ريتا ابراهيم فريد

د. جانين زيادة أبو طقه: نصائح وقائية لمواجهة نوبات الهلع

18 كانون الثاني 2022

02 : 00

ازدادت في الفترة الأخيرة نسبة الاضطرابات النفسية التي يعاني منها اللبنانيون جراء الأزمات الاقتصادية والمعيشية المتتالية التي تلاحقهم، من دون أن يلوح لهم أي بارقة أمل. من أبرز هذه الاضطرابات، نوبات الهلع التي تأتي بشكل مفاجئ وتتزامن مع عوارض جسدية مزعجة وخوف غير مبرّر. "نداء الوطن" تواصلت مع المعالجة النفسية الدكتورة جانين زيادة أبو طقة، التي تحدّثت بالتفصيل عن عوارض ومضاعفات نوبات الهلع، وكيفية التمييز بينها وبين النوبة القلبية.

ما هو الحدّ الأقصى للعوارض التي يمكن أن يصل إليها المصاب بنوبة هلع؟

بالإضافة الى العوارض المتعارف عليها مثل سرعة ضربات القلب والصعوبة في التنفّس، قد يشعر المصاب أيضاً بصداع قوي ودوار وغثيان، إضافة الى ألم في الصدر. كما يصاب البعض بعسر هضم ينتج عنه تشنّجات في المعدة، أو جفاف في الحلق وصعوبة في البلع.

وقد يشعر المصاب أحياناً أنه على وشك أن يغمى عليه أو قد يموت. هذا وقد يصل البعض الى حالة من اللاواقعية، حيث يشعرون بأنّ أرواحهم تنفصل عن أجسادهم.

متى يصبح الأمر خطيراً وهل يمكن لنوبة الهلع أن تهدّد حياة المريض؟

نوبة الهلع بحدّ ذاتها لا تشكّل خطراً على حياة المريض. لكن يمكن للمضاعفات الناتجة عن نوبات الهلع أن تكون خطيرة. فالمريض يحاول أن يتفادى المواقف التي تثير نوبات الهلع لديه لأنه يخشى مواجهتها. هذا الخوف قد يتطوّر وقد يدخله في دائرة الفوبيا.

كما أنّ الخوف المرضي أو الرهاب الذي يصاب به يمنعه أحياناً من القيام بنشاطات معيّنة مثل الخروج من المنزل أو قيادة السيارة أو التواجد في أماكن مغلقة. وقد يشعر بالحاجة الى رعاية طبية متكرّرة وإجراء تحاليل، حيث أنّه يرفض التصديق بأنّ الحالة التي يعاني منها هي بحت نفسية.

تكمن الخطورة أيضاً في أنّ هذا الخوف قد يؤثّر على نوعية العلاقات بين المريض ومحيطه، وقد يتسبّب له بمشاكل في أدائه ضمن العمل أو العائلة أو المدرسة.

إذا أهمل المريض حالته ولم يعالجها، كيف يمكن أن تتطور المضاعفات لديه؟

حين ترتفع نسبة القلق لدى المريض، يتّجه للانطواء على نفسه كي يبتعد عن مواجهة المثيرات التي تتسبّب له نوبة الهلع. هذا الانطواء قد يؤدي الى الاكتئاب، الذي بدوره يدفع بالمريض كي يكون عرضة لأفكار إنتحارية. كما يمكن أن تتطوّر المضاعفات على الصعيد النفس- جسدي، وينعكس ذلك في عوارض جسدية وآلام. فضلاً عن أنّ بعض المرضى يحاولون أحياناً أن يهربوا من واقعهم، فيتوجّهون نحو الإدمان على المخدّرات أو الكحول.

كيف يمكننا أن نميّز بين نوبة الهلع، وبين احتمال الإصابة بعارض في القلب؟

من الصعوبة أن نميّز بينهما، لأنّ الأعراض تتشابه الى حدّ كبير. حتى الأطبّاء والممرضون لا يستطيعون بسهولة أن يميّزوا بينهما. أنا كمعالجة نفسية، أستقبل المرضى عادة بعد أن يكونوا قد أجروا التحاليل اللازمة وتأكدوا أن الحالة التي يعانون منها هي نفسية وليست جسدية أو صحية. لكن بالرغم من ذلك، هناك بعض التفاصيل التي يمكن من خلالها تمييز نوبة الهلع عن النوبة القلبية. ففي الأخيرة يشعر المريض بألم في رقبته وكتفه وحنكه، إضافة الى الألم في الصدر. أما في نوبة الهلع فيكون الألم محصوراً في منطقة معيّنة من الجسم. هذا وتختلف نوعية الألم، ففي نوبة الهلع يشعر المريض بأن هناك سكيناً يطعنه، أما في النوبة القلبية فيشعر المريض أن شخصاً ما يضغط على قلبه. كما أنّ نوبة الهلع تأتي بشكل مفاجئ، فيما تأتي النوبة القلبية نتيجة مجهود معيّن قام به المريض أو حالة إنفعالية تعرّض لها.

هل علاج نوبات الهلع يعتمد على حلول طبية أو نفسية؟

أنا كمعالجة نفسية، أسعى من خلال العلاج السلوكي المعرفي الى توعية المريض على ماهية نوبة الهلع التي يعاني منها، كي يتمكّن من التعامل معها بشكل صحيح. كما نحاول من خلال العلاج النفسي أيضاً أن نسلّط الضوء على المشاعر والأحاسيس السلبية التي تتكرّر لدى المريض، والتي تؤدي الى الاصابة بنوبات الهلع. ومع الوقت، يصبح قادراً على التعامل مع المحفّزات ومواجهتها بدلاً من أن يهرب منها. وهكذا يسيطر عليها تمهيداً للتخلّص منها. وحين يصبح تفكيره إيجابياً، تتقلّص الأعراض شيئاً فشيئاً.

من الطبيعي أن يستغرق الأمر وقتاً، أما الذين لا يملكون الصبر ويطلبون نتيجة سريعة، فيتوجّهون فوراً الى الطبيب النفسي، الذي يصف لهم الأدوية مثل مضادات الاكتئاب لزيادة مستوى السيروتونين في الدماغ.

البعض يعتبر أن نوبات الهلع هي "غنج"، ماذا تقولين عن هذا الموضوع؟بالتأكيد ليست دلعاً. نوبة الهلع هي اضطراب نفسي يحتاج الى عناية خاصة. وهي تأتي نتيجة تراكمات نفسية وحالات انزعاج مستمرة لم تتمّ معالجتها، فانعكست في جسد المريض. إضافة الى أنها قد تكون أحياناً نتيجة عوامل وراثية، أو بسبب ظروف اجتماعية صعبة وضغوطات قوية تعرّض لها المريض.

إذا صادفنا الى جانبنا شخصاً يتعرّض لنوبة هلع، كيف يجب أن نتصرّف معه؟

قبل كلّ شيء علينا أن نتحلّى بالهدوء، خصوصاً أنّ النوبة تأتي بشكل مفاجئ. علينا أن نطمئنه باستمرار ونؤكّد له أننا الى جانبه وأنه لن يموت، وأنّ هذه النوبة ستمرّ. يمكننا أيضاً أن نحفّزه على أن يتنفّس بعمق وهدوء، ونساعده على القيام ببعض التمارين البسيطة التي من شأنها أن تربطه باللحظة الحاضرة، مثلاً أن نطلب منه أن يتلمّس شيئاً ما، أو أن يستمع الى أصوات معيّنة.

كيف تؤثّر الظروف الصعبة التي نعيشها اليوم في لبنان على ارتفاع نسبة الاصابة بنوبات الهلع؟

للأسف هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعاني منها اليوم تؤثّر بطريقة مباشرة، فهي تأتي على شكل عوامل تضاف الى التراكمات الفردية لكلّ شخص. فكلّ إنسان لديه وجعه الخاص، ثمّ تأتي هذه الظروف كي تضيف إليه ألماً إضافياً، فيصل الى مرحلة يشعر فيها بالاختناق.


هل من نصائح وقائية؟

في البداية يجب أن نمتلك الوعي الكافي عن نوبات الهلع وعن الفرق بينها وبين النوبة القلبية. يمكن أن نحاول إلهاء أنفسنا بطريقة إيجابية كي نمنع الضغوطات من أن تتراكم. يمكننا أيضاً القيام بنشاط يومي نحبه مهما كان بسيطاً، مثل القراءة أو الاستماع الى الموسيقى، إضافة الى تمارين التنفّس. هكذا نحوّل الاسترخاء الى عنصر أساسي من نمط حياتنا اليومية. والأهمّ ألّا ننتظر وصول النوبة، بل نتمرّن كي نكون جاهزين لمواجهتها عبر البحث عن طريقة تفكير إيجابية. فحين تتغيّر نظرتنا الى الحياة، تتأثّر أحاسيسنا ومشاعرنا، وبالتالي تتأثّر ردود فعلنا ويصبح سلوكنا إيجابياً.



MISS 3