ريتا ابراهيم فريد

"من بعيد" للصحافي الياس باسيل... إختبار للغربة عن الذات والوطن والله

23 كانون الأول 2021

02 : 00

"من بعيد" هو إسم الفيلم الميلادي الجديد الذي أطلقه الصحافي الياس باسيل في مسرح مركز بيت عنيا- حريصا الثلثاء الماضي. باسيل الذي اعتاد أن يطلق سنوياً فيلماً قصيراً تزامناً مع عيد الميلاد، اختار هذه السنة أن يكون العمل مستوحى من خبرة شخصية عاشها في بلاد الإغتراب منذ فترة، وجسّدها في عمل فنّي ذي بُعد روحي.

الفيلم الذي يترجم ثورةً على الذات في إطار إنساني، هو من كتابة الياس باسيل ومن إخراج إريك طبشراني، وهو مزيج جمع بين الغربة عن الوطن والغربة عن النفس والغربة عن الله. كما يعكس انتفاضةً على "الشاب الملتزم والمتديّن الموجود في داخلي"، حسب قول باسيل، الذي يشير في حديث لـ"نداء الوطن" الى أنها كانت المرة الأولى التي يختبر فيها الغربة والبُعد عن الأهل. ويضيف أنّه "سعى من خلال هذا الفيلم الى أن يعبّر عما شعر به كلّ من عاش الغربة وصعوباتها، وكلّ من عانى من تفاصيل الأيام الأخيرة له في موطنه قبل أن يغادر، فالبعض يعيش هذه الأحاسيس الصعبة لكنّه يعجز عن التعبير عنها".

القرب يقتل الحب

وعن اختيار اسم الفيلم، يرى الياس أنّ "القرب أحياناً يقتل الحب، إلا أنّ القليل من المسافات قد تعيد إحياءه"، مردفاً أنّه "من الصحي أن نبتعد قليلاً عن الذين نحبّهم، وعن تعلّقنا ببعض الأشياء أو الأمكنة. كما أننا لا ندرك أحياناً أهمية البعض في حياتنا إلا حين نبتعد عنهم. فالبُعد رغم كلّ صعوباته وكلّ الألم الذي يرافقه، إلا أنّه قد يكون إيجابياً في بعض الحالات". ويوضح قائلاً: "حتى أنّنا حين نبتعد عن أنفسنا سوف ننظر إليها من بعيد، ونعيد اكتشاف ذواتنا بشكل أفضل. وأنا في الغربة اكتشفتُ شخصاً آخر يعيش في داخلي. فنحن ننسى ذواتنا أحياناً وسط صخب الحياة اليومية، لكن حين نبتعد يختلف الأمر".

الفيلم يتطرّق أيضاً الى موضوع الغربة عن الرب، ويقول باسيل في هذا الإطار: "من الطبيعي أن نمرّ بفترات نشعر فيها أننا عاجزون عن الصلاة وعن القيام بواجباتنا الدينية. حتى أننا قد نشعر أننا نعاتبه لأنّه لا يستجيب لصرخاتنا. لكن مهما طال الأمر، سنكتشف لاحقاً أنّ الرب بقي قريباً منا مهما ابتعدنا عنه".



عيون المحبّين تجمّل صفاتنا

وفي السياق، يشير باسيل الى أنّه حين خرج من ما يسمّى الـ"comfort zone" حين ابتعد عن أسرته وعن جوّ الحب والأمان والدلال الذي كان يعيش فيه، شعر عندها بمسؤولية كبيرة، وتحوّل الى شاب أكثر وعياً ونضجاً، الأمر الذي أتاح له أن يكتشف صفات جميلة عدّة في داخله لم يكن يعرفها من قبل. وفي المقابل، اكتشف في داخله أيضاً صفات قبيحة، وأيقن أنّ عيون المحبّين المحيطين به كانت تعمل على تجميلها. ويقول: "بالفعل رأيتُ نفسي أكثر قرباً من حقيقتي، حتى باتت الغربة أشبه بمرآة أنظر فيها الى نفسي مجرّداً من كل القشور التي كانت تغطي عيوبي وحسناتي على حدّ سواء".

علينا أن نصنع أبواباً ونفتحها

عراقيل عدّة واجهت فيلم "من بعيد" ومنعته من أن يبصر النور خلال السنوات الثلاث الماضية. لكنّ ذلك لم يثنِ من عزيمة الياس، بل زاده إصراراً على العمل بجهد لإنجاز فيلمه. وعن تأمين تكلفة الإنتاج في هذه الظروف الصعبة، يؤكّد باسيل أنّها اقتصرت على مبلغ زهيد جداً، "لأنّ هناك أشخاصاً خيّرون تطوّعوا للمساعدة. وأنا أشكر الربّ على فريق العمل الذي تعاون معي على إنتاج الفيلم، وهم أصحاب وزملاء قدّموا العمل مجاناً لأنّهم يؤمنون بالموهبة وبالهدف والرسالة التي يسعى الفيلم الى نشرها".

ويشير الى أنّه من الطبيعي كشاب لبناني أن يمرّ في مرحلة يفقد فيها الأمل، "فنحن بشر مكوّنون من مجموعة أحاسيس ودروس نخوضها في الحياة، وأنا مررتُ بهذه الفترة أيضاً مثل معظم الشبان حيث فقدتُ الأمل من نفسي ومن موهبتي. لكني عدتُ واختبرتُ بالفعل أنّ طريق النجاح صعب ويحتاج الى تعب وجهد ومثابرة. علينا أن نركض خلف أحلامنا حتى تحقيقها مهما كانت الصعوبات والعثرات". ويتابع أنّه في السابق لم يجد لنفسه مكاناً في مجال التمثيل وكتابة الدراما، إذ لم يعطه أحد هذه الفرصة. لكنّه بادر وخلق الفرصة لنفسه بمبادرة فردية تحوّلت الى بصمة سنوية من خلال الأفلام الميلادية التي يطلقها. ويختم بالقول: "حين نجد الأبواب مقفلةً أمامنا، علينا أن نصنع لأنفسنا أبواباً ونفتحها. ومع الوقت سنصبح نحن الباب الذي قد يُفتح أمام غيرنا".

في نهاية الحفل، جُمعت تبرّعات حرّة لصالح فريق "S’aime" الذي يضمّ مجموعة من الشبان والشابات الملتزمين بمساعدة الأسر الفقيرة والمسنّين الذين يعيشون بمفردهم. ولفت باسيل الى أنّه اختار التعاون مع فريق "S’aime" بالذات لسببين أساسيين، الأوّل أنّ هؤلاء الناشطين لا يعملون ضمن جمعية، وبالتالي ليس لهم مموّل دائم يدعمهم. والسبب الثاني أنّهم اتخذوا من الأم تيريزا مثالاً لهم، مشيراً الى أنّها كانت قد عاشت خلال سنوات عدّة فترة البُعد عن الله، رغم أنّها استمرّت في تأديتها لرسالتها. وهو أمر طبيعي يمرّ البعض ويكون خلاله ضمن حالة من الجفاف الروحي، ويسمّى في المفهوم المسيحي صحراء النفس أو ليل الإيمان.


MISS 3