بروتين طبيعي يحدّ من الحساسية وأمراض المناعة الذاتية

02 : 00

قد يشعر ملايين الناس بأنهم يحاربون جسمهم طوال الوقت إذا كانت مناعتهم حساسة جداً أو مفرطة النشاط أو مؤذية.

بدءاً من حالات الحساسية المستمرة وصولاً إلى الحساسية المفرطة التي تُهدد الحياة أحياناً وأمراض المناعة الذاتية التي تعيق الحياة اليومية، قد يُسبب جهاز المناعة الذي يُفترض أن يحمينا مشاكل عدة حين يختلّ عمله. اليوم، قد نكون أقرب إلى معالجة هذه المشاكل بطريقة جديدة بالكامل.

استعمل الباحثون فئراناً معدّلة وراثياً، وزرعوا خلايا مأخوذة من لوزة الحلق البشرية، وجمعوا أدلة حول طريقة دفاع الجسم عن نفسه في وجه الاختلالات التي تُسبب حالات مثل الربو والحساسية الغذائية وداء الذئبة. ثم رصدوا بروتيناً اسمه "نيوريتين" وتنتجه الخلايا المناعية. هو أشبه بمضاد هيستامين داخلي ومكثّف.

توضح اختصاصية علم المناعة باولا غونزاليز فيغيروا من الجامعة الأسترالية الوطنية: "يفوق عدد أمراض المناعة الذاتية عتبة الثمانين، ونحن نكتشف في حالات كثيرة منها أجساماً مضادة تتصل بأنسجة الجسم وتهاجمنا بدل استهداف مسببات الأمراض مثل الفيروسات والجراثيم. لقد لاحظنا أن بروتين النيوريتين يمنع نشوء الخلايا البلازمية الشائبة التي تنتج الأجسام المضادة الضارة".

نعرف منذ فترة أن الخلايا التائية التي تنظّم جهاز المناعة تقمع الأجسام المضادة ذاتية الاستهداف والغلوبولين المناعي "ه" (أي الأجسام المضادة التي تحفّز على إطلاق الهيستامين رداً على الحساسية)، لكن لا أحد يعلم كيفية حصول ذلك. احتاجت غونزاليز فيغيروا وزملاؤها إلى خمس سنوات لاستكشاف هذه العملية عبر استعمال فئران مُهندسة وراثياً وخلايا بشرية مزروعة في المختبر.

في نسخة أخرى من سلسلة التفاعلات البيولوجية المألوفة، اكتشف الباحثون أن فئة خاصة من الخلايا التائية التنظيمية الجُرَيبية تضخ بروتين النيوريتين الذي يعطّل إنتاج الغلوبولين المناعي "ه" (إنه مفعوله المضاد للهيستامين) وتقمع عمليات أخرى ترسل الخلايا البلازمية لأداء مهام ذاتية الاستهداف، ما يعني إبطال استجابات المناعة الذاتية. زاد احتمال النفوق بسبب الحساسية المفرطة لدى الفئران التي تعجز عن إنتاج النيوريتين عند ضخ الألبومين الموجود في البيض داخل جسمها. خضعت هذه الفئران للتعديل الوراثي كي تفتقر إلى الخلايا التائية التنظيمية الجُرَيبية التي تنتج النيوريتين، فأنتجت مجموعة من الخلايا البلازمية الشائبة في مرحلة مبكرة من حياتها. إنها الخلايا التي تُطوّر المستضدات الذاتية.

لكن حين عالج الباحثون الفئران التي تفتقر إلى الخلايا التائية التنظيمية الجُرَيبية عبر ضخ النيوريتين في عروقها، توصلوا إلى نتائج مدهشة.

يكتب العلماء في تقريرهم: "بدت الفئران التي تفتقر إلى الخلايا التائية التنظيمية الجُرَيبية سليمة بعد معالجتها ببروتين النيوريتين. أدى العلاج إلى اختفاء الخلايا البائية الشائبة أيضاً".

لكن يلفت الباحثون إلى أنهم لم يفهموا بعد المسار الكامل في هذه الآليات المناعية أو آثار النيوريتين على عمليات خلوية أخرى. يخضع النيوريتين للدراسة في الأجهزة العصبية البشرية منذ فترة، لكن لم تتضح بعد الطريقة التي يستعملها لتنشيط الخلايا.

لاستكشاف ما يحصل، حلل الباحثون خلايا بيضاء مأخوذة من دم بشري ومن لوزة الحلق في ظل وجود البروتين، فاكتشفوا أدلة تثبت مفعوله داخل الجسم. قد تُمهد هذه النتيجة لفهم كيفية استعمال النيوريتين مستقبلاً لمعالجة الأمراض المناعية.

يقول الباحثون: "قد لا يقتصر هذا الاكتشاف على طرح دواء جديد، بل إنه قد يسمح بابتكار مقاربة جديدة بالكامل لمعالجة حالات الحساسية وأمراض المناعة الذاتية. إذا نجحت هذه المقاربة، قد لا نحتاج إلى استنزاف الخلايا المناعية المهمة أو تثبيط جهاز المناعة كله، بل يكفي أن نستعمل البروتينات التي يستخدمها الجسم لزيادة قوة تحمّل المناعة".

إذا كان العلماء محقين في استنتاجاتهم وتبيّن أن بروتين النيوريتين آمن، قد يتمكن المصابون بالحساسية وأمراض المناعة الذاتية من التصالح مع أجسامهم يوماً.

نُشرت نتائج البحث الجديد في مجلة "الخلية".


MISS 3