ميشال قزح

لعبة تركيب الطرابيش

17 كانون الثاني 2022

02 : 00

لوغو زاوية شروحات الاسبوعية

تراجع سعر صرف الدولار مقابل الليرة في السوق الموازية نحو 20% في أيام قليلة جداً، تفاعلاً مع اجراء جديد اتخذه مصرف لبنان يقضي بانه "اضافة الى المفاعيل الأساسية للتعميم 161، يحق للمصارف، زيادة على الكوتا التي يحق لها شهرياً سحبها بالليرة واصبحت تأخذها بالدولارعلى منصة صيرفة، ان تشتري الدولار الورقي من مصرف لبنان مقابل الليرات التي بحوزتها او لدى عملائها على سعر منصة من دون سقف محدد". الهدف: زيادة المعروض من الدولار وامتصاص كمية من الليرات المتضخمة في التداول.

تَهافتَ (وسيزداد التهافت اليوم وغداً..) كثير من الأفراد بالاضافة الى اصحاب مؤسسات من سوبرماركات ومحطات محروقات وآخرين الى الاستفادة من ذلك: أي جمع ما بحوزتهم من ليرات والتوجه الى البنوك للحصول على الدولار بسعر المنصة الذي هو اقل من سعر السوق الموازية طمعاً في تحقيق ربح.

المفارقة الأولى كانت في فرض إبقاء 20% من تلك المبالغ في البنك والحصول على الباقي بالدولار. ما يعني ان سوقاً ستنشأ لهذه النسبة المستبقاة في البنك ويمكن تسميتها "بيرا" أي ليرة بسعر مختلف، لأن تسييل تلك المبالغ سيخلق سوقاً شبيهة بسوق شيكات الدولار(لولار)، وستباع في الأسواق بحسومات قد تصل الى 20% أو اكثر.

يمكن للسوبرماركات على سبيل المثال استخدام جزء من تلك الأموال لدفع ضريبة القيمة المضافة وتسديد رسوم وضرائب أخرى. او يمكن للمثال ايضاً ان يدفع الافراد من تلك الاموال للشراء في المحال التجارية التي تقبل الدفع بالبطاقات الالكترونية. لكن رغم ذلك، فان خسارة ما ستقع حتماً قد تصل الى ربع القيمة وربما أكثر اذا عاد سعر صرف الدولار الى الصعود كما هو متوقع حتماً.

اذا سيبقى في المصـــارف وبالتبعية في مصرف لبنان 20% من المبالغ، وهذه النسبة مطابقة تماماً لهبوط سعر صرف السوق الموازية.. يا للمصادفة!!

المفارقة الثانية هي اكتشاف أن سعر صيرفة في البنوك يختلف بين بنك وآخر وذلك بين 200 و500 ليرة. اذاً، لا سعر موحداً للدولار على منصة صيرفة الذي كان متوسطه يوم الجمعة الماضية نحو 24,000،

المفارقة الثالثة هي ان شركات تحويل الاموال ومحال صيرفة تعمل لمصلحة مصرف لبنان الذي يحصل منها على دولارات بأسعار أعلى من سعر صيرفة ليعيد طرحها على سعر المنصة. وبالتالي يخسر نسبة منها. وتسجل هذه الخسائر لديه لا محالة فتتراكم خسائر اضافية في ميزانيته.

المفارقة الرابعة، وهي ليست مفاجأة: هناك دولارات من تلك التي ستحصل عليها المصارف من مصرف لبنان هي مما يسمى احتياطات لكنها عملياً مما تبقى من اموال المودعين.

وخصص للاجراء الجديد نحو 200 مليون دولار صرف منها 40 مليوناً في يومين. فيمكن ان ينفد المبلغ في غضون اسبوع، ما يعني امكان عودة الدولار الى الصعود. الا اذا قرر مصرف لبنان ومجلسه المركزي ضخ 200 مليون اضافية. وهكذا دواليك حتى تبديد نحو مليار دولار، جزء منها من اموال المودعين.

المفارقة الخامسة في ان هذا الاجراء الترقيعي، كغيره المتخذ منذ بداية الأزمة لا يحل أزمة تدهور سعر صرف الليرة. لكنه يشتري بعض الوقت للسياسيين. وربما كان المقصود تهدئة سوق القطع نسبياً من الآن وحتى الانتخابات كي لا تزداد النقمة الشعبية. وفي الانتظار، يعول مصرف لبنان والحكومة على التقدم في المفاوضات مع صندوق النقد.. لعل وعسى! الجميع اليوم يدور في حركة مفرغة بغياب الحلول الجذرية وضيق الخيارات لا بل شبه انعدامها من دون قرض انقاذي سخي من الصندوق.

المفارقة السادسة تكمن في ان بين الرهانات التي يعول عليها مصرف لبنان، من الضغط على سعر الدولار في السوق السوداء، هو اخراج دولارات من المنازل الى سوق الصرف اذا خاف اصحابها من تدهور قيمة الدولار. لكن لذلك حدوداً عندما يتضح في نهاية الأمر ان الاجراء لا افق لاستمراريته الا بكلفة باهظة جداً. ثم من قال ان ما يمكن لاطراف وافراد الحصول عليه من دولارات لن يخزن في البيوت من جديد؟؟

المفارقة السابعة: لا افق لاستمرار مصرف لبنان في تطبيق التعميم 161 وتعديلاته، والذي كان بدأ بالسماح للموظفين بسحب رواتبهم بالدولار على سعر منصة صيرفة. واذا استمر، ماذا عن عدم قبول صندوق النقد بهكذا اجراء من خارج أي قانون مطبق لضبط السحوبات والتحويلات (كابيتال كونترول) لأن بين الدولارات المطروحة ما قد يتسرب الى الخارج عبر حسابات "الفريش دولار".

خلاصة القول ان مصرف لبنان ومن ورائه الحكومة يمعن في المغامرة وتركيب الطرابيش وتحت الطربوش.