جاء في الرسالة: "ان الأزمة الراهنة كانت نتيجة حتمية لعقود من السياسات الفاشلة، وسوء الإدارة، وإفساد واستباحة الطبقة الحاكمة لمفاصل الدولة كافة. غير أن خطورتها بأبعادها المتعددة؛ العجز في ميزان المدفوعات وأزمة سعر الصرف والتخلف عن دفع الديون السيادية والأزمة النقدية المالية، قد تفاقمت بفعل التقاعس المتعمد والسياسة المدروسة التي انتهجتها السلطة الحاكمة بغية الحفاظ على مصالحها الخاصة".
وأشارت الى أنه عوض الاعتراف بالخسائر وإعادة هيكلة النظام المصرفي وإعادة بناء الاقتصاد الوطني، "تواصل الطبقة الحاكمة فرض "التسوية" الأكثر عنفاً واجحافاً بحق المجتمع؛ عبر اعتمادها توجهاً يرتكز على انهيار الليرة اللبنانية، معدلات تضخم هائلة، انكماش اقتصادي غير مسبوق وتحفيز ضمني على الهجرة".
في المحصّلة، برأي كلنا إرادة" نتج عن هذا المسار "معدلات مرتفعة من البطالة والفقر وهجرة الادمغة، وتدمير ممنهج للركائز الأساسية للنمو الاقتصادي، اذ لم يبقَ أمام المجتمع اليوم سوى الاعتماد على تقديمات الجمعيات المحلية والمنظمات الدولية وتحويلات المغتربين".
وأكدت الرسالة "أن السلطة عملت على إضاعة أكثر من عامين ونصف منذ تعثّر الدولة والمصارف وافلاس النموذج الاقتصادي القائم، فرضت خلالهما واقعاً أمّن حماية مصالحها على حساب عموم الشعب اللبناني. اليوم، وعلى الرغم من ابداء استعدادها للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، تدل كل المؤشرات الى توجه السلطة لتحجيم الاقتصاد وحصره في أنشطة ذات قيمة مضافة منخفضة، وخلق اقتصاد مواز غير رسمي، غير عابئة بحجم الفقر والظلم اللاحقين بأفراد المجتمع".
من هنا تقول "كلنا إرادة أنها تطالب صندوق النقد الدولي "بعدم التغاضي عن هذه الجريمة والوقوف بشكل جديّ عند الهواجس والمخاوف الشديدة التي تطرحها رسالتنا هذه، بشأن محادثاته مع الحكومة اللبنانية". ورحبت المنظمة بتدخل صندوق النقد الدولي، وما يمكن أن يمارسه من دور مفصليّ، مؤكدة أنها "لا نخفي قلقنا الشديد ورفضنا التام لأي اتفاق يساوم على المبادئ الواردة أدناه، ويهدد عدالة وفعالية أي برنامج إصلاحي مرتقب.
تتلخص هذه المبادئ، وفقاً لرسالة "كلنا إرادة" بالآتي:
إطار شامل ومستدام
في مقاربتها للأزمة الراهنة، أمعنتْ السلطة باعتماد إجراءاتٍ مجتزأة، قصيرة الأمد، أثبتت عدم فعاليتها، وكرّست المزيد من الإجحاف. لذلك، فإنّ أيّ خطة تحمّل اللبنانيّين واللبنانيّات عبء ديونٍ إضافية، يجب أن ترتكز على برنامجٍ ماليّ ونقديّ واضحٍ وشامل، على أن يترافق ذلك مع إصلاحاتٍ أساسيّة لإعادة بناء المؤسّسات، وخلق بيئةٍ تنظيميّةٍ محفّزةٍ للاستثمارات، وضمان الحقوق الاجتماعية الأساسية للمواطنين.
نظام سعر صرف موحّد وحاكميّة جديدة للمصرف المركزي
يُعدّ توحيد أسعار الصرف المتعدّدة الموجودة حاليّاً، شرطاً أساسيّاً لإعادة بناء السياسة النقدية، بعيدا عن سياسة سعر الصرف الثابت، كما مرتكزا لتحقيق السيادة الاقتصادية. وفي هذا السياق، من الضروري أن تُسند مهام إعادة هيكلة المصرف المركزي، إلى إدارةٍ جديدة تعمل على تكريس مفاهيم الحوكمة الرشيدة والشفافية وإعادة الثقة والمصداقية على رأس النظام المصرفي.
إعادة هيكلة الدين
تُعدّ إعادة هيكلة ديون كلّ من الدولة والنظام المصرفي والمصرف المركزي من المتطلّبات الضرورية لأيّ برنامج يتطلّع نحو تحقيق التعافي والاستقرار. في هذا السياق، من الحتميّ تحقيق خفضٍ كبير في الدين العام، بما يسمح بإعادة توجيه الإنفاق العام نحو البرامج الاجتماعية والبنى التحتية والاستثمارات المحفّزة للنمو.
إصلاح شامل للقطاع المصرفي عبر هيئةٍ مستقلة
إنّ إرساء نموذجٍ مصرفيّ جديدٍ يتطلّب وضع إطارٍ تنظيميّ وقانونيّ يشمل إلغاء السريّة المصرفيّة، تحديد الحجم المناسب للقطاع المصرفي وتوفير الحوافز اللازمة لحثّ المصارف على دعم النمو، على أن يُعهد بمسار إعادة هيكلة القطاع المالي إلى هيئةٍ مستقلة.
خسائر مساهمي المصارف
انطلاقا من أولويّة التوزيع العادل للخسائر، نؤكّد رفضنا للاستراتيجية الحالية القائمة على تحميل الشعب كلفة الخسائر المالية، في حين يتمّ استبعاد الحلول الإنقاذيّة. وعليه، فمن الضروري توزيع الخسائر بدءاً من رؤوس أموال كبار المساهمين، وذلك بما يتوافق مع المعايير المعتمدة دوليّاً.
استخدام الأصول المتبقية
تُعتبر الأصول العامّة، سواء كانت أراضي وملكيّات عقاريّة، أو مؤسّساتٍ مملوكة من قبل الدولة، موارد استراتيجيّة ينبغي استخدامها لضمان الحماية الاجتماعية والتعافي الاقتصادي. إذ لا يمكن استخدام هذه الأصول لتعويض الخسائر في القطاع المصرفي، خصوصا في ظلّ التركيز الشديد للثروة والدخل( 13% من الحسابات المصرفيّة تمتلك 90% من الودائع) أمّا بالنسبة لأصول الذهب الموجودة حسابيّا في ميزانية المصرف المركزي، فمن الممكن تخصيصها جزئيّاً، في سياق خطةٍ شاملة، لحماية مدّخرات فئاتٍ معيّنة من صغار المودعين.
حماية صغار المودعين وصناديق التقاعد
إلى جانب توزيع الخسائر بشكلٍ تدريجيّ من أجل حماية صغار المودعين، من الضروري حماية الودائع المرتبطة بصناديق التقاعد (الاتحادات العمّالية، النقابات المهنية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وما إلى ذلك)، والتعاطي معها كجهاتٍ دائنة ذات الأولويّة.
التدقيق في أنشطة القطاع المالي والمصرفي
عملًا بمبدأ المحاسبة، من الضروري إخضاع حسابات جميع مساهمي المصارف للتدقيق المالي الجنائي، تمامًا كما حسابات أعضاء مجالس الإدارة كافّة، وأعضاء الإدارة العامّة للمؤسّسات المالية والمصرف المركزي، وكذلك الجهات السياسية النافذة، وأولئك الذين ربطتهم بالحكومات المتعاقبة عقود رئيسية، وذلك لكشف أيّ هدر أو أرباح غير مستحقة تمّ تحصيلها. كما ينبغي التأكّد من حقيقة إقدام البعض على تحويل الأموال إلى الخارج بعد تشرين الأول/ أكتوبر 2019. فالتدقيق الجنائي يساهم في وضع حدّ لثقافة الإفلات من العقاب، وهي الثقافة السائدة منذ صدور قانون العفو العام الذي أعقب الحرب الأهلية اللبنانية( 1975 – 1990 ). كما أنّه يتماشى مع التزامات لبنان الدولية في مكافحة عمليّات تبييض الأموال والتهرّب الضريبي والاختلاس.
سياسة مالية تعطي الأولويّة للنمو والحماية الاجتماعية
على الإصلاحات الماليّة أن تضع حدّا لسوء الإدارة المستشري، وأن تضمن توجيه الإنفاق العام نحو الخدمات الاجتماعية ومرتكزات النمو، كالاستثمار في:
• نظام حماية اجتماعية يكفل الرعاية الصحية الشاملة والتعليم للجميع.
• بنى تحتية أساسية، من كهرباء واتصالات ونقل عام، باعتبارها المحرّك الأساسي للنمو الاقتصادي.
• قطاع عام يتّسم بالفعالية والشفافية، من خلال الاستثمار في مجال التكنولوجيا ورقمنة الخدمات الحكومية، بالإضافة إلى تأمين الموارد اللازمة لنظام التقاعد وبرامج التدريب.
• المؤسّسات الأمنية والعسكرية، بما يتيح لها الحفاظ على الأمن الداخلي وحماية الحدود.
الإصلاح الضريبي
على الرّغم من تفاقم معدّلات الفقر، ما زال لبنان يمتلك موارد مهمّة يمكن استخدامها لتحقيق التعافي الاقتصادي والاجتماعي، في حال تمّت إدارتها بطريقةٍ عادلةٍ، فعّالةٍ وشفّافة، ما يتطلّب إصلاح النظام الضريبي وإعادة جدولة معدّلات ضريبة الدخل، بما يحدّ من اللامساواة والفوضى المستشرية، ويساهم بالتالي في زيادة الإيرادات المالية.
السلطة تضع نصب عينيها استمرار إحكام قبضتها
جاء في الرسالة أيضاً: «ففي الوقت الذي أدّت فيه الأزمة إلى زعزعة استقرارها وهيمنتها، تضع السلطة نصب عينيها أولويّة الاستمرار بإحكام قبضتها على مفاصل الحكم وكسب الوقت قبل الانتخابات النيابيّة المرتقبة، والتهرّب من المساءلة وتجنّب تحمّل الخسائر. إنّ الأولويّات هذه هي التي سوف تحكم مقاربة السلطة للمحادثات مع صندوق النقد الدولي، بما يتعارض تماما مع أولويّات المجتمع في الحدّ من النزف الاجتماعي المتفاقم، وتكريس التوزيع العادل للخسائر وضمان التعافي الاقتصادي المستدام».
"لا تعوّموا سلطة فاقدة للشرعية"
تؤكد رسالة «كلنا ارادة» أن المحادثات المرتقبة تُلقي على عاتق صندوق النقد الدولي مسؤوليات متعاظمة، بحيث يمثّل تدخّل الصندوق في الأزمة اللبنانية نقطة تحوّلٍ جوهريّة، لا ينبغي، بأيّ حالٍ من الأحوال، أن يساهم عبرها الصندوق في زيادة تراكم الديون غير المستدامة، وتعويم سلطةٍ فاقدةٍ للشرعية والمصداقية، لا سيّما قبل الانتخابات النيابية المقبلة.
