بين أهدافها إيهام الناس بأن أموالهم موجودة!

رياشي: "الليلرة" لا تحل الأزمة وستخلق تضخماً مفرطاً

02 : 00

أنجزت الحكومة صيغة لمعالجة خسائر القطاع المالي، اعتمدت فيها "الليلرة" أساساً لرد الودائع الدولارية لاصحابها بالليرة على مدى 15 عاماً وبأسعار متعددة: واحد للفوائد المتراكمة خلال فترة معينة بـ 5 آلاف ليرة للدولار، وآخر بـ 12 ألفاً لودائع الليرة التي حولت الى دولار بعد 17 تشرين 2019 وثالث بسعر 20 ألفاً للباقي. اضافة الى سداد جزئي صغير بالدولار وتحويل ودائع الى مساهمات في البنوك، فضلاً عن اصدار سندات مقومة بأصول الدولة لسداد جزء آخر. قد لا تكون تلك الصيغة هي النهائية لا سيما وان هناك من يعتقد انها الطريقة التي لطالما طالب بها مصرف لبنان وترفضها غالبية المودعين، الى جانب قوى سياسية ومجتمعية نافذة.

في حوار مع الرئيس التنفيذي ومؤسس "أف أف أيه برايفت بنك" جان رياشي يقول: إن هناك قاعدة في النظام الرأسمالي عندما تقع خسائر في القطاع المالي، وهي اذا كان هناك عجز بين قيمة الأصول وقيمة الدين لا نحمل الدائن شيئاً قبل خسارة المساهم أولاً، هذا من جهة. من جهة أخرى، هناك مبدأ المسؤولية، ونسأل: من أين أتت الخسارة؟

من أين أتت الخسائر؟

ويجيب رياشي بأن الخسائر وبجزء كبير آتية من مصرف لبنان، حيث هناك فجوة بالعملات الأجنبية (الدولار) بين أصول المصرف ومطلوباته (بالدولار أيضاً). المطلوبات هي الأموال التي وظفتها المصارف لدى البنك المركزي. هذه الفجوة قدرت بأكثر من 40 ملياراً بعد احتساب ما تبقى من عملات أجنبية وهو نحو 12.5 مليار دولار وقيمة الذهب المقدرة بين 16 و17 ملياراً.

أما كيف انخفضت موجودات العملات الأجنبية من 30 ملياراً عشية الأزمة الى نحو 12 فقط؟ فيفصّل الأمر كالتالي:

هناك من يتحدث عن كلفة الدعم فقط. لكن يجب اضافة 7 مليارات دولار حوّلها مصرف لبنان الى المصارف لسداد التزامات بعض المصارف تجاه البنوك المراسلة في الخارج. وهذا لا علاقة له بخروج أموال المودعين أو ما سمي الأموال المهربة. حصل ذلك لأن فلسفة حل الأزمة من قبل مصرف لبنان كانت عدم افلاس المصارف. لذا كان لا بد من دفع التزامات في الخارج. أما الالتزامات في الداخل، وتحديداً ودائع الناس فهي تدفع بالليرة وفقاً للتعاميم المتتالية، وإما يأخذ المودع شيكاً يسدد به ديناً او يشتري عقاراً وغيره. بفعل ذلك هبطت الاحتياطات الى 12.5 مليار دولار.

ويشير الى انه اضافة الى خسارة المصارف من خلال فجوة مصرف لبنان هناك خسائر على سندات اليوروبوندز التي كانت تحملها المصارف وقدرت قيمتها الإسمية بنحو 10 مليارات دولار. اذا نحن أمام فجوة بأكثر من 40 مليار دولارعلى مصرف لبنان، وجزء كبير من 10 مليارات دين على الدولة عبارة عن سندات اليوروبوندز التي لا تحديد لخسائرها اليوم بانتظار نتيجة المفاوضات مع الدائنين.

ويوضح رياشي الالتباس بين ما تقوله المصارف انها سلّفت الدولة وعلى الدولة رد الأموال، فيقول: الصحيح ان الدين بالدولار على الدولة قليل نسبياً، أما القسم الأكبر فهو على مصرف لبنان. وقد تأتي خسائر اضافية للمصارف من القروض الممنوحة للقطاع الخاص التي يبدو أن حجمها أقل مما كان متوقعاً. مقابل الفجوة بالدولار، مصرف لبنان يحمل ليرات وسندات دين على الدولة على سعر 1500 ليرة للدولار لا خسارة لديه. أما على سعر 25 ألفاً فتتحول الفجوة الى خسارة شبه كاملة. هذا ما يمكن ان يفسر تأخير اعتماد سعر رسمي جديد أقرب من سعر السوق.

وبسؤاله عن حجم الخسائر الذي حددته الدولة بنحو 69 مليار دولار يوضح أنه ليس مهماً دقة رقم الخسائر الذي حددته الدولة بـ 69 ملياراً، وهو ربما رقم ليس ببعيد عن الواقع. الأهم هو الآلية والفلسفة الخاصة بتوزيع الخسائر.

لا ننسى العدالة في توزيع الخسائر

ويعيد التذكير بأنه يجب ان يتحمل المساهم الخسارة أولاً قبل الدائن او المودع. على صعيد آخر يجب تحديد مسؤوليات ومن ثم اقتراحات الحلول.

العدالة الاجتماعية

ولا ينسى رياشي قضية العدالة الاجتماعية ومسؤولية الدولة تجاه الفئات الأكثر ضعفاً، ليذكر بمبدأ التمييز بين كبار المودعين والمتوسطين والصغار، خصوصاً وأن كثير من اللبنانيين اودعوا تعويض نهاية خدمتهم في البنوك وبنوا توقعات انهم سيعيشون من اموالهم بكرامتهم. وكذلك الامر بالنسبة لصناديق نقابات المهن الحرة التي أودعت بالدولار. من الممكن التفكير بحماية هذه الاموال على اساس متوسط نهاية الخدمة وضمانه بالكامل.

الليلرة ستخلق مشكلة كبيرة

أما عن حل موضوع الخسائر من خلال الليلرة (تحويل الودائع بالدولار الى الليرة اللبنانية) فيرى انه سيخلق مشكلة كبيرة جداً. ويوضح رياشي كما يلي:

لليلرة هدفان: الاول هو التعمية على الخسارة بايهام الناس انهم لم يخسروا اموالهم بل تحولت الى الليرة. اما الهدف الثاني فهو تمرير الخسارة الى المودع من دون المرور برساميل المصارف، أي لا تمر بحسابات الربح والخسارة وبالتالي لا تؤثر على الاموال الخاصة للمصارف. سينتج عن ذلك طبع 700 تريليون ليرة، اي أكثر من 10 اضعاف الكتلة النقدية الحالية.

بـ"الليلرة"، وفق رياشي، نرمي المشكلة على عاتق المستقبل ونحاول ايهام الناس، وفي نهاية المطاف لن يحصل المودع على الشيء الكثير. اما الكلام عن ان سعر الصرف سيتحرك مع الوقت لتعويض المودع بشكل عادل فهو خطر جداً لأن الـ 700 تريليون هي بأسعار اليوم، واذا تحرك السعر قد تزيد الكتلة بشكل اكبر. ستدخل الليلرة الاقتصاد في دوامة تضخم طويلة الأمد ما قد يمنع انتعاش الاقتصاد.

يستدرك رياشي ليؤكد ان "ما يهمنا جميعاً هو الاقتصاد. قضية الودائع مهمة جداً، لكن من مصلحة الجميع ان يكون لدينا اقتصاد ينتج وينمو" مرتكزاً على قطاع مصرفي سليم، اما اقتصاد الكاش السائد الآن فغير طبيعي ولا يخدم النمو.

ويطالب بالتفكير بتحديد الاولويات وهناك حلول ابداعية أخرى.

بادئ الأمر، برأيه، يجب مصارحة المودع بانه سيتحمل خسارة ما.

كيفية رسملة المصارف

بالنسبة لرساميل المصارف، يستعرض الخطة المطروحة التي يبقى منها 4 مليارات دولار من اصل 17 ملياراً كما هي مسجلة حالياً. ويضيف قائلاً: هناك منطق ما في ان تبقى بعض المصارف الفعالة على قيد الحياة تحت سيطرة مساهميها الحاليين. فاذا كان "البايل إن" (تحويل ودائع الى مساهمات في المصارف) طريقة لإعادة رسملة هذه المصارف، فلماذا لا توضع شروط على المساهمين الحاليين مثل تكملة هذه الرسملة بأموال جديدة من الخارج سواء من اموالهم او من مستثمرين آخرين. ويمكن حينئذ اعطاؤهم حصة اكبر من الأسهم الجديدة او حق التصويت حتى لو كانت مساهمتهم باموال جديدة اقل من مساهمة المودعين القسرية.

سنجد من لا يريد الدخول في هذه العملية لانه غير قادر على تجميع الاموال الجديدة اللازمة، ومن سيضع اموالاً جديدة يريد رؤية اقتصادية بعد درس الجدوى.

لدى رياشي رؤية مبنية على انه اذا بقي لدينا فقط 5 او 6 او 7 مصارف تعمل بكفاءات وخبرات وانظمة تشغيل فعالة، يعني ان هناك جدوى لقطاع مصرفي بحجم معين وسنرى قدوم رساميل جديدة. ان وضع هكذا شروط يؤدي، وفق رؤيته، الى الانتقاء الطبيعي لاعادة هيكلة القطاع المصرفي من ناحية حجم القطاع وعدد المصارف. والمنطق يقول ان لبنان قد لا يحتاج الى هذا الكم القائم حالياً من المصارف والفروع.

ولإدارة هذه العملية يؤكد رياشي اننا نحتاج، كما جرى في بلدان اخرى مرت بأزمات مماثلة، الى هيئة مستقلة تقوم بكل هذا العمل المبني على شروط واضحة امام الجميع.

البنك السيئ والصندوق السيادي

على صعيد آخر، يسهب رياشي في الحديث عن تطبيق فكرة "البنك السيئ"، الذي ننقل اليه الأصول المسمومة من بنوك وودائع وقروض متعثرة وسندات. هذا الأمر يساهم في تسريع عملية اعادة الهيكلة، ويضع الاقتصاد على سكة الحركة فوراً، من دون انتظار سنوات طويلة من الليلرة التي ستنتج تضخماً مفرطاً.

أما فكرة الصندوق السيادي فيرى ان أمامها عدة مشاكل: الاولى هي التقييم، إذ لا تتجاوز قيمة كل اصول الدولة اليوم 15 مليار دولار مع الاراضي. مع الأخذ في الاعتبار ان الاراضي والعقارات لا استثمارات مجدية فيها حالياً.

الادارة هي التحدي الثاني لهذا الصندوق الذي يجب ان يدار بفعالية وحوكمة.

التحدي الثالث هو اعتماد الموازنة على ايرادات من اصول الدولة لتحقيق فائض أولي والخروج من دوامة العجز. وهنا يجب ايجاد معادلة بحيث يفيد الصندوق وايراداته الموازنة ويخدم مشروع رد الودائع في نفس الوقت. وربما اذا اعتمد هذا الحل يمكن من خلاله ان تغذي الإيرادات المخصصة لاعادة الودائع الى البنك السيئ ما يعطي املاً لكبار المودعين.

ماذا عن المحاسبة؟

كما ان رياشي لا ينسى مبدأ العدالة الاجتماعية فانه لا ينسى مبدأ المحاسبة التي يجب أن تترافق مع كل ذلك بحثاً عن العدالة. لأن المودع لن يتقبل اي خسارة اذا وجد ان من أخطأ وأخفق وافسد لم يحاسب. اذا طبقت المحاسبة يقبل التضحية.

نخشى ما نخشاه!

يخشى جان رياشي من عدم اعتماد خطة تعاف واتفاق مع صندوق النقد لعدم المساس ببعض المصالح، وعدم الرغبة بالشفافية وعدم مصارحة المودعين بان خسائر ستطالهم.

ويوضح ان ما يحصل اليوم هو اعادة اموال للمودعين من خلال تعاميم مصرف لبنان وربما هذه التعاميم لا تتطابق مع القوانين المرعية الاجراء. لذا يبدو ان السلطة مصرة على شرعنة هكذا تعاميم خلسة وبأقرب وقت. وهذا ما حصل عندما حاولت تمرير قانون الكابيتال كونترول الذي بدا أن هدفه الوحيد شرعنة الواقع، والمحاولة تتكرر ايضاً في ما ورد في احد مواد مسودة الموازنة بالتفريق بين الدولار القديم والجديد..

يختم رياشي قائلاً: هذا الامر قد يريح الطبقة الحاكمة والمصارف ومصرف لبنان، وتصبح الحاجة الى المعالجة الشاملة والى اتفاق مع صندوق النقد غير ملحة.

MISS 3