جاد حداد

رابط بين لقاحات كورونا وزيادة مدة الدورة الشهرية موقتاً؟

15 كانون الثاني 2022

02 : 00

قد تتردد النساء في تلقي لقاح كورونا بسبب ادعاءات حول وجود رابط محتمل بين اللقاح واضطراب الدورة الشهرية. حتى الآن، لم تجمع التجارب العيادية أي بيانات حول الدورة الشهرية بعد تلقي اللقاح. لكن اشتكى عدد صغير من النساء من ظهور مشاكل مرتبطة بالدورة الشهرية بحلول أيار 2021.



بتمويل من المعاهد الوطنية للصحة، بدأ الباحثون يحللون حديثاً الرابط بين مدة الدورة الشهرية ولقاحات كورونا. تقول الدكتورة فيكتوريا ميل، وهي محاضِرة في علم المناعة التناسلية في جامعة "إمبريال كوليدج لندن" في بريطانيا لم تشارك في الدراسة الجديدة: "أهم ما اكتشفته الدراسة هو أن المرأة التي تتلقى جرعتَي اللقاح خلال الدورة نفسها تلاحظ تأخّراً في دورتها اللاحقة بمعدل يومين. لكنها تسترجع وضعها الطبيعي بعد دورتَين".

جمع الباحثون في الدراسة الجديدة بيانات عن الدورة الشهرية بين تشرين الأول 2020 وأيلول 2021 من تطبيق Natural Cycles المختص بالخصوبة.

كانت جميع المشارِكات من سكان الولايات المتحدة، وتراوحت أعمارهنّ بين 18 و45 سنة. وكانت كل امرأة في مرحلة ما بعد استعمال وسائل منع الحمل الهرمونية أو تكررت دورتها الشهرية ثلاث مرات على الأقل بعد انتهاء الحمل.

حلل العلماء البيانات على مر ست دورات متلاحقة، ثلاثة منها قبل تلقي اللقاح وثلاثة أخرى بعد تلقيه، أو ست دورات لدى نساء لم يتلقين اللقاح بعد.

في المحصلة، شملت التجربة 2403 نساء ملقحات و1556 امرأة غير ملقّحة. تلقى 55% من النساء لقاح "فايزر – بيونتيك"، و35% لقاح "مودرنا"، و7% لقاح "جونسون أند جونسون".

بعد مراعاة عوامل مؤثرة أخرى، اكتشف الباحثون أن مدة الدورة الشهرية في المجموعة الملقّحة زادت بمعدل 0.64 يوم بعد تلقي أول جرعة لقاح مقارنةً بغير الملقحين.

كان متوسط هذه الزيادة في مدة الدورة الشهرية أعلى بقليل (0.79) في المجموعة التي تلقّت الجرعة الثانية من اللقاح.

يظن الباحثون أن زيادة مدة الدورة الشهرية بعد تلقي الجرعة الأولى والثانية تعلّقت بأخذ جرعتَي اللقاح خلال الدورة نفسها لدى 358 امرأة. طالت الدورة الشهرية في هذه المجموعة بمعدل 2.38 يوم مقارنةً بغير الملقحات.

بحلول الدورة السادسة والأخيرة، لم يرصد الباحثون أي اختلاف بارز في مدة الدورة الشهرية بين المجموعتَين.

ما تأثير الإجهاد؟

يقول الباحثون إن نتائجهم لا يمكن نَسْبها إلى الإجهاد العام الذي رافق فترة الوباء لأن المجموعة المرجعية لم تُسجّل أي تغيرات خلال المدة نفسها. لكنهم يفترضون أن لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال تنتج استجابة مناعية قوية أو إجهاداً كبيراً قد يؤثر موقتاً على محور الوطاء والغدة النخامية والمبيض. هذا النظام الجسدي ينظّم توقيت الدورة الشهرية.

تعليقاً على أثر الإجهاد على الدورة الشهرية، صرّح الدكتور مايك أرمور، باحث مرموق في قسم الصحة الإنجابية في جامعة غرب سيدني في أستراليا، لمجلة "ميديكل نيوز توداي" (لم يشارك في التجربة الأخيرة): "أولاً، تؤدي زيادة مستويات الإجهاد إلى تراجع إنتاج الهرمونات التي تُحفّز الجريبات وتنتج اللوتين، ما يُمهّد لانخفاض مستوى البروجستيرون في المرحلة الأصفرية من الدورة الشهرية ثم زيادة إنتاج البروستاغلاندين لاحقاً. ثانياً، يرتفع مستوى الكورتيزول والأدرينالين خلال فترات الإجهاد بسبب زيادة كميات الهرمون المُوجّه للغدة الكظرية. تؤثر زيادة الكورتيزول وتراجع الأدرينالين على تصنيع البروستاغلاندين. هذا الوضع قد ينعكس على مدة الدورة الشهرية، فضلاً عن مؤشرات مثل عسر الطمث [أي فترة الألم] وأعراض أخرى قبل بدء الدورة الشهرية. إنها نظرية منطقية لأن التغيرات في مدة الدورة كانت الأكثر وضوحاً في المجموعة التي تلقّت جرعتين من اللقــاح خلال دورة واحدة".

أخيراً، لم يكتشف الباحثون رابطاً بين أي تغيرات بارزة عيادياً في مدة الدورة الشهرية ولقاحات كورونا.

إيجابيات وسلبيات الدراسة

يعترف الباحثون بأن دراستهم كانت محدودة على بعض المستويات. تقول المشرفة الرئيسية على الدراسة، أليسون إيدلمان، أستاذة في أمراض النساء والتوليد في جامعة "أوريغون" للصحة والعلوم في "بورتلاند": "لا تعكس مجموعات النساء التي تستخدم تطبيقات تعقّب الدورة الشهرية عامة السكان بالضرورة. استناداً إلى قاعدة البيانات المستعملة في التجربة الأخيرة، نعرف أن هذه المجموعة السكانية تشمل نساءً بيضاوات وأكثر تعليماً ويتراجع لديها مؤشر كتلة الجسم. يؤثر هذا المؤشر على تقلبات الدورة الشهرية. لكن قد يتغير الوضع بسبب معايير أخرى أُضيفت إلى قاعدة بياناتنا، ما يعني ضرورة حصول ثلاث دورات شهرية قبل تلقي اللقاح، شرط أن تتماشى كل واحدة مع مواصفات الدورة العادية من حيث المدة". يكتب الباحثون أيضاً أن بياناتهم لم تشمل عدداً كافياً من الدورات لفهم آثار اللقاحات على مدة الدورة الشهرية على المدى الطويل.

يوضح أرمور: "عند مراجعة هذه النتائج من وجهة نظر دولية، قد تتعلق أهم نقطة ضعف بتركيز هذه الدراسة على المجموعة التي تلقّت لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال، مثل "فايزر – بيونتيك" و"مودرنا"، مقابل إقصاء من تلقوا لقاحات "أكسفورد – أسترازينيكا". لهذا السبب، لا نستطيع التأكيد على حصول التغيرات نفسها في الدورة الشهرية لدى المجموعات التي تتلقى لقاح "أكسفورد – أسترازينيكا"".

لكن رغم هذه الشوائب، يمكن اعتبار النتائج موثوقاً بها بسبب طريقة تصميم الدراسة.

تقول ميل: "سبق وحللت دراسات قليلة تأثير لقاح كورونا على الدورة الشهرية، لكنها ترتكز كلها على مراجعة معطيات سابقة، ما يعني أنها تتوقف على ذكريات المشارِكات في الدراسات وقد تكون تقييماتهن منحازة أحياناً. في المقابل، تبدو هذه الدراسة الجديدة أقوى من سابقاتها لأنها تستعمل بيانات جمعتها النساء مسبقاً عبر تطبيق خاص بتسجيل أنماط الدورة الشهرية. تتعلق نقاط قوة أخرى بإضافة مجموعة مرجعية من النساء غير الملقحات وبارتفاع عدد المشاركات الإجمالي (3959 امرأة). باختصار، يمكننا أن نثق بهذه النتائج".

في النهاية، تستنتج إيدلمان: "هذه النتائج مُطمئِنة ودقيقة. لا تشير التغيرات التي نلاحظها إلى وضع مقلق على مستوى الصحة الجسدية أو الإنجابية على المدى الطويل، وهي لا تطرح أي أسباب لتجنب اللقاح. على المستوى الشخصي، تبقى هذه النتائج مجرّد معلومات يريد الناس الاطلاع عليها لمعرفة ما يمكن توقّعه بعد اللقاح".


MISS 3