خالد أبو شقرا

"ردّة الإجر" الحكومية... "بخششة" أصول الدولة!

31 كانون الأول 2021

02 : 00

تشع من تحت "الرماد" الحكومي "جمرات" تحميل المواطنين العبء الأكبر من الخسائر بشكل غير مباشر. بعد الهندسات المباشرة لحاكم المصرف المركزي منذ بدء الأزمة بتخفيض ديون المنظومة بالتضخم، أتى دور السلطة للقيام بـ"ردة الأجر" وتخفيف الحمل عن المركزي والمصارف، و"بخششة" حصة المواطنين من القطاع العام. صحيح أن من في السلطة لا يملك "عصا سحرية"، إنما بيده القرار. وبهذا القرار اختار الاستنسابية بمتطلبات الخروج من الأزمة التي يصر عليها صندوق النقد الدولي والجهات المانحة، فجمد الاصلاحات، وعطل التدقيق والمحاسبة في مصرف لبنان والادارات العامة والكهرباء، وأوقد النار تحت زيادة الضرائب وتحرير سعر الصرف ورفع الدعم.

"نكاد نقول بكل ثقة إنه منذ العام 2019 لم يجر إصلاح حقيقي واحد"، يقول مصدر متابع، "وباستثناء قانون الشراء العام الذي لم ينفذ بعد وتثار حول قدراته التطبيقية هواجس واسئلة، فان كل القوانين التي أقرت كانت "خلبية"، وأعجز من أن تخرق الفساد. وللمثال رفع السرية المصرفية والاختلاف على "الكابيتال كونترول"، وقوانين مكافحة الفساد... وغيرها الكثير". الخطوة الثانية التي ستعقب "تسخين" المواطنين بـ"لهيب" ارتفاع الاسعار وغياب "مبردات" المساعدة الاجتماعية، ستكون ببيع أصول الدولة بـ"البلاش" لتسديد ديون مصرف لبنان والمصارف التجارية. فالمنطق الذي يحتكم اليه أهل المنظومة بحسب المصدر هو أن "الدولة استدانت لتثبيت سعر الصرف على مدار العقدين الماضيين، ودعم الاستيراد وتعزيز القدرة الشرائية، مع القليل، (الكثير)، من "لحس الأصبع". وقد استفاد من هذا الواقع كل المواطنين. فما المانع من بيع ما يملكون من الملك العام للتسديد للدائنين، الذين هم في النهاية المودعون، و"يا دار ما دخلك شر".

هذه الجدلية التي تبدو في الشكل منطقية، تتضمن بحسب أحد الخبراء عيوباً بنيوية كثيرة. فمن دون إصلاحات لن تذهب أصول الدولة سدى فقط، إنما ستكون أعجز عن خدمة المواطنين بما يليق بهم. وستتحول إلى "جزر" مستقلة تتناتش جيفة الاقتصاد مستفيدة من شريعة الغاب وغياب القضاء. هذا من جهة، أمّا من جهة أخرى فان كل ما تملك الدولة من مشاريع (الكازينو، الريجي، الميدل ايست..)، وبنى تحتية (مطارات ومرافئ..)، وعقارات (الواجهة البحرية والمشاعات)، ومرافق عامة (اوجيرو، شركات الاتصالات، الكهرباء والمياه) لا تؤمن أكثر من 22 مليار دولار في أحسن السيناريوات، بحسب دراسة بحثية (خصخصة الأصول اللبنانية العامة – لا يوجد حل سحري للأزمة) للباحث في معهد عصام فارس ألبير كوستانيان. في المقابل فان الفجوة النقدية تبلغ 69 مليار دولار بحسب المصادر الرسمية وهي تتجاوز 100 مليار دولار فعلياً. فكيف لهذا الرقم الهزيل أن يسد هذه الهوة السحيقة ولمصلحة مَن بيع أصول الدولة بأرخص الأسعار.

أسئلة كثيرة، أجوبتها الفعلية تتلخص بعدم اكتراث من في السلطة لا بالدولة ولا بالمواطنين إنما بحماية مصالحهم واستمرار "مص" دم المواطنين للقطرة الأخيرة. وهذه الاستراتيجية "الخبيثة" برأي الخبير "تتستر بصندوق النقد لتمرير الأمور الخلافية والصعبة، ولا تعمل في النهاية إلا مصالحها التي لا تتسع للصندوق ولا للإصلاحات".