د. ميشال الشماعي

مفهوم السيادة الحقيقي

19 كانون الثاني 2022

02 : 00

تستمرّ الاعتداءات الايرانيّة على السيادة العربيّة بتنقّلاتها من دولة إلى دولة. وآخرها استهداف مطار أبو ظبي في الامارات العربيّة المتّحدة. وعلى ما يبدو لن يكون الاعتداء الأخير لأنّ التجارب مع الثورة الاسلاميّة في إيران التي بدأت منذ العام 1979 ما زالت مستمرّة وفي تصاعد مستمرّ. فيما المطلوب واحد وهو وقف هذه الاعتداءات بشكل نهائي. وللبنان النصيب الأكبر من هذه الاعتداءات السياديّة لئن اختلفت الطريقة لكن الجوهر هو نفسه.

إذا ما تبحّرنا في صلب العقيدة الثورويّة لهذا النّظام نلاحظ كيف عمل طوال أربعة عقود على زعزعة الاستقرار العربي. ولعلّ ما يكمن وراء هذا السبب تعود أسبابه إلى طبيعة الرفض القومي الإيراني لهذا النّظام. فالتجارب تدلّ على أنّ مدى استمراره بنجاح داخل حدود الجمهوريّة الايرانيّة بات مرتبطًا بقدرته على زعزعة محيطه. وهذا ما نجح النّظام باستثماره في عمليّة ابتزاز واضحة للغرب الذي يخاف من التمدّد الديمغرافي للعالم العربي.

لكن ما كان سائدًا في العالم العربي قبل أن يحقّق هذه الوثبة الحضاريّة، إن في عالم الاقتصاد وإن في المجال الفنّي – الثقافي لم يعد هكذا اليوم. فالحديث عن دولة كدولة الامارات أرسلت مسباراً فضائيّاً إلى المريخ لم يعد مطروحاً فقط في العالم العربي بل صارت دولة من أرقى الدّول العالميّة. من هنا، لم يعد الغرب بحاجة إلى هذه الفزّاعة النوويّة ليستجلب نداءات العرب له. من هنا باتت الحاجة إلى تأديب السلوك الإيراني المزعزع للإستقرار الإقليمي حاجة دوليّة، وذلك لأنّ هذا النظام قائم على تأليه أدوات العنف والزعزعة التي يستخدمها في دول الإقليم من اليمن إلى العراق فسوريا وغزّة حتّى لبنان.

وبما أنّ هذا النظام هو من طبيعة عقائديّة فلا يمكن مواجهته إلا على القاعدة نفسها، ولكن لا يعني أنّ التطرّف المذهبي القائم على نظريّة ولاية الفقيه يجب أن يواجه بعقيدة قيام الدّولة الاسلاميّة كما أقدم تنظيم داعش على هذه الخطيئة الكبرى. بل الحقيقة الكبرى تكمن في دعم الفكر التحرّري القائم على التعدّديّة والحوار والسلام العربي – العربي. من هنا، تُفهَم خطوة دولة الامارات برعاية توقيع قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وبرعاية دولة الإمارات العربية المتحدة، وثيقة الأخوة الإنسانية، على أرض الإمارات في الرابع من شهر شباط 2019، فقد كان الهدف منها أن تكون بمثابة مظلة لإنسانية تتنازع في حاضرات أيامنا، بشريّة تشدّها الأصوليات الضارّة شرقاً، وتجذبها للوراء القوميات والشوفينيات العصبية غرباً، وبينهما يضيع العالم في لهفة الهجير القاتلة.

ولا يمكن في هذا السياق القفز فوق جوهر وجود الكيان اللبناني القائم على الفكر التعدّدي، وهو السبّاق لما قامت به مشكورة دولة الإمارات وغيرها من الدّول العربيّة. ومن هنا أيضاً نفهم الإصرار الإيراني على تدمير الأنموذج الحضاري اللبناني عبر الذراع التي نجح بزرعها منذ بدايات ثمانينات القرن المنصرم بتأسيسه الذراع الأقوى له أي «حزب الله». وهذا ما يدفع إلى الاستنتاج بأنّ هذه القاعدة اللبنانيّة هي التي تشكّل هدف «حزب الله» الحقيقي.

ولا يمكن بعد اليوم السكوت عن هذا المشروع التدميري. ممّا لا شكّ فيه أنّ المجتمعات الغربيّة نجحت بالنمذجة في قيادة عمليّة تغيير في صلب المجتمعات العربيّة، والدّليل على ذلك أنّ التغيير الحضاري بات اليوم في أوجه، والملفت أن معظم البلدان التي أصابها هذا التغيير استحالت من أرفع الدّول وأكثرها تقدّماً؛ بينما الدّول التي تمّت فيها محاربة النمذجة الغربيّة وفُرِضَ فيها نهج النّظام الإيراني في صلب مؤسّساتها وصلت إلى حال من الفوضى باتت لا تحتمَل، حتّى إنّها لم تعد تشبه بطبيعتها تركيبة أدنى الدّول.

من هنا، إنّ المجتمع الدّولي مطالب أيضاً اليوم بتأديب هذا النّظام وتقليم أظافره ليقرّر ما الذي يريده من الساحة الدوليّة. إذا أراد أن يعمل على تأمين المساحة الأكبر من الحريّة والرخاء والازدهار لشعبه، وأفضل العلاقات مع محيطه فليكن. أمّا إذا أراد الاستمرار بقهر شعبه لدرجة حرمانه من أبسط حقوق الانسان، فضلا عن زعزعة الاقليم العربي بالكامل فعندها مطلوب من المجتمع الدّولي ألّا يفاوضه على قاعدة احتفاظه ببرنامجه النووي الذي سيستخدمه حتماً ليستمرّ وليطوّر سياسته الابتزازيّة هذه للغرب، والمزعزعة للسلام في المحيط العربي.

أمّا نحن كلبنانيّين فالمطلوب منّا أن ننتزع دولتنا من فم هذا النّظام وحزبه. والانتخابات النيابيّة هي فرصة قادمة أمامنا جميعاً. والكلّ مسؤول على قدر قدرته التأثيريّة والتجييريّة في المجتمع اللبناني ككلّ. وما يريده هذا الخطّ غير السيادي والمستعبَد لإيران أن يجعل الكلّ مثله عبيداً لذلك قالها فقهاؤه: « نحن أسياد هذا البلد»، لتكون التتمّة التي لم يقلها لهذه الجملة: «وأنتم عبيده».

مفهوم السيادة الحقيقي ينبع من المقدار الحقيقي للحريّة العامّة للمجموعات الحضاريّة وللحريّة الشخصيّة الكيانيّة للأشخاص. وما لم يقل الأحرار كلمتهم قد يبقى هناك من يريدهم عبيداً. لذلك «قولوا الحقّ والحقّ يحرّركم».


MISS 3