ريتا ابراهيم فريد

حين يمتزج الشرقي الأصيل بالألحان الغربية

العازفة ماريا باسيل: الموسيقى لا تحتاج إلى مترجم

1 شباط 2022

02 : 00

نجحت في لفت الأنظار الى موهبتها الموسيقية قبل أن تتجاوز الخامسة من عمرها. ماريا باسيل، عازفة كمان موهوبة وشابة مليئة بالأحلام. لديها متابعون كثر على مواقع التواصل الاجتماعي حيث تنشر مقاطع فيديو وهي تعزف، لا سيما أنها تتميّز في المزج بين الموسيقى الشرقية التقليدية وبين الألحان الغربية المتجددة. انتقلت منذ فترة الى الولايات المتحدة الأميركية لمتابعة دراستها، وحملت معها شغفها في الموسيقى وطموحات كبيرة لشابة لبنانية مصرّة على التميّز في بلاد الاغتراب.

بدأتِ بالعزف على آلة الكمان في عمرٍ صغيرٍ جداً. كيف اكتشفتِ موهبتك ثمّ طوّرتِها خلال هذه السنوات؟

كنتُ في الخامسة من عمري حين سجّلتني والدتي للمشاركة في التمرينات الأسبوعية مع أوركسترا الأطفال في الكنيسة. كنّا ثلاثين طفلاً نتمرّن على آلة الكمان حوالى ثماني ساعات خلال عطلة الأسبوع، ونعزف على السمفونيات والتراتيل الدينية. وفي سنّ العاشرة خضعتُ لامتحان الدخول إلى المعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفاتوار) ونجحتُ بتفوّق. وبعد فترة قليلة بدأتُ أعزف في المهرجانات وعلى بعض المسارح الكبرى مثل كازينو لبنان، إضافة الى الحفلات والأعراس والمناسبات الرسمية. كما شاركتُ بالعزف في مسلسلين وفي عددٍ من البرامج التلفزيونية. الى جانب ذلك، كان مدير المدرسة التي تعلّمتُ فيها موسيقياً أيضاً، فشجّعني كثيراً وجعلني أشترك في مباريات موسيقية عدة ومناسبات واحتفالات تكريمية لأساتذة وطلّاب. كما عزفتُ مع الأوركسترا الوطنية في الأونيسكو وفي الجامعة اليسوعية، وأصبحتُ العازفة الأولى المنفردة.

من خلال تجربتك، كيف يمكن للأهل والبيئة الحاضنة أن تساهم في تنمية الموهبة لدى الطفل؟

التشجيع الذي يقدّمه الأهل لأطفالهم يساهم بشكلٍ أساسي في تنمية الحسّ الإبداعي وتعزيز الثقة لديهم. وأنا لحسن حظي، حصلتُ على دعم كبير من أسرتي، خاصةً والدي وعمي اللذين لعبا دوراً أساسياً في تشجيعي على العزف الشرقي منذ صغري. من جهة أخرى، ما زلتُ أذكر الهدية التي وضعتها لي والدتي تحت الشجرة ليلة عيد الميلاد، والتي كانت عبارة عن آلة كمان. أنا على يقين أنّ ذلك لم يكن صدفة، فهذه الهدية رسمت لي مشوار حياتي. ولم أكن أتخيّل أن تلك العلبة ستكون البداية والسند لمستقبل لم أكن قد حلمتُ به بعد.

تتميزين بالعزف الشرقي على الكمان. ما الذي جعلك تسيرين في هذا الاتجاه، علماً بأنّ الكونسرفتوار يعطي دروساً في العزف الغربي فقط؟

لطالما كان الإحساس الشرقي يغلبني. فبعد إنجاز فروضي الموسيقية، كنتُ أدندن النوتات الشرقية وأستمع للأغنيات التي تربّينا على سماعها في منزلنا. أعترف بأنّ الأمر كان صعباً في البداية، خصوصاً أنّ العزف الشرقي يختلف تماماً عن الألحان الغربية. لكن بفضل المجهود الشخصي في القيام بالأبحاث الموسيقية، والتمرينات المستمرّة والركائز الأساسية التي اكتسبتها، استطعتُ أن أوفّق بين العزف الغربي الذي كنتُ أتعلّمه، وبين العزف الشرقيّ الذي نشأتُ على أنغامه.





حصلتِ على جوائز وتكريمات عدة. أي من هذه الجوائز تركت في داخلك أثراً أكبر من غيرها؟

أعتزّ بكل الجوائز التي حصلتُ عليها وأشكر كل الذين دعموني وآمنوا بموهبتي منذ الصغر. لكن هناك جائزة لامست قلبي في الصميم، كان ذلك في العام 2018 - 2019 حين اختارني المدير لأمثّل مدرستي في مسابقة موسيقية على صعيد لبنان. حينها شعرتُ بمسؤولية كبيرة، إذ كان عليّ أن أرفع إسم مدرستي عالياً. والحمدلله نجحتُ حينها بدرجة ممتاز.

لديكِ متابعين بعشرات الآلاف على مواقع التواصل الاجتماعي حيث تنشرين مقاطع الفيديو التي تعزفين فيها، الأمر الذي يعكس اهتمام الفئات الشابة بالموسيقى. ما أهمية ذلك بنظرك؟

العزف الصادق يصل إلى قلوب مستمعيه من دون استئذان، ويترك أثره وجماله في الروح، كما يعكس الإيجابية والأمل. هذا ما أشعر به عندما أعزف، حيث أعيش النوتة بكلّ تفاصيلها وأحلّق بها بعيداً. أظنّ أنّ هذا الشعور نفسه يلامس بدوره الشبان والشابات الذين يعشقون الموسيقى، ويمنحهم الحماسة لمتابعتي. كما أنّ المزيج الذي أقدّمه بين العزف الشرقي الأصيل و"اللوك" الغربي الجديد من شأنه أيضاً أن يجذب الفئات الشابة.

يقال إن الموسيقى هي علاج للروح. كيف يمكن للموسيقى برأيك أن تساعد الإنسان على تخطّي أزماته؟

بالفعل اختبرتُ هذه المقولة في مراحل عدة من حياتي، وكانت الموسيقى ملجئي الدائم في الحزن والفرح. كما كان الكمان صديقي المقرّب وكاتم أسراري. أصطحبه معي أينما ذهبت، وأعرف تفاصيله الصغيرة. وأتذكّر جيداً حين اخترتُه من بين عشرات الآلات وأحسستُ بنغماته. وأشعر أنه بدوره قريب جداً مني، حتى أنّه يعرف سرعة نبضات قلبي.

كشابة موهوبة اجتهدت لتطوير نفسها منذ الصغر، ماذا تقولين لكل شاب أو صبية يشعرون بالاحباط والعجـــــــز عن إمكانية تحقيق أحلامهم؟

الحياة قصيرة. فلنختر منها ما يفرحنا ولنستمتع به. الموهبة نعمة من الله، وعلينا أن نطوّرها وأن نسير خلف أحلامنا ونحارب من أجل تحقيقها مهما كانت الصعوبات. فالنجاح تزداد متعته حين نبلغه رغماً عن التحديات. المهمّ أن نثابر وألا نستسلم لأي لحظة ضعف أو إحباط.

ماذا عن طموحاتك المستقبلية بالنسبة للموسيقى؟

طريقي طويل وأحلامي كثيرة وأنا ما زلتُ في البداية. أطمح أن أعزف منفردة على أكبر المسارح في العالم، وأن أساهم في نشر الثقافة الموسيقية الشرقية في الدول الغربية. فالموسيقى كما هو معلوم هي لغة عالمية، ولا تحتاج الى مترجم كي تصل مباشرةً إلى قلب من يستمع إليها.


MISS 3