الراعي شدد في قداس يوم السلام على 3 سبل رسمها البابا لبنائه: الحوار والتربية والعمل

12 : 52

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس "اليوم العالمي للسلام"، في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان مارون العمار وشكرالله نبيل الحاج، بمشاركة لفيف من المطارنة والكهنة والراهبات، وفي حضور الوزير السابق سليم الصايغ، سفير الباراغواي فرناندو باريسي، المدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطار، أسرة لجنة "عدالة وسلام" وعدد من الفاعليات السياسية والعسكرية والنقابية والدينية والمؤمنين.

بعد الإنجيل، ألقى عظة بعنوان "ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام على الجبال". وقال: "بهذه العبارة من أشعيا النبي، قالها خمسماية سنة قبل المسيح متنبئا عنه أنه المبشر بامتياز بهذا السلام، وقد سماه في مكان آخر أمير السلام (أشعيا 9 : 6). استهل قداسة البابا فرنسيس رسالته ليوم السلام العالمي 2022، بعنوان الحوار بين الأجيال، ورسم ثلاثة سبل لبناء سلام دائم هي: الحوار بين الأجيال كأساس للالتزام المشترك في بناء السلام، والتربية كعامل حرية ومسؤولية وإنماء، والعمل كوسيلة التحقيق الكامل للكرامة البشرية. نصلي لكي يمنحنا الله نعمة التزام نشر السلام وبنائه، فنكون أبناء وبنات حقيقيين لله، وننعم بالطوبى التي أعلنها الرب يسوع في إنجيل التطويبات: طوبى لفاعلي السلام، فإنهم أبناء الله يدعون ".

أضاف: "يطيب لي أن أحيي اللجنة الأسقفية عدالة وسلام، المنبثقة من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. نحيي رئيسها الجديد سيادة أخينا المطران مارون العمار، ورئيسها السابق سيادة أخينا المطران شكرالله نبيل الحاج؛ كما نحيي أعضاء هذه اللجنة. فإنا بالشركة الروحية مع مجلس البطاركة والأساقفة نحتفل هنا باليوم العالمي للسلام. ومعا نلتمس السلام والاستقرار في لبنان وبلدان الشرق الأوسط والعالم، وفي كل مكان تعاني فيه الشعوب ويلات الحروب والنزاعات وآلام الجوع والبطالة والمرض ومرارة الظلم والحرمان والجور والاستبداد. وقبل الدخول في مضمون رسالة قداسة البابا يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجية الإلهية على نية السلام، ويطيب لي أن أقدم لكم التهاني والتمنيات للعام الجديد 2022، وأن أحيي بيننا سفير البراغواي السيد Fernando Parisi، والأب حنون إندراوس المرسل اللبناني الذي تولى لسنوات رئاسة الرسالة المارونية في Buenos Aires في الأرجنتين".

وتابع: "يؤكد قداسة البابا في رسالته أن السلام في آن هو هبة من الله، وثمرة إلتزام مشترك. يوجد في الواقع هندسة سلام حيث تتشارك المؤسسات الإجتماعية المختلفة، وصناعة سلام تلزم كل واحد منا شخصيا. الجميع يستطيعون التعاون في بناء عالم أكثر سلميا، انطلاقا من القلب الشخصي، ومن العلاقات في العائلة والمجتمع ومع البيئة، وصولا إلى العلاقات بين الشعوب والدول. وذكر قداسته بالإسم الجديد الذي أعطاه للسلام القديس البابا بولس السادس وهو الإنماء الشامل، الذي بكل أسف يبقى بعيدا من حياة الكثيرين من الرجال والنساء والشعوب. ونحن منهم في لبنان بالشكل المأسوي! ثم يتناول البابا فرنسيس في رسالته سبل السلام الثلاثة. الأول، الحوار بين الأجيال سبيل لبناء السلام الدائم. كل حوار صادق يقتضي دائما كأساس الثقة بين المتحاورين. الحوار يعني أن نصغي بعضنا إلى بعض، ونناقش بعضنا بعضا، ونتفق مع بعضنا، ونسير معا. وبذلك نفلح أرض الصراع والإقصاء الصلبة والعقيمة، ونزرع فيها بزور سلام دائم ومشترك. إذا عرفنا، في الصعوبات، كيف نمارس هذا الحوار بين الأجيال تمكنا من التجذر في الحاضر، بالتالي من العودة إلى الماضي والمستقبل: نعود إلى الماضي لنتعلم من التاريخ ونضمد الجراح التي غالبا ما تؤثر فينا؛ ونعود إلى المستقبل، لنغذي الحماس، وننبت الأحلام، ونزهر الرجاء. وبهذه الطريقة، متحدين، يمكننا أن نتعلم بعضنا من بعض. بدون جذور كيف يمكن للأشجار أن تنمو وتؤتي ثمرا؟"

وقال: "الثاني، التعليم والتربية كمحركين للسلام. في السنوات الأخيرة، انخفضت موازنة التعليم والتربية بشكل كبير في جميع أنحاء العالم، باعتبارها إنفاقا وليس استثمارا. فالتعليم والتربية يمثلان القوة الموجهة الأساسية للتنمية البشرية المتكاملة، إذ يجعلان الإنسان أكثر حرية ومسؤولية؛ وهما ضروريان للدفاع عن السلام وتعزيزه؛ كما هما أساس المجتمع المدني المتماسك والقادر على أن يحي الرجاء والغنى والتقدم. أما في المقابل فقد ازداد الإنفاق على التسلح، وتجاوز المستوى المسجل في نهاية الحرب الباردة، ويبدو أنه مقدر له أن ينمو بشكل مفرط. لذلك من الملائم والملح أن يقوم أصحاب المسؤوليات الحكومية بوضع سياسات اقتصادية تصنع انقلابا في الموازنات المخصصة للاستثمارات العامة في التربية، وتلك المخصصة للتسلح. فإن السعي إلى تحقيق مسيرة حقيقية لنزع السلاح الدولي لا يمكن إلا أن تعود بفوائد كبيرة على تنمية الشعوب والدول، وتحرير الموارد المالية لاستخدامها بطريقة أكثر ملاءمة للصحة، والمدارس، والبنى التحتية، ورعاية الأرض، وما إلى ذلك".

أضاف: "الثالث، العمل تعزيزه وتأمينه يبنيان السلام. العمل هو مقوم لا غنى عنه لبناء السلام والحفاظ عليه. إنه تعبير عن الذات وعن المواهب الخاصة، ولكنه أيضا التزام، وجهد، وتعاون مع الآخرين، لأننا نعمل دائما مع أو من أجل شخص آخر. من هذا المنظور الاجتماعي الملحوظ، يكون العمل المكان الذي فيه نتعلم أن نقدم مساهمتنا من أجل عالم يزداد جمالا وقابلية للعيش. وإذ ازداد الوضع سوءا بسبب جائحة كورونا في عالم العمل، الذي كان يواجه من قبل تحديات متعددة، وأفلست ملايين الفعاليات الاقتصادية والإنتاجية، تعرض العمال غير المستقرين لمزيد من الأخطار. وسبب التعليم عن بعد في كثير من الحالات تراجعا في التعلم وفي المسارات المدرسية. بالإضافة إلى ذلك، الشباب المشرفون على السوق الوظيفي، والكبار العاطلون عن العمل، يواجهون اليوم مصيرا مأسويا. ثم جاء تأثير الأزمة على الاقتصاد غير الرسمي مدمرا، وغالبا ما شمل العمال المهاجرين. العديد منهم لا تعترف بهم القوانين الوطنية، ويعيشون في ظروف غير مستقرة، لهم ولعائلاتهم، وبدون نظام رعاية اجتماعية يحميهم. ويضاف إلى ذلك أن ثلث سكان العالم فقط، ممن هم في سن العمل، يتمتعون حاليا بنظام حماية اجتماعية، أو يمكنهم فقط الاستفادة منه بأشكال محدودة. لكل هذه الأسباب ازداد العنف وازدادت الجريمة المنظمة في العديد من البلدان، مما أدى إلى خنق حرية الأشخاص وكرامتهم، وتسميم الاقتصاد ومنع الخير العام من التطور. إن الجواب على هذا الوضع يتم فقط من خلال توفير مزيد من فرص العمل الكريم".

وتابع: "في الواقع، يقول قداسته، العمل هو الأساس لتوطيد العدالة والتضامن في كل مجتمع. لهذا، يجب ألا نسعى باستمرار لاستبدال العمل البشري بالتقدم التكنولوجي: لأنه بهذه الطريقة ستدمر البشرية نفسها بنفسها. العمل هو ضرورة، لإنه جزء من معنى الحياة على هذه الأرض، وهو سبيل للنضوج والتطور الإنساني ولتحقيق الذات. يجب أن نوحد أفكارنا وجهودنا لنخلق الظروف ونبتكر الحلول، حتى يتمكن كل إنسان في سن العمل من أن يساهم بعمله الخاص في حياة عائلته وفي حياة المجتمع. أصبح من الضروري، أكثر من أي وقت مضى، أن نعزز ظروف العمل اللائقة والكريمة في جميع أنحاء العالم، ونوجهها نحو الخير العام والحفاظ على الخليقة. إذا نظرنا الآن الى واقعنا اللبناني، نجد ان هذه الرسالة تشكل أفضل برنامج عمل للمرشحين الى النيابية".

وقال: "يختم قداسة البابا فرنسيس رسالته بالنداءات الآتية: أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! بينما نسعى لتوحيد جهودنا من أجل الخروج من الجائحة، أود أن أجدد شكري للذين التزموا وما زالوا يكرسون أنفسهم بسخاء ومسؤولية لضمان التعليم، والأمن وحماية الحقوق، وتقديم الرعاية الطبية، وتسهيل اللقاء بين أفراد العائلة والمرضى، وضمان الدعم المادي للمحتاجين أو الذين فقدوا عملهم. وأؤكد أنني ما زلت أذكر جميع الضحايا وعائلاتهم في صلاتي. أناشد الحكام وكل الذين لديهم مسؤوليات سياسية واجتماعية، والرعاة ومنشطي الجماعات الكنسية، وأيضا جميع الرجال والنساء ذوي النوايا الحسنة، حتى نسير معا على هذه الطرق الثلاثة وهي: الحوار بين الأجيال، والتربية، والعمل، بشجاعة وإبداع، وأن يزداد ويتضاعف عدد الذين يصبحون يوما بعد يوم صناع سلام، من دون أن يحدثوا ضجيجا، وبتواضع ومثابرة. ولترافقهم دائما بركة الله إله السلام!"

وختم: "إنا في يوم السلام العالمي ننضم إلى نيات قداسة البابا ونسأل الله أن يحققها سلاما في أرضنا وفي العالم كله".

MISS 3