مجيد مطر

المسكوت عنه في زيارة وزير الخارجية الكويتي إلى لبنان

27 كانون الثاني 2022

02 : 00

في العلاقات الدولية تُعرّف الدول عن نفسها من خلال مصالحها الوطنية. تصوغ سياساتها الخارجية لحماية تلك المصالح وصيانة أمنها القومي، تحدد ثوابت ومتغيرات سياساتها بحرية واستقلال تام. وما على صنّاع القرار إلا وضع سلّم الأولويات واقعياً. مرّة يتقدم الشأن الاقتصادي على السياسي، مرّة الصحي على الأمني، كما يحدث راهناً مع جائحة «كورونا» التي بدلت الأولويات، لصالح الامن الصحي للشعوب كحاجة ملحة وضرورية. إعلان الحرب والسلم يتم مؤسساتياً. تُكرَّسُ قانوناً السيادة ببعديها الداخلي والخارجي. يتم احتكار العنف المشروع، بيد سلطة منتخبة وشرعية تعبر عن طموحات شعبها. كلُّ ذلك يتم في دولة قائمة، فعالة وناشطة، وذات سيادة.

وبناءً عليه يكفي أن نراقب كيف تجري الأمور في بلدنا، لنصل الى حقيقة صادمة ومفادها: أن لبنان مكشوف على الصعد كافة، وهو يسير صوب هاوية لا نعرف لها نهاية. أو نحن على عتبة الوصول الى جهنم التي وعدنا بها.

أمام هذا الواقع المقلق، تأتي زيارة وزير الخارجية الكويتي الشيخ احمد ناصر المحمد الصباح، لتستكمل محاولات انقاذ عربية ودولية أخرى، ليس أبرزها زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. واللافت في مضامين تلك المبادرات التي يمكن اختصارها في الطلب الى المسؤولين اللبنانيين أن يتصرفوا كدولة تحترم نفسها، وفقاً لمصالحها الوطنية.

وبما لا يدع مجالاً للشك، يمكن القول، إن هذه الزيارة، ستترتب عليها نتائج سياسية، بحيث قد تعتبر وجودية لناحية علاقة لبنان بالدول الخليجية، وانذاراً أخيراً يبرئ «الذمة العربية» مما قد يُتخذ بحق هذا البلد الصغير. إنها مطالب، وبقدر ما هي واضحة ومفصلة، فإنها تكشف حجم القلق الدولي والعربي، حيال صورة لبنان المتشكلة في أعين العالم.

ببساطة متناهية، جاء الوزير الكويتي ليقول بأدب ولياقة: إنه مطلوب من لبنان نسخة «حسن سير وسلوك»، مصدق عليها من المرجعيات العربية والدولية، فالبنود المطلوبة من لبنان تطبيقها والالتزام بها، تضمن إشارة واضحة الى اننا بتنا دولة تشكل خطراً على محيطها الصديق قبل العدو. اهتمام العرب والعالم دليل على عجزٍ، قبل أن يشكل دلالة على حب وعناية. ففي هذا المقام ينبغي ألا يغيب عن بالنا، أن هذه الزيارة بمضامينها القاسية، قد جاءت في ظل «العهد القوي» الذي تُعبر عنه تجاوزاً كتلة «لبنان القوي». فعلاً ماذا نريد نحن اللبنانيين اكثر من هكذا قوة، وبشهادة عربية ودولية؟!. لا أحد يشك بالمودة التي تكنّها دولة الكويت الشقيقة، التي لا تزال تحفظ للبنان الدولة لا السلطة، شجبها الصريح والقوي، لاحتلالها في العام 1990 من قبل العراق آنذاك، انما الكويتيون أيضاً هم دولة مهمة في مجلس التعاون الخليجي، يهمها الامن القومي في الخليج العربي، كما يهمها لبنان، وهذا ما أكد عليه المبعوث العربي، اذا صحت التسمية، من خلال قوله إن زيارته الى لبنان قد تم تنسيقها مع دول الخليج جميعهم. وكلنا يحفظ في هذا المجال المثل اللبناني: «بحبك يا اسوارتي، بس مش اكتر من زندي». فماذا يمكن أن نفهم من الإصرار العربي على مراقبة البضائع التي تخرج من حدودنا البرية والبحرية والجوية. ماذا تعني الدعوة الى إعادة تشكيل «حرس وامن السفارات»، غير أن ثمة شكوك لدى البعض، بخرقها امنياً، ولم تعد تمثل عنصر أمن وأمان للسفراء والسفارات، وتحديداً العربية منها، ناهيك عن دعوة لبنان الى تطبيق اتفاق الطائف، واحترام قرارات الشرعيتين العربية والدولية. كل هذا يدل على أننا دولة لا تقوم بواجباتها، لهذا يعمل على إعادة الثقة بها، وإعادة تأهيلها مجدداً، لتعود الدولة القوية التي يريدها الجميع.

أما بالنسبة للسلطة اللبنانية، فلا رواية متماسكة عن الزيارة، إذ تم وضعها في خانة التفاهم بيننا وبين الاشقاء العرب، واذا قمنا بعملية تدقيق، يصعب التسليم بعبارة تفاهم. تتفاهمون على ماذا، سيما وأن التفاهم يتطلب شروطاً وبنوداً متقابلة، ونحن في لبنان خبرنا عدداً من التفاهمات، مثل «تفاهم نيسان» الذي تم برعاية الأمم المتحدة، أو «تفاهم مار مخايل» الذي تضمن مجموعة بنود اتفق عليها الطرفان، فأي تفاهم هذا الذي نقرّ فيه، أننا لا نطبق دستورنا، ولا نحترم القرارات؟ ويطلب منا كدولة القيام ببديهيات وظائفها. الواقع إنها زيارة الإنذار الأخير، وبعدها لكل حادث حديث.

من هنا ينبغي التركيز على ربط الزيارة بواقع العلاقات اللبنانية العربية التي تشهد اسوأ مراحلها التاريخية. المقاطعة العربية جاءت على خلفية الامن القومي الخليجي الذي ادرك أنه مستهدف من خلال تحول لبنان الى منصة عداء للعرب، وحدود سائبة لتهريب المخدرات، ليصبح آفة خطرة تصيب المجتمعات وتحديداً شبابها.

الزيارة قالت الكثير بالمباشر. لقد عبرت عن تمسك العرب بلبنان الثقافة، الحضارة والانفتاح، بلد الحريات والتنوع، والصحافة الحرة والموضوعية، التي تعبر عن المصالح العربية. انها ليست تفاهماً، بل مطالب واضحة، بأن يلتزم لبنان بموجبات التضامن العربي، واحترام القرارات الدولية. كل ذلك تم بأدب ولياقة عربيين مع لبنان وشعبه.

إنما بقي لنا مصارحة الذات، إن المسكوت عنه في الزيارة يكمن في أننا قد أصبحنا في نظر العرب والعالم: بحكم الدولة الفاشلة.