د. فادي كرم

المؤامرة مستمرّة وإسقاطها واجب وطني

17 كانون الثاني 2022

02 : 00

يُخطئ المُحلِّلون السياسيون جداً بمخاطبتهم أفرقاء المنظومة الحاكمة في لبنان وخاصةً قياديي «حزب الله» من منطلقات النصح لإعتماد الواقعية وعدم التغافل عن الأزمات الوطنية. يُخطئ هؤلاء المحلّلون عندما يقرأون حقيقة سياسة أفرقاء السلطة من زاوية إيجابية وتعاون وإمكانية العمل على تعديلها او اصلاحها او اخذها بذهنية حسن النية. يُخطئون حتماً لأنهم لا يُقدِّرون الآثار السلبية لمواجهتهم بالقوة الناعمة أداء «حزب الله» التكابري والإستخفافي بالرأي الآخر. فـ»حزب الله» التابع عضوياً للمشروع الإيراني الإقليمي لا ينظر الى الشؤون الداخلية الا من خلال تأثيرها سلباً أو إيجاباً على مساره الإستراتيجي. فصراخ الناس التألّمي وعذابات الشعب وهواجسه ومناداة الخبراء الحريصين على المجتمع من مُفكِّرين وعُقّال لا قيمة لها عنده إلا عندما تُدعِّم مشروعه او تهدّده، لأن مشروعه يستمدّ قوته باستحضار الأوهام المُدعَّمة بالفتاوى الدينية من الولي القابع في مكان ما محمي في وسط بؤرة الفقر في الطرف الآخر من محور التعتير، ولن يوقفه عن تنفيذ أجندته إلا إدراك معارضيه العميق لطبيعة حرب الصمود والتعاضد التجرّدي بين أحزابه وقادته الضنينين بالوجود اللبناني والمدركين لأهمية تحقيق التوازن معه في الإستحقاق الإنتخابي القادم.

إن التصميم الذي أثبته «حزب الله» على استكمال تطبيع لبنان زوراً داخل محور الشر والذلّ لن يوقفه نقاش صريح، أو تؤثّر فيه دراسات إقتصادية واجتماعية، ولن تُعدّل فيه اعتراضات «النق» المجتمعية والمدنية الراقية. إن هول النتائج المُخيفة النابعة من سيطرة «حزب الله» على القرار السياسي اللبناني في السنوات الأخيرة لم تُثنه عن إستكمال خطواته ولم تعدِّل في مساره ولم تدفعه لوضع مشروعه جانباً والتفكير بعقلانية، ولم تقنعه بعقم أهدافه «لدق» لبنان داخل محوره للتخلّف، ومواجهته للحقيقة المُرّة لدوره التدميري لم تكن يوماً همّاً محورياً له لأن طبيعة مشروعه تفرض تركيزه الكامل على تقريب لبنان خطوة خطوة نحو الإنضمام لنادي دول المحور، وفي كل مرّة تنحدر فيها طبيعة حياة اللبنانيين يتأكّد «حزب الله» أن وسام التقليد للشعب اللبناني أصبح جاهزاً أكثر وبالطبع تحت شعارات تتميّز بها صناعة أنظمة النفاق والتنويم المغناطيسي للشعوب.

يُمعن «حزب الله» يومياً بإهانة الآخرين حيث لا يرفّ له جفن أمام المظالم والمعاناة القاسية التي يواجهها الشعب بسبب سياساته، وهذا الأمر يُعدّ محاولة إستعباد وقحة منه للشعب اللبناني، متشبّهاً بذلك بأسياده في إيران ومُتخذاً سياسة متعمدة ومقصودة لتحقيق ذلك. ولذلك قراراته ليست هفوات وخطوات خاطئة او سوء حسابات، وممّا يؤكّد ذلك نشاطاته الإستفزازية لدول مراكز القرار الدولي الاقليمي والأممي، التي يستنجد الشعب اللبناني والسلطة اللبنانية بها، فتارةً يُنظّم مؤتمرات تهجّمية ضد دول الخليج خدمةً لإيران، في حين تعتاش آلاف العائلات اللبنانية من العمل على اراضيها وفي شركاتها، وتارةً أخرى يعتدي على قوات «اليونيفيل» الحافظة للسلام على الحدود الجنوبية للبنان، مُهدّداً بذلك آمال اللبنانيين بوقوف هذه المؤسسة الأممية مع حاجاتهم الإنسانية، ويُرسل رسائل للعالم أجمع بضرورة فك أسر النظام الإيراني بدل الإلتفات لشؤون الشعب اللبناني المُعذّب.

ما يطلبه «حزب الله» ويسعى لتحقيقه هو إنقاذ نظام الولي الفقيه التوسّعي، فيُصر على تجنيد كافة قدراته لشل وتوجيه أجهزة البلاد القانونية، وترويض مركز القرار المالي الوطني لصالح تمرير ألاعيبه وتبييض أمواله، ويُغطّي أعمال التهريب في كافة إتجاهات العالم، ليستمدّ بدوره منها مقوماته للإستمرار في أدائه، وبذلك تحوّل ليُصبح مركزية القرار الإرهابي في العالم.

هذا من جهة «حزب الله» الذي استحقّ لقب «المؤامرة» على وطن الأرز. أمّا في الجهة المواجهة له، فما زال الضياع مستشرياً، ومفتعلاً احياناً لتسهيل معادلة تعاون الدويلة مع الفساد السلطوي، ومنه قصر نظر وحسابات شخصانية وعدم خبرة وأنانيات وسذج، ويبقى فريق واحد يتفرّد بالقدرة على المواجهة والحكمة في أخذ القرارات والواقعية في المواقف والفعالية ضد المؤامرة، وهو حزب «القوات اللبنانية» مع من يُشبهه من المجتمع المدني والسياسي، وقد بدأت صفوفهم تتراصّ وتتعاضد وتتفاعل وتتقارب من أجل خوض أهم معركة إنتخابية نيابية قد يشهدها لبنان، لتشكِّل الفرصة الأخيرة لمنع «حزب الله» من تطويع لبنان وتحويله مسخاً لا يعاش فيه.

المؤامرة مستمرّة ومحورها مصرّ على بلع لبنان، فباتت المواجهة حتمية وعملاً وطنياً مُقدّساً، ولا يحق لأحد من اللبنانيين أخذ موقف الحياد منها، ففي معركة الوجود والشرف والهوية من يتخاذل يلحقه العار أبداً، ومن يتعاطى بغباء وأنانية فحسابه عسير، ومن يتّحد ويواجه فله الإستمرارية وجائزة حصوله على وطن.