كارين عبد النور

لبنان في الـ 2021: كما في أعلى المراتب كذلك في أدناها!

متفوّقون في الذهب فاشلون في السعادة

31 كانون الأول 2021

02 : 00

الفقر عنوان عريض
كعادته، أبى بلد التناقضات لبنان إلّا أن يودّع العام 2021 من دون ان يحجز لنفسه في آن مزيجاً من المراتب "الطليعية" إن على صعيد الفشل والخيبات أو النجاح والإبداعات.




من الإخفاقات نبدأ.

ها هو الشعب اللبناني يحتل، وبسهولة المرتبة 123 من أصل 149 في ترتيب أكثر الشعوب سعادة حول العالم، وذلك وفقاً لتقرير السعادة العالمي للعام 2021. وفي حين اعتمد التقرير على إجمالي الناتج المحلي للفرد والحياة الصحية التي ينعم بها، كذلك الدعم الاجتماعي الذي يحظى به متى تعرّض لمشاكل معيّنة، ناهيك بحقه في التعبير عن الرأي بحرية وشعوره بمدى تفشي الفساد في بلده، فقد جاء لبنان في مرتبة متأخرة جدّاً في انعكاس لواقع مزرٍ لا ينفك يفاقم كمّ التعاسة المتناثرة في طيات الحياة اليومية للمواطن.

كيف لا، وقد اعتُبرت الأزمة الراهنة من الأكثر قسوة في التاريخ. فقد وصفها تقرير مرصد الاقتصاد اللبناني الصادر عن البنك الدولي بالأكثر حدّة، واضعاً إياها ضمن أصعب ثلاث أزمات سجلت منذ أواسط القرن التاسع عشر على مستوى العالم. وكنتيجة مباشرة للأزمة، فقد تدهورت قيمة العملة اللبنانية، وتآكلت القدرة الشرائية، كما أصبح متعذراً الوصول إلى الرعاية الطبية فضلاً عن "التسرّب المدرسي" وانتقال الكثير من الطلاب من المدارس الخاصة إلى الرسمية، وارتفعت كذلك معدلات التضخم التي تُعتبر من أسوأ العوامل المسببة لازدياد معدلات الفقر والبطالة اللذين يشهدهما البلد حالياً.


ماريا مسعود



بين الأُوَل

نعم، لقد احتلّ لبنان المرتبة الأولى في معدّل التضخم السنوي للعام 2021 حيث تجاوز في هذا الإطار، بحسب "بلومبيرغ"، دولاً كزيمبابوي وفنزويلا. ومن الطبيعي، تزامناً مع الانهيار المالي، أن يرتفع مؤشر أسعار المستهلك والمواد الغذائية التي تخطت أسعارها 10 أضعاف ما كانت عليه من قبل، من جهة، وأن تفقد العملة اللبنانية قيمتها، من جهة أخرى. إذ أعلنت إدارة الإحصاء المركزي في بيان لها الشهر الماضي، أنّ معدّل التضخم في لبنان للعام 2021 سجّل ارتفاعاً بنسبة 178% خلال عام واحد.

أمّا بالنسبة للدين العام، فحدّث ولا حرج. فقد بلغ أكثر من 150% من الناتج الإجمالي ليتخطى بذلك أعلى معدّلات المديونية في العالم، إذ وصل في آب 2021 – بحسب أرقام جمعية المصارف في لبنان – إلى حدود 98.73 مليار دولار، وهو ما يشكل ارتفاعاً بنسبة 3.3% مقارنة مع نهاية العام 2020 السيئ هو الآخر بجميع المعايير. وهذا كفيل بحجز لبنان مرتبة "متفوقة" هنا عربياً أوعالمياً.

وعلى هذا المنوال تتوالى النكبات. فقد صُنّفت الليرة اللبنانية في المرتبة الأولى عالمياً لناحية أكثر العملات المقوّمة (Denominated) بأقلّ من قيمتها الحقيقية. إذ أشارت مجلة "إيكونوميست" إلى أنّ الليرة اللبنانية مقومة بأقل من قيمتها بنسبة 70.2%، بحسب بيانات مؤشر "بيغ ماك" الذي تعتمده المجلة المرموقة للعام 2021.

وهنيئاً لنا رقم آخر. فقد حجز لبنان لنفسه في العام 2021 مقعداً في الصفوف الأمامية للبلدان ذات الرواتب الأقل عالمياً. وهو بذلك انضم إلى كل من أفغانستان وسريلانكا وأنغولا ليشكل معها نواة الدول الأكثر تدنياً للأجور لهذا العام، بحسب "الدولية للمعلومات".

إلى ذلك، تصدّر لبنان المرتبة الأولى عالمياً لناحية التهرّب الضريبي. إذ أشارت وثائق "باندورا" المنشورة من خلال تحقيق للاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية (ICIJ)، أنّ عدد الشركات الوهمية والسرية التي تعمل في الملاذات الضريبية لصالح رجال السياسة والأثرياء والمشاهير في لبنان بلغ 346 شركة على الأقل. وبذلك، فقد كان للبلد حصة الأسد من حيث لجوء نخبه إلى هذه الشركات تهرّباً من القيود الضريبية.

نأتي إلى مؤشر الدول الفاشلة/الهشة للعام 2021 الذي ينشره سنوياً الصندوق العالمي من أجل السلام. فقد أبرز المؤشر تراجع لبنان 6 مراكز في الترتيب العالمي مقارنة مع العام 2020، ليحلّ بذلك في المرتبة 34 من بين 179 دولة. ومن أبرز النقاط التي أدّت إلى تراجع لبنان على مقياس هذا المؤشر، الخطر الأمني والعنف السياسي، انقسام النخب السياسية، الانحدار الاقتصادي، فقدان مشروعية الدولة، ازدياد التدخلات الخارجية، تراجع أوضاع حقوق الانسان ونسبة النزوح والتهجير.

ثمة المزيد. فبحسب موقع "Our World In Data"، احتل لبنان في مرحلة معينة من سنة 2021 المرتبة العاشرة عالمياً بعدد الإصابات المثبتة يومياً بمرض فيروس كوفيد - 19 لكل مليون نسمة، كما المرتبة 47 من حيث الوفيات. "لنا في كل عرس قرص"، كما يقول المثل الشعبي.

صنوبر بكاسين على مدّ العين



تدهور بيئي


ولا بد لنا من وقفة مع البيئة. فأهلاً بكم في أحد "البلدان الأكثر تلوثاً والأسوأ مكافحة له" للعام 2021، كما يؤكّد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. فلبنان يعاني من تدهور بيئي ناجم عن تكدّس النفايات وحرقها في الهواء، إضافة إلى الدخان المنبعث من السيارات والمعامل وانفجار مرفأ بيروت، ما جعله يتبوأ المرتبة الأولى من حيث الوفيات بمرض السرطان ذات الصلة نسبة لعدد السكان.

القائمة تطول. لكن لنتوقف عند هذا الحد مفسحين المجال في هذه العجالة للإضاءة على "إنجازات" فردية وجماعية شهدها عام 2021 تبقي جذوة الأمل مشتعلة رغم كل شيء.

... وسنة المراكز المتقدّمة أيضاً

كان القطاع التعليمي، ولا يزال، يعكس وجه لبنان الحضاري عالمياً رغم كل الصعاب التي عصفت به على مرّ السنين. فقد جاء "المنتدى الاقتصادي العالمي" الذي عقد في دافوس السويسرية ليضع لبنان في المرتبة الثالثة عربياً والـ25 عالمياً وفق التصنيف العالمي لجودة التعليم للعام 2021.

لندع جانباً لبرهة قضية منح جامعات لبنانية خاصة شهادات مزورة لطلاب عراقيين – فهي وصمة بلا شك لكنها لا تعكس حال القطاع عامة. فقد حلّت 8 جامعات لبنانية بين أفضل 1000 جامعة عالمية بحسب تصنيف مؤسسة "كيو اس" البريطانية العالمية المتخصصة بالتعليم العالي الصادر عام 2021. التصنيف يرتكز على عدد من المعايير أهمها السمعة الأكاديمية، نسبة الاستشهادات بالأوراق البحثية ونسبة حاملي شهادات الدكتوراه في الهيئة التعليمية. وقد أحرزت الجامعة اللبنانية تقدماً ملحوظاً في تصنيف "كيو اس" متقدمة 98 مرتبة عن العام الماضي في ما خصّ مؤشر "السمعة المهنية".

من ناحيتها، رفعت الطالبة ماريا مسعود، من بلدة عرسال، إسم لبنان عالياً بعد نيلها المرتبة الأولى عالمياً في المسابقة الودية الافتراضية للحساب الذهني. مسعود البالغة من العمر 13 عاماً تفوقت على 700 مشترك من كل من اليابان، الصين، كوريا الجنوبية، الولايات المتحدة الأميركية، الأردن، العراق، ماليزيا، أستراليا، ماكاو، بريطانيا وهونغ كونغ.

إبداع آخر للشباب اللبناني. فالشاب عمر خير، ابن بلدة دوما، وبعد أن تخرج من الجامعة الأميركية في بيروت بشهادة هندسة ميكانيكية، انتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث تابع دراساته ليتوظف لاحقاً في شركة تترنّح على حافة الانهيار ويساعد في انتشالها، بفضل كفاءته، من تعثرها.

إنجاز آخر يضاف إلى لائحة الإنجازات العلمية اللبنانية، عربياً وعالمياً. فقد مُنحت اللبنانية، ابنة بيروت، الدكتورة هالة غصن وسام التميز الذهبي لعلوم الصيدلة والأبحاث العلمية، وجائزة التميز الدولية للعام 2021. وجاء التكريم أعلاه تقديراً لجهود غصن كمديرة الأبحاث والدواء واللقاح في قسم الصيدلة في مستشفى جامعة تكساس الأميركية ضمن احتفالية "جائزة فخر العرب للإبداع".

من جهة أخرى وعلى صعيد المبادرات الإنسانية – وما أحوجنا إليها - تم اختيار اللبناني عمر عيتاني فائزاً عن فئة "المبادرون الشباب" عن شركته "فابريك إيد" من قبل مؤسسة "تكريم" من ضمن مجموعة متميزين في مجالات الثقافة، والتعليم، والعلوم، والبيئة، والأعمال الخيرية، والمجتمع، والاقتصاد للعام 2021. وقد نجح عيتاني، من خلال شركته، بابتكار آلية لإيصال الملابس من مقتدرين إلى محتاجين من خلال 200 حاوية منتشرة في لبنان، ومن ثم فرزها وتنظيفها بهدف بيعها بأسعار تراعي ظروف الأزمة الاقتصادية.


منتخب لبنان لكرة السلة


على الصعيد الرياضي، ضمن المنتخب اللبناني لكرة السلة تأهله لنهائيات بطولة آسيا وموعدها السنة المقبلة. وهو إنجاز بالنظر إلى توقف الدوري مراراً خلال العامين المنصرمين لأسباب أمنية وصحية، مؤكداً علوّ كعب اللاعب اللبناني بالرغم من التحديات. وكان لسيدات السلة إنجازهن أيضاً: فقد نجح المنتخب في التأهل من بين أفضل 8 منتخبات إلى المستوى الأول للمنافسة في النسخة المقبلة من بطولة كأس آسيا عام 2023.

وللجمال حصته أيضاً. فبحسب تقرير لموقع UCityGuides""، احتلت المرأة اللبنانية المرتبة الثامنة في قائمة ترتيب أجمل نساء العالم بعد البرازيل، روسيا، سلوفاكيا، السويد، فنزويلا، كولومبيا وأوكرانيا.

وبالعودة إلى الاقتصاد، ثمة رقم يطمئن بعض الشيء وسط حال الانهيار. فقد جاء لبنان في المركز الثاني بعد السعودية عربياً، والمركز 19 عالمياً، في امتلاك أكبر احتياطي للذهب وفق التقرير الختامي لمجلس الذهب العالمي لسنة 2021. ويبلغ حجم احتياطي لبنان من الذهب 286.8 طناً، ما يمثل 43.3% من مجموع احتياطياته.

أما على الصعيد الحكومي، فقد أعلن وزير الطاقة والمياه، وليد فياض، في خلال فعاليات "الحوار عالي المستوى حول الطاقة" والذي استضافته الهيئة العامة للامم المتحدة في أيلول الماضي، أنّ وزارة الطاقة والمياه قدمت تقرير Energy Compact إلى أمانة سر الأمم المتحدة قبيل انعقاد الحوار، ليكون لبنان من بين أول 11 دولة تقدم التقرير. وهو تقرير تعتمد عليه المؤسسات الدولية والجهات المانحة لتقديم المساعدات للدول النامية في مجال الطاقة المتجددة. كما أكّد فياض إلتزام لبنان تطوير سوق الطاقات المتجددة وصولا ًالى تحقيق هدف 30 بالمئة طاقة متجددة بحلول العام 2030. كلام يبعث على التفاؤل لكن دونه إقران الأقوال بكثير من الأفعال.

سياحياً، صنفت بلدة "بكاسين" الجنوبية كواحدة من أفضل القرى السياحية في العالم خلال انعقاد الدورة 24 للجمعية العامة لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة مؤخراً في إسبانيا. وقد تم اختيار بكاسين من بين أكثر من 170 قرية في 75 دولة، حسبما أعلنت وزارة السياحة.

وفي الختام، لا بدّ من أن نعرّج على "إنجاز" من نوع آخر تمثّل بتراجع مرتبة لبنان سنة 2021 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة ليحتل المرتبة 107 على سلّم الحريات بحسب منظمة "مراسلون بلا حدود"، بعدمت كان لفترات طويلة نموذجاً عالمياً يحتذى به في هذا المضمار.

على أمل اللقاء العام المقبل وتكون قد طالت قائمة الإنجازات وتراجعت حدّة الإخفاقات... كمّاً ونوعاً!


MISS 3