تطورات جديدة مشيراً الى زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى السعودية. وأوضح أنه فهم من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي قابله قبل ثلاثة ايام بناءً على طلب الأخير، أن الفرنسيين يرغبون بأن تكون هناك استقالة له قبل زيارة ماكرون الى السعودية، وذلك من أجل أن تساعد على فتح حوار مع المسؤولين السعوديين حول لبنان.
عند عون
ووقع الرئيس عون مساء امس المرسوم الرقم 8519 تاريخ 3 كانون الاول 2021، الذي يقضي بقبول استقالة قرداحي. وحمل المرسوم توقيع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي. وكان عون تسلم من قرداحي عصراً كتاب استقالته من الحكومة، وشرح له الأسباب التي دفعته الى اتخاذ خطوته. فشكر عون له مبادرته، مجدداً تأكيد "حرص لبنان على إقامة افضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة عموماً، ودول الخليج خصوصاً"، متمنياً ان "تضع استقالة الوزير قرداحي حداً للخلل الذي اعترى العلاقات اللبنانية - الخليجية".
نص الاستقالة
وفي ما يأتي نص كتاب الاستقالة:
"فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون
تحية وبعد،
لأن مصلحة الوطن اكبر من مصلحة الأشخاص،
ولأن حماية اهل وطني اهم من أي اعتبار آخر،
ولأن الظلم على فرد افضل من ظلم على شعب،
ولأن التضحية بالذات في سبيل الخير العام تبقى أنبل التضحيات،
ولأني لا اريد ان أكون جسر عبور للإنتقام من بلدي وأهلي...
لكل هذه الاعتبارات وغيرها مما احتفظ به لنفسي،
أتقدم منكم باستقالتي من الحكومة، متمنيا لكم التوفيق، وللبنان النجاة مما يحاك له من مؤامرات كنت ويا للأسف احدى ضحاياها".
عند ميقاتي
قبل ذلك كان قرداحي زار السراي الحكومي لتسليم الرئيس ميقاتي كتاب إستقالته، فوقع رئيس مجلس الوزراء مرسوم قبولها وأحاله على رئيس الجمهورية، واتصل به، وتشاور الرئيسان في الوضع وآخر المستجدات الحكومية. ثم صدر عن ميقاتي بيان اكد فيه أن إستقالة قرداحي "كانت ضرورية بعد الازمة التي نشأت مع المملكة العربية السعودية وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي، ومن شأنها أن تفتح باباً لمعالجة إشكالية العلاقة مع الاشقاء في المملكة ودول الخليج، بعد تراكمات وتباينات حصلت في السنوات الماضية". وأعلن أن "لبنان كان وسيبقى عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم بمواثيقها، ويتطلع الى افضل العلاقات مع الاشقاء العرب وامتنها بروح الروابط التاريخية التي تجمع بين دولنا وشعوبنا. ومن هذا المنطلق فاننا حرصاء على تطبيق ما ورد في البيان الوزاري لحكومتنا لجهة تعزيز علاقات لبنان مع الدول العربية الشقيقة والإصرار على التمسك بها والمحافظة عليها، والحرص على تفعيل التعاون التاريخي بين بُلداننا العربية والنأي بالنفس عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وفي اي نزاع عربي - عربي ودعوة الأشقاء العرب للوقوف إلى جانب لبنان في هذه المحنة التي يرزح تحتها شأنهم دائما مشكورين".
واعتبر ميقاتي أن "ما يجمع بين لبنان والمملكة العربية السعودية من علاقات أخوة تاريخية متينة كفيل بتجاوز كل التباينات العابرة والملاحظات التي تحمل في طياتها عتباً محباً ليس الّا، وكذلك الامر مع سائر دول مجلس التعاون الخليجي التي نقدر ونحترم ونحرص على الحفاظ عليها وعلى امنها وسلامتها. ومن هذا المنطلق، فان الحكومة عازمة على التشدد في إتخاذ الاجراءات الكفيلة بضبط الحدود البحرية والبرية ومنع كل أنواع تهريب الممنوعات الذي يضر بأمن الدول العربية الشقيقة وخصوصيتها، لا سيما منها دول الخليج والسعودية بشكل خاص. والحكومة على إستعداد لانشاء لجنة مشتركة للبحث في كل الامور والسهر على حسن تطبيقها.
كما تؤكد الحكومة رفض كل ما من شأنه الاساءة الى أمن دول الخليج واستقرارها، وتدعو كل الاطراف اللبنانية الى وضع المصلحة اللبنانية فوق كل إعتبار، وعدم الاساءة بأي شكل من الاشكال الى الدول الشقيقة والصديقة أو التدخل في شؤونها". وجدد ميقاتي "مطالبة جميع الاطراف بالعودة الى طاولة مجلس الوزراء للقيام بتنفيذ ما هو مطلوب من الحكومة في هذا الظرف الصعب".
وإذ أبدى اسفه "لما حصل سابقاً وأن يكون صفحة من الماضي قد طويت، نتطلع الى اعادة العلاقات الطبيعية بيننا وبين الاشقاء في المملكة العربية السعودية ودول الخليج على قاعدة الاحترام والمحبة وحفظ سيادة كل دولة وأمنها وخصوصيتها وكرامة شعبها". واتصل ميقاتي بوزير التربية والتعليم العالي ووزير الإعلام بالوكالة القاضي عباس الحلبي وطلب منه تصريف الأعمال في وزارة الإعلام في المرحلة الإنتقالية بعد استقالة قرداحي.
مواقف من الاستقالة
وتعليقا على خطوة قرداحي، غرد وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي قائلا :"قد تكون الإستقالة خطوة، فلنبدأ، بحس وطني جامع بنّاء، بتطبيق الإجراءات العملية فعلاً حماية لمجتمعنا اللبناني ومجتمعات أشقائنا في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي. إن الأمن والأمان والمصلحة العربية المشتركة هي أهدافنا دائما تحت مظلة الشرعية العربية".
"التنمية والتحرير"
واعلن عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب قاسم هاشم ان استقالة قرداحي "سحبت ذريعة ممن كان يعتقد انها سبب تجميد جلسات الحكومة وجلسة المجلس النيابي، وفرصة لمعالجة سبب التعطيل من خلال التزام الاصول الدستورية". وسأل:" هل تستجيب الكتل النيابية وتعيد الامور الى نصابها، وتعود الحكومة لتفعيل انتاجيتها لانها اصبحت اكثر من ضرورة في هذه الظروف الصعبة"؟ ورأى ان "اي تلكؤ عن اتخاذ الموقف السليم والجريء تتحمل مسؤوليته القوى التي تتهرب من التزام الدستور بما يختص بالملف الذي كان سبباً للتوترات الاخيرة نتيجة الاستنسابية والانتقائية التي حكمت مسار الملف".
فرنجية
وعلّق النائب طوني فرنجية على الاستقالة معتبرا في تغريدة ان "جورج قرداحي تصرّف بمسؤولية وفروسية وبرهن أنه أكبر من المناصب وسيبقى قيمة وطنية حيثما كان".