د. ميشال الشماعي

تفاهم أبو رغال وابن الصُّبحا

5 كانون الثاني 2022

02 : 00

في الظاهر، عزاء لمقتل سليماني لكن في الباطن عداء ما بعده عداء للدول العربية كلّها ولا سيما السعوديّة. ممّا لا شكّ فيه أنّ خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله هو خطاب استعلائيّ – استعدائيّ نعى فيه حكومة ميقاتي، لكأنّه يقول له: "لا تتعذّب وتسعى لنيل الرضى العربي لقد أقفلت هذا الباب والأمر لي". ولا تنفع أيّ بيانات صادرة ولو من الجهات الرسميّة تتبرّأ ممّا قاله نصرالله. فما قيل قد قيل، وانتهى البيان. وهو بنفسه، أي نصرالله، مدرك ما اقترفه، وينتظر الآن الردّ العربي، من أين سيكون؟ وهل يستطيع اللبنانيّون أن يقدِموا على أيّ ردٍّ لهذه الخطابات الاستعدائيّة والاستعلائيّة؟

وفي ذكرى اغتيال سليماني في 3 كانون الثاني 2020، في غارة جوية أميركية بطائرة بدون طيار بالقرب من مطار بغداد، التي أمر بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أساس أن سليماني يشكل تهديداً وشيكاً على الأرواح الأميركية، هدّد نصرالله الولايات المتحدة وحلفاءها بالانتقام لدماء سليماني، واتّهم كلّ من يصادق الأميركيين في لبنان والمنطقة بأنّه شريك في القتل والتآمر.

والردّ السريع الذي أتى من السفير السعودي لدى لبنان وليد بخاري في منشور عبر حسابه على "فيسبوك": معلومة في غاية الأهمية: أبو رغال شخصية عربية توصف بأنها رمز الخيانة. وكان للعرب قبل الإسلام شعيرة تتمثل في رجم قبر أبو رغال بعد الحج. وظلّت هذه الشعيرة في الفترة بين غزو أبرهة الأشرم حاكم اليمن من قبل النجاشي ملك الحبشة عام 571 ميلادي وحتى ظهور الإسلام. وأبو رغال هو الدليل العربي لجيش أبرهة، فما كان الأحباش يعرفون مكان الكعبة وكلما جاؤوا بدليل من العرب ليدلهم على طريق الكعبة يرفض مهما عرضوا عليه من مال، ولم يقبل هذا العمل سوى أبو رغال فكان جزاؤه من جنس عمله أن نُعِتَ كلُّ خائنٍ للعرب بعدَه بأبي رغال.

وهذه الشخصيّة عينها مطبوعة أيضاً في التاريخ المسيحي اللبناني بشخصيّة " إبن الصّبحا" فيذكر المؤرّخون الموارنة في ما يتعلّق بأحداث العام 1283 في نهاية الفترة الصليبية التي ترتبط بغزو جبة بشري من قبل الجيش المملوكي، حيث تعاون ابن الصبحا من كفرصغاب مع المماليك. وقد كتب الدويهي (1630-1704) في كتابه "تاريخ الأزمنة" عن دور هذه الشخصيّة خلال هذا الغزو. فشرح الدويهي كيف أرشد ابن الصبحا من قرية كفرصغاب المماليك للسيطرة على الحصن في حوقا، حيث قدّم نصيحته للجيش بأن يحوّل مصدر المياه من بشرّي ويوجّهه ضدّ الحصن. وهكذا تمكنوا من أخذ الحصن في حوقا بقوة الماء ودمّروه. ومقابل ذلك أغدق عليه المماليك الأموال والألقاب؛ ثم تاب ابن الصبحا عن أفعاله السيئة، وعاد فشيّد دير حوقا بالقرب من الحصن ليأوي الرهبان.

ومن العام 571 حتى العام 1283 وصولاً إلى العام 2006، تبدّلت التواريخ والأسماء لكن الجوهر واحد، وهو التآمر على الوطن اللبناني، والبحث في كيفيّة خيانته للحصول على القدر الأكبر من المغانم الشخصيّة، إن في المال وإن في المراكز. ومَن تجمعهم الخيانة لا تفرّقهم إلا الخلافات على المغانم، لكنّهم يتعالون دائماً عن خلافاتهم هذه ليحافظوا على مكتسباتهم في الحكم. من هنا، كلّ ما نشهده من تصعيد سياسي مارسه التيار الوطني الحرّ بحقّ حليفه "حزب الله" لا يعدو كونه مسرحيّة سمجة أبطالها معروفون، ومخرجها واحد، ومنتجها هم الذين وضعوا أيديهم بيده تآمراً على تاريخهم الوجودي في لبنان.

والدليل الآخر على أنّ هذا الخلاف هو وهميّ، الإشارة من قبل أمين عام "حزب الله" إلى التمسّك بوثيقة مار مخايل والاستعداد إلى تطويرها، إضافةً إلى ما ذكره رئيس التيّار عندما أشار في كلمته إلى وجود مسائل تحتاج إلى نقاش وتوضيح ومصارحة. ما يعني ذلك حتماً أن لا خلاف جوهرياً بين الطرفين، والدليل الأسطع هو أنّ رئيس التيّار لا يجرؤ على البحث بسلاح "حزب الله" أو الاعتراف بعدم شرعيّته، بل كلاهما يعيد إلى الأذهان البحث في الاستراتيجيّة الدفاعيّة. بمعنى آخر عمل الجيش اللبناني الذي يعتبَر وحدهُ مسؤولاً عن وضع خطّة عمل استراتيجيّة للدفاع عن لبنان، فيما الحكومة تضع السياسة الدفاعية وتبقى طريقة التنفيذ بيد الجيش اللبناني وفق ما يراه مناسباً بين الاستراتيجيّتين العسكريّة والسياسيّة اللتين تثبّتان وجودية الدولة والجمهوريّة والحكم.

لا يبدو أنّ هذه المرّة سيسلم لبنان من تداعيات تهجّم نصرالله بشكل مباشر على الملك السعودي والمملكة بشكل عام. وقد يكون الردّ قاسياً. ويُبحَثُ في دوائر الخارجيّة عن كيفيّة الردّ بالمباشر من دون أن يطال هذا الردّ اللبنانيّين جميعهم. وهذا ما يؤدي إلى احتمال اتّخاذ إجراءات عقابيّة لا يعرف أحد مدى الحدود التي قد تصل إليها. أمّا لبنانيّاً فلا يمكن الردّ على هذا النهج التدميريّ الذي أدّى إلى إفلاس لبنان وعزله إقليميّاً ودوليّاً إلا بالمشاركة الكثيفة في الانتخابات النيابيّة القادمة لإسقاط هذا الدويتو الحاكم المكوّن من المنظومة الفاسدة والمنظّمة المسلّحة بالضربة الديموقراطيّة القاضية.