كولوم لينش

المبعوث الروسي أصبح اللاعب الأبرز في محادثات إيران النووية

2 شباط 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 01

في كانون الأول الماضي، حين كانت محادثات إيران النووية في فيينا توشك على الانهيار بسبب رفض طهران السماح للمراقبين الدوليين بدخول منشأة نووية أساسية، أبرم كبير المفاوضين الروس اتفاقاً يضمن وصول المفتشين إلى المنشآت ومنع بذلك نشوء أزمة دبلوماسية كبرى.

أصبح ميخائيل أوليانوف، مبعوث روسيا إلى المحادثات النووية الإيرانية، بطلاً غير متوقع للاتفاق النووي الذي اعتبره الرئيس الأميركي جو بايدن أهم هدف في سياسته الخارجية في الشرق الأوسط، فكسب إشادة واسعة من كبار المسؤولين الأميركيين ومراقبين آخرين يعترفون بدور أوليانوف الأساسي في استمرار المحادثات.

لكن يقول منتقدو أوليانوف إن هذا الدبلوماسي الروسي يؤدي بكل بساطة دوراً تقليدياً فرضته عليه حكومته للدفاع عن إيران وإطلاق جهود دبلوماسية تهدف إلى إضعاف النفوذ الأميركي، وإبرام أفضل صفقة ممكنة بالنسبة إلى دولة عميلة تواجه مأزقاً صعباً. برأي النقاد، أخطأت الولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى حين أعطت المبعوث الروسي دوراً بارزاً كوسيط بين واشنطن وطهران، اللتين لا تتفاوضان بطريقة مباشرة في فيينا.

يقول ريتشارد غولدبيرغ، كبير المستشارين في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" التي تنتقد الاتفاق النووي: "أوليانوف حليف للإيرانيين بطلبٍ من موسكو. إذا أعطينا الروس دفة القيادة في المفاوضات مع إيران، لا مفر من تحقيق النتائج التي تضمن سيطرة روسيا على الوضع. أنا أعتبره من قادة حملات التضليل لصالح الاتحاد الروسي بهدف حماية الدول العميلة التي تتعرض لضغوط المجتمع الدولي في مسألة الحد من التسلح. قاد أوليانوف محادثات فيينا لزرع الشكوك بشأن إقدام الرئيس السوري بشار الأسد على استعمال الأسلحة الكيماوية ولحماية ذلك النظام من الرقابة أو العقوبات. هو واحد من أكبر المدافعين عن نظام الأسد علناً".

مع ذلك، تتعارض الدبلوماسية الروسية تجاه إيران مع مقاربة موسكو العدائية في مجموعة من المسائل الأخرى، بما في ذلك نشر أكثر من مئة ألف جندي على طول الحدود الروسية مع أوكرانيا، فقد أجّجت هذه الخطوة مخاوف المسؤولين الأوكرانيين والأميركيين من احتمال حصول غزو روسي للبلد.

تتزامن محادثات فيينا مع توسّع المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا، إذ يفكّر بايدن بنشر آلاف القوات الأميركية في دول البلطيق المجاورة لأوكرانيا، وتحذّر وزارة الأمن الداخلي من استعداد روسيا لشن هجوم إلكتروني ضد البنية التحتية الأميركية الأساسية إذا ظنّت موسكو أن رد الولايات المتحدة أو حلف الناتو على أي غزو روسي محتمل لأوكرانيا قد يُهدد أمنها القومي. كذلك، هدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حديثاً باتخاذ "تدابير عسكرية وتقنية انتقامية" ضد الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو إذا أصروا على ما يعتبره تحركاً عدائياً على طول الحدود الروسية.


محادثات إيران النووية في فيينا / النمسا، 29 نوفمبر 2021


مع ذلك، بقيت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في فيينا ودّية. قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بعد اجتماعه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في جنيف، في 21 كانون الثاني، إن المحادثات الإيرانية شكّلت نموذجاً إيجابياً لطريقة التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في المسائل الأمنية المشتركة. لكن يظن بلينكن أن فرصة إبرام اتفاق فاعل بدأت تتلاشى وقد تصبح العودة إلى الاتفاق النووي مستحيلة ما لم تتفق مختلف الأطراف خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

في غضون ذلك، يبدو فريق التفاوض الأميركي، بقيادة المبعوث الخاص روبرت مالي، منقسماً حول درجة المرونة المناسبة في المحادثات النووية.

لكن لن تؤثر تلك الخلافات الداخلية على تواصل واشنطن وحلفائها الغربيين مع روسيا خلال المحادثــــات المرتبطة بالاتفاق النووي الذي يُعرَف رسميــــاً باسم "خطة العمـــل الشاملة المشتركة".

صرّح متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لصحيفة "فورين بوليسي": "روسيا شريكة مهمة في هذه المحادثات. نحن نتواصل مع موسكو، بما في ذلك السفير أوليانوف، بطريقة بناءة جداً حول عودة مشتركة إلى الاتفاق النووي لأن روسيا تهتم أيضاً بمنع إيران من تصنيع سلاح نووي".

قال أوليانوف إن قرار الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في أيار 2018 وزيادة العقوبات على طهران كجزءٍ من "حملة الضغوط القصوى" كان كارثياً على الولايات المتحدة وإسرائيل وجميع الأطراف الأخرى لأن "إيران أدركت أنها تستطيع التخلي عن التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة إذا امتنع الجانب الأميركي عن تنفيذ التزاماته، ومن حقها أن تفعل ذلك. كانت النتيجة سلبية جداً، ومن الأفضل أن نعكس هذا المسار في أسرع وقت".

في الأسابيع الأخيرة، كثّفت روسيا ضغوطها على إيران لعقد اتفاق موقت يشمل رفع عقوبات محدودة مقابل فرض قيود معينة على برنامجها النووي.

بدأت إدارة بايدن المحادثات النووية في نيسان 2021، وهي الجولة الأولى من أصل ست جولات خاضتها مع حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني. شكّل الموقّعون الرئيسيون على الاتفاق النووي المبرم في العام 2015 (الصين، فرنسا، ألمانيا، إيران، روسيا، بريطانيا، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي) فريقَين لتحديد العقوبات التي تستطيع الولايات المتحدة رفعها للعودة إلى الاتفاق، واختيار القيود التي يُفترض أن تفرضها إيران على نشاطاتها النووية.

في شهر حزيران، وافقت حكومة روحاني وإدارة بايدن على أجندة أساسية لإطلاق محادثات مفصّلة حول العقوبات والشروط النووية. لكن عمد خَلَف روحاني المتشدد، إبراهيم رئيسي، الذي انتُخِب رئيساً لإيران في حزيران 2021 واستلم منصبه في بداية آب، إلى تأخير المحادثات لبضعة أشهر.

في 29 تشرين الثاني، استأنف وفد إيراني جديد بقيادة علي باقري كاني الجولة السابعة من المفاوضات. تراجع باقري كاني عن اتفاق حزيران في البداية وأصرّ على المطالبة برفع جميع العقوبات الأميركية وأجّج المخاوف حول استعداد طهران للعودة إلى الاتفاق النووي.

أوضح باقري كاني أنه لا يهتم بمناقشة الواجبات النووية الإيرانية انطلاقاً من اتفاق العام 2015، وقد اعتبر الأميركيون وحلفاؤهم الأوروبيون هذا الموقف سلبياً. لكن دعت روسيا والصين الوفد الإيراني إلى قبول الاتفاق السابق.

بحلول شهر كانون الأول، بدأ المسؤولون الأميركيون والأوروبيون يفقدون الأمل بالعودة إلى الاتفاق النووي المبرم في العام 2015. في غضون ذلك، انشغلت إيران بخلاف مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فمنعت مفتّشيها من مراجعة كاميرات المراقبة في المواقع النووية الإيرانية، بما في ذلك منشأة "كرج" حيث أزالت إيران أربع كاميرات وتكلمت عن استمرار التحقيق حول هجوم تخريبي عطّل إحدى الكاميرات. لامت طهران إسرائيل على ذلك الهجوم.

لكن تدخّل أوليانوف في مناسبات متكررة لضمان متابعة المحادثات، حتى أنه أقنع باقري كاني في تشرين الثاني بالموافقة على مناقشة واجبات إيران النووية بموازاة المحادثات المرتبطة بتخفيف العقوبات. حاول أوليانوف أيضاً إقناع القيادة الإيرانية بمقابلة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، في طهران لحل الخلافات القائمة حول نشاطات المفتشين النوويين. حتى أنه لعب دوراً أساسياً لإقناع طهران بالموافقة على تركيب كاميرا تابعة للوكالة في منشأة "كرج"، وحدّد ركيزة الجولة الثامنة من المفاوضات التي بدأت في 27 كانون الأول ومن المتوقع أن تنتهي في مرحلة معينة من شهر شباط المقبل.

على مر المفاوضات، قال أوليانوف إن روسيا دعت إيران إلى تعليق جميع النشاطات التي تنتهك الاتفاق النووي المبرم في العام 2015، تزامناً مع الضغط على الأميركيين لوقف ما يعتبره "سياسة الضغوط القصوى، أو الامتناع عن فرض عقوبات جديدة على الأقل [خلال المفاوضات]". أضاف أوليانوف: "أظن أن روسيا تؤدي دور الوساطة بكل نزاهة. نحن لا ننحاز إلى أي طرف. إذا اختلفنا مع الإيرانيين، لن نتردد في انتقادهم، علناً أو في الأوساط الخاصة. لكننا قد ننتقد زملاءنا الغربيين أيضاً حين يرتكبون الأخطاء".

برأي دبلوماسي مطّلع على مسار المفاوضات، قررت روسيا تقديم المساعدة في الملف الإيراني لتوجيه الرسالة التالية إلى إدارة بايدن: "إذا بالغتم في مضايقتنا في أوكرانيا، ستجازفون بإضعاف المفاوضات الإيرانية التي تعطونها أهمية كبرى".

لكن يظن داني أيالون، سفير إسرائيلي سابق لدى الولايات المتحدة، أن الهدف النهائي من الجهود الدبلوماسية الروسية في الملف الإيراني يتعلق بعقد أفضل صفقة ممكنة بالنسبة إلى طهران، ما يعني إضعاف نفوذ واشنطن في المنطقة.

في المقابل يتكلم أندريه كوزيريف، وزير الخارجية الروسي خلال التسعينات، عن مجالات تعاونت فيها الولايات المتحدة وروسيا عن قرب وستتابع التعاون فيها مستقبلاً، أبرزها منع الانتشار النووي والحفاظ على حق الفيتو في مجلس الأمن: تُرسّخ هاتان المسألتان مكانة روسيا كقوة عظمى عالمية.

رغم تدخّل روسيا سابقاً في أوكرانيا وإقدامها على ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014، تابع البلد تعاونه الوثيق مع الولايات المتحدة وإيران وقوى أساسية أخرى في الأمم المتحدة لإبرام الاتفاق النووي في العام 2015. ورغم الاختلافات القائمة حول أوكرانيا، وقّعت الولايات المتحدة وروسيا حديثاً على بيان مشترك بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن.

يضيف كوزيريف: "بشكل عام، بدأ الوضع يتدهور ومن المتوقع أن تستمر المواجهة في المستقبل المنظور، إلى أن يتغير النظام الروسي. ستتعاون روسيا والولايات المتحدة طبعاً حالما تتمحور المشكلة حول منع الانتشار النووي. لكن ستحاول روسيا مجدداً إلقاء أكبر قدر من الأعباء على عاتق الولايات المتحدة".

أخيراً، يظن كوزيريف أن روسيا تريد إلغاء برنامج إيران النووي طالما يقع اللوم على إسرائيل والولايات المتحدة مباشرةً: "لن يمانع أحد هجوم إسرائيل أو الولايات المتحدة على إيران لمنعها من التحول إلى دولة مسلّحة نووياً... قد يهاجم الروس إسرائيل والولايات المتحدة بعد استعمال القوة بطريقة أحادية الجانب، لكني أظن أنهم يريدون منع إيران من تصنيع أسلحة نووية. عند النظر إلى الخريطة الجغرافية، تبدو إيران أقرب إلى روسيا من الولايات المتحدة".


MISS 3