كريم ضاهر

قراءة قانونية أولية في مشروع قانون موازنة العام 2022

عجز وتخبّط وتمنيات... محاولات خجولة تدابير وحوافز معزولة عن أي حلّ شامل

7 شباط 2022

02 : 00

كريم ضاهر

من يطّلع على مشروع قانون موازنة العام 2022 ويتمعّن في المضمون، يكتشف بما لا ريب فيه أن هذا المشروع بمثابة صورة مصغّرة وأمينة لوضع وواقع السلطة التنفيذية التي سوف تتبناه؛ أي عجز وتخبط وتمنيات كما ومحاولات خجولة لإعادة توازن مفقود ورفد الخزينة بإيرادات باتت ملحّة لتجنب الإنهيار الكامل وزوال الدولة ومؤسساتها. ومما لا ريب فيه أن هذا المشروع، على غرار سابقه (أي مشروع موازنة 2021) المماثل إلى حد التطابق في الكثير من المواد باستثناء الأرقام المعدّلة على هوى أسعار الصرف غير الثابتة، خالٍ من أي رؤية إقتصادية وبرنامج إصلاحي فعلي ومدروس يعيد الثقة إلى المواطن والمستثمر ويبلسم جراح شعبٍ نازفٍ وتائه. وعليه، يتضمن مجموعة من التدايير الطارئة والجزئية وحوافز خجولة غير كافية ومعزولة عن أي حلّ شامل وبرنامج متكامل واضح المعالم للخروج من الأزمة المستفحلة؛ والأخطر: عدم القدرة على إحداث التغيير المنشود أو أقله المباشرة به كما والتقاعس في التنفيذ وتجنب أي تدبير من شأنه الإزعاج أو الإرباك أو المواجهة.

واجب التنبه من التضليل

صحيح أن مشروع الموازنة للعام 2022 قد حاول إلى حدٍ ما مراعاة الظروف الصعبة السائدة وتجنب زيادة الضرائب في ظل ما يسود من حالة ركود وانكماش وتضخم مفرط وقد حرص واضعوه على تأمين مساعدات إجتماعية بحدها الأدنى وبعض الحوافزالإستثمارية لجذب الرساميل الأجنبية بالرغم من التوقيت الخاطئ كونها لن تحقق النتائج المرجوة ولن تحدث صدمة إيجابية تعيد الثقة والإطمئنان وذلك، بمعزلٍ عن خطة تعاف عادلة وموضوعية متوافق عليها. ولعله من الواجب التنبيه من التضليل وإظهار المستور بفعل زيادة الضرائب والرسوم حيث هو متاح وغير ظاهر للعيان أو قابل للإعتراض أو التذمر كزيادة الضرائب غير المباشرة والرسوم المتفرقة والتحكم بسعر الصرف والقيم التأجيرية والتخمينية من دون إيجاد حلٍ مسبق لتعدد أسعار الصرف في السوق المحلي وتقلب العملة وتهاوي قيمتها.

ما كنا نتمناه


بكل صراحة، كنا نأمل نقلة نوعية وإصلاحاً فعلياً في المالية العامة من خلال موازنة شفافة وشاملة وعصرية سيما أن الظروف الإستثنائية الراهنة كانت تحتم موازنة إستثنائية جريئة وخلاّقة لا موازنة شبيهة إلى حد التطابق مع سابقاتها. وطالما أن الحكومة موجودة لفترة وجيزة إنتقالية إلى حين إجراء الإنتخابات النيابية في الأشهر القليلة القادمة، كان الأجدى بها تحقيق خرق فعلي وإعداد موازنة عصرية إصلاحية ولو كلف الأمر رفضها ومعارضتها من قبل الشريحة الأكبر من النافذين كما والمتضررين سيما على المستوى الإداري أو الإقتصادي أو المصرفي أو الإحتكاري.

يفرض البحث في الموازنة وبالتالي في إصلاح المالية العامة، البحث مقدماً في مهام الدولة الأساسية. فعليها يقع واجب حماية الاقتصاد الوطني، وتأمين الحماية الإجتماعية، ونشر العلم والمعرفة، وزيادة الثروة وحسن توزيعها بشكل عادل. كذلك عليها إعادة الإعتبار الى صدقيتها وثقة المواطنين والخارج بها. هذا الأمر يُكرّس بإصلاحات تشمل إجراءات طارئة وسريعة لخفض العجز وطمأنة الدائنين وتثبيت النقد ومكافحة الفقر المتفشّي وإعادة إطلاق العجلة الإقتصادية. ومن شروط ذلك، تأمين الواردات وترشيد الإنفاق عبر تحديد الحاجات الفعلية وقواعد وآليات الجباية والإنفاق، فضلاً عن المراقبة الفعالة. فالموازنة هي الأداة الأساسية للمالية العامة. هي وسيلة للتدخّل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية بهدف تحقيق البرامج والوعود التي التزمتها السلطات السياسية. تدخّل كهذا يتم عادةً، من خلال فرض الضرائب أو الإعفاءات بحوافز و/أو بزيادة أو خفض الإنفاق العام بما يتلاءم مع الظروف والحاجات وضمن خطة مدروسة واضحة المعالم والأهداف.

عملياً، المطلوب اليوم قبل الغد، وبالتزامن مع تنفيذ أي برنامج إنقاذي، خفض تدريجي في نسبة العجز إلى الناتج المحلّي قبل تأمين توازن الموازنة على المدى المنظور والوصول إلى فائض أولي سريعاً، بالإضافة إلى تنفيذ رزمة إصلاحات هيكلية وبنيوية وقطاعية. وهذا يحتم أن يكون مجموع النشاط الاقتصادي والاجتماعي موجّهاً بصورة سليمة وشفافة من خلال الموازنة. لذا يتعين على أي موازنة، لهذه السنة أو للسنوات المقبلة، أن تكون وسيلة لتنفيذ خطة التنمية المستدامة.

تناقضات في الفذلكة


من جهة ثانية، ومثال على التناقضات توصي الفذلكة بتوسيع القاعدة الضريبية وزيادة معدّل الإمتثال وإصلاح النظام الضريبي لجعله أكثر عدالة، بينما تكتفي واقعاً ببعض التدابير والإجراءات السطحية من دون اقتراح تدابير ناجعة ومفيدة مثال تعميم الرقم الضريبي وتطوير آليات التبليغ وتتبع العمليات ومكننة الإدارة ووضع الخوارزميات وآليات الحوسبة عن بعد لمعالجة البيانات الحسابيّة للمكلّفين من خلال واجهات الكترونيّة تسمح بكشف الثغرات وملاحقة المتهرّبين (artificial intelligence) والإنتقال من نظام الضرائب النوعية (scheduled taxes) - الذي يتيح للعديد من الأشخاص تفادي التصريح عن إيرادات مخفية ومستترة وغير ملحوظة في المنظومة - إلى نظام الضريبة الموحدة على الدخل؛ وذلك من خلال سلّةٍ من الإجراءات يتم اقتراحها واعتمادها بموجب قوانين خاصة ومن شأنها رفع الغطاء عن النافذين والمستفيدين. ناهيك عن تفعيل إجراءات تطبيق القانون رقم 55 تاريخ 27/10/201 لتبادل المعلومات الضريبية بشكل يتلاءم مع ما هو مطلوب من قبل المنتدى العالمي وفي المعاهدة المتعددة الأطراف (MAC)؛ بحيث تقوم الدولة ممثلة بوزارة المالية، من جهة، بطلب التبادل غب الطلب بالنسبة للحالات المشبوهة أو المشكوك فيها. ومن جهة ثانية تطبيق ما تبقى من شروط وإلتزامات للوصول إلى المرحلة الثالثة من تقويم الإلتزام (Pier review) قبل النصف الأول من سنة 2022 ليتسنى تلقي المعلومات العائدة إلى المقيمين في لبنان عن طريق التبدل التلقائي للمعلومات (CRS).

إعفاءات غير مجدية


وفي نفس الإطار الهادف إلى زيادة الواردات وتحقيق العدالة والفعالية الضريبيتين، كان يقتضي إقتراح تعديل وتطوير نظام الإعفاءات والحوافز الضريبية المعمول به راهناً وجعله أكثر عدلاً وفعالية. ومن هذا المنطلق إلغاء إعفاءات غير مجدية وغير عادلة على غرار الإعفاءت الممنوحة لمصارف الاعمال ومصارف التسليف المتوسط والطويل الاجل كما وإعفاء مؤسسات الملاحة الجوية والبحرية. بالمقابل، إستحداث إعفاءات موقتة وخاصة تساعد على النمو و/أو التوظيف وذلك، في سياق سياسة ضريبية/إقتصادية/إجتماعية متكاملة ومتقدمة يتم تنفيذها على مراحل؛ كالصناعات التحويلية أو التجميعية أو الصناعات التكنولوجية والبرمجة المعلوماتية والمشاريع الصديقة للبيئة. كما ومن المقترح إقرار حوافز مالية وضريبية تحت الباب الثالث لبعض التوظيفات المالية في القطاعات المنتجة و/أو الواعدة لتحفيز النمو.

كما يوصي المشروع في السياق عينه بإعفاء فوائد الودائع المصرفية الجديدة بالعملة الأجنبية (Fresh Cash)، التي يتم إيداعها خلال فترة خمس سنوات من تاريخ نشر القانون، من أية ضريبة على الفوائد أو سواها مما شملته المادة 51 من القانون رقم 497/2003 خلال فترة خمس سنوات وذلك من دون تحديد أي موجب أو آلية للإستفادة منها عملياً وتوظيفها في مشاريع تجارية أو صناعية أو زراعية محلية لفترة معينة وضمن قيود خاصة يحددها قانون جديد للإستثمار و/أو قانون يضع قيوداً رسمية على التحاويل والسحوبات (Capital Control). مما يجعل من تلك التدابير مجرد طروحات غير مجدية وغير قابلة للتنفيذ.

العجز أكبر


وأخيراً وليس آخراً، تقتضي الإضاءة على عجز الموازنة المرتقب البالغ مجموعه ما يزيد عن 10 آلاف مليار ليرة لبنانية، في حال لم يصر إلى إضافة سلفة الخزينة المخصصة لمؤسسة كهرباء لبنان، أي ما نسبته 20,77% وذلك من دون احتساب كل من سلفة الخزينة المخصصة لمؤسسة كهرباء لبنان في حال تم إعطاؤها والفوائد على سندات الخزينة بالعملة الأجنبية بعد التوقف عن سداد الدين؛ ما يعني أن هذا العجز سوف يتم تمويله إما عن طريق استحداث إيرادات جديدة وبالتالي ضرائب ورسوم إضافية تفرض على كاهل المواطن وتعيق الإستثمار والنمو أو عن طريق سلفات وتمويل من مصرف لبنان من الإحتياطي القانوني وبالتالي مما تبقى من ودائع المودعين أو عن طريق طبع العملة وزيادة الكتلة النقدية البالغة 50 تريليوناً تقريباً...مما قد يفاقم التضخم وإنهيار العملة وزيادة الأسعار وإفقار المواطنين أكثر فأكثر.



ميقاتي والشامي وسلامة وخليل يضربون أخماساً بأسداس والنتيجة صفر حتى الآن



في تفصيل بعض المواد:

أ ‌- تقسيط الضرائب والرسوم المتوجبة على المكلفين:

بالرغم من أحقية وملاءمة وضرورة هذه التدابير في الكثير من الحالات وبالنسبة للشريحة الأكبر من المكلفين نظراً للظروف السائدة والتدهور الحاصل، إلا أنه يقتضي التمييز هنا بين المستحقين من جهة والمستفيدين من تلك الظروف من جهة أخرى بحيث يقتضي إستثناء بعض القطاعات التي استفادت، دون غيرها، من الظروف الإستثنائية والعصيبة التي ألمّت بالبلاد خلال السنتين الماضيتين. وقد يدعي البعض أن تدبيراً كهذا قد يطعن في مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل المنصوص عنه في الدستور (الفقرة (ج) والمادة 7). غير أن المبادئ الضريبية والعرف والإجتهاد كما والقوانين قد كرست أحقية التمييز والتمايز في حالات خاصة لأسباب إقتصادية أو إجتماعية أو استراتيجية من خلال الإعفاءات والحوافز الضريبية التي تشكل تمييزاً إيجابياً (Discrimination positive) معترف به.

هذا، ويتعين إعادة النظر في مسألة تمديد مهل تسديد رسوم وتسوية غرامات وإستفادة من حسومات وإعفاءات مترتبة على إشغال الأملاك العامة (المادة 92) للأسباب السابق ذكرها ولعدم فتح المجال لتكرار المخالفات بحجة الإستفادة الدورية من إعفاءات وتخفيضات؛ وبالتالي الإفلات من العقاب وعدم الإتعاظ وحرمان الدولة من حقوقها ومواردها. كما ويقتضي أيضاً بالنسبة لما هو ملحوظ بالنسبة لاستثناء الفوائد المنصوص عنها في المادة 51 من القانون رقم 497/2003 من إمكانية الإستفادة من التقسيط، إستثناء أيضاً الضريبة المترتبة على دخل رؤوس الاموال المنقولة المتأتية من الاسهم والسندات المالية الاجنبية والإستثمارات في الخارج كما وسائر الرسوم والضرائب المتأتية من البيوعات العقارية وما شاكلها.

كما يقتضي أيضاً، تحفيزاً للإيرادات المستدامة والإلتزام الضريبي، إقرار تسوية عامة وشاملة بالنسبة لجميع إيرادات الأسهم والسندات المالية الأجنبية وفوائد حسابات الإدخار التي تؤول إلى المقيمين في لبنان؛ على أن تكون مشروطة بأحد الخيارين: (i) إما إعادة جميع الرساميل إلى لبنان والإمتناع عن تحويلها من جديد إلى الخارج سحابة خمس سنوات و/أو توظيفها في استثمارات وقطاعات منتجة يتم تحديدها بمرسوم صادرعن مجلس الوزراء؛ (ii) إما تسديد على سبيل التسوية نسبة ضرائب (10 أو 15%) على كامل الذمم المالية الخارجية (رأس المال) ولمرة واحدة بالنسبة للمرحلة السابقة. ويتعين على المستفيدين من هذه التسوية بعدها أن يبادروا إلى تنفيذ موجباتهم عملاً بأحكام المادة 77 وما يليها من قانون ضريبة الدخل؛ مما يجنب التكليف بالضريبة وغرامتي التحقق والتحصيل على خمس أو سبع سنوات (للمكتومين) إلى الوراء.

ب‌- تعديل نسب وقيم التنزيلات العائلية وشطور التكليف التصاعدية بالنسبة للضرائب على الدخل:


بالرغم من صوابية الإجراء وضروراته القصوى على كافة الصعد إلا أن هذا الإجراء يبقى سطحياً وغير ذي تأثير في الظروف الراهنة من التضخم المفرط وعدم الإستقرار؛ وبالتالي كان يقتضي إجراء إصلاح جذري في هذا الميدان واستبدال نظام التنزيلات الحالي القديم وغير الفعّال وغير العادل بنظام جديد يعتمد على النصاب العائلي (Quotient familial) وهو نظام يهدف إلى تخفيف الضرائب على الإيرادات تبعاً للأعباء العائلة الفعلية.

وهذا النظام يأخذ بالإعتبار أعباء المكلف العائلية الفعلية وليس تطبيق بدل حسم مقطوع شامل ووحيد لجميع المكلفين وأفراد عائلاتهم كما هي الحال اليوم بموجب المادة 31 من قانون ضريبة الدخل ومن دون الأخذ في الإعتبار حجم دخل كل مكلف وقدراته المالية وأعبائه العائلية. لذا، فإنه من المستحسن إعتماد ما يسمى بالـ "Quotient familial" بحيث يتم إجراء تخفيضات تبعاً للوضع العائلي وبعد تطبيق الضريبة على أساس العائلة أو الأسرة (par foyer) لتخفيف العبء الضريبي المترتب عن هكذا إجراء على غرار ما هو معمول به في فرنسا مثلاً لأن الجزء من الدخل الذي يخصصه رب العائلة لنفقاته الضرورية أكثر من الجزء الذي يخصصه العازب من أجل ذلك. ويتجلى ذلك عملياً عن طريق تقسيم دخل الأسرة الإجمالي (الزوج والزوجة) إلى حصص بحسب عدد الأعضاء، بما في ذلك الأولاد، وإعطاء هؤلاء وفقاً للحال سواء حصة أو نصف حصة.

ومن ثم يقسم الدخل على عدد الحصص وتكلف النتيجة بالضريبة التصاعدية ويضرب ناتج الضريبة المتأتي من تطبيق النسبة التصاعدية عليه بعدد الحصص للوصول إلى الضريبة الواجب تسديدها عن الأسرة؛ وشرط ألّا يتجاوز عدد الحصص الإجمالية الممنوحة عن الأولاد حداً معيناً يحدده المشرّع.



ت‌- الإجراءات الآيلة إلى تحسين وتفعيل الإلتزام الضريبي كما وتحفيز العدالة الضريبية (المواد 29 و41 و42 و43 و47 و65 و73 و119).


لقد تضمن مشروع قانون موازنة سنة 2022 في العديد من مواده تدابير آيلة إلى تفعيل الإلتزام الضريبي مثال التصريح وإقتطاع الضريبة عن غير المقيمين والحؤول دون إمكانية إستعمال الشركات العقارية أو الأوف شور لتجنب عبء الضرائب كما واشتراط موافقة الإدارة الضريبية على عدد من المعاملات العقارية قبل تنفيذها أو الإلزام بالتصريح رغم الإستفادة من إعفاءات دائمة وإشراك البلديات في عمليات المسح والإستقصاء.

بالرغم من إيجابية وأهمية هذه التدابير إلا أنها غير كافية وغير مجدية وفعّالة في غياب خطة تشريعية وتنظيمية متكاملة وورشة إصلاح داخلية وسيما بالنسبة لمكافحة الفساد والمحسوبيات والمحميات. وعليه، كان من الأفضل تأمين موارد ضريبية عن طريق تفعيل الإلتزام الضريبي ومكافحة التهرب والتهريب بشتى الوسائل المتاحة العملية والمتطورة ومنها ما هو مذكور في القسم الأول أعلاه.

ث‌- زيادة الرسوم والضرائب غير المباشرة:


يقتضي التحذير هنا من الإستسهال في فرض ضرائب غير مباشرة تعمق الهوة مع الضرائب المباشرة وتطعن بالعدالة والمساواة الضريبيتين. مع التشديد على أنه يبقى من الضروري إجراء مقاربة مستقبلية علمية وموضوعية لمسألة الرسوم لكي لا تكون عائقاً للإستثمار أو لحركة الإقتصاد ومصالح المواطنين.

ج‌- تعديل بعض أحكام قانون ضريبة الأملاك المبنية:


إن التعديلات المزمع إدخالها على قانون ضريبة الأملاك المبنية لجهة تحديد مهلة قصوى للشغور بحيث تستحق الضريبة بعد إنقضاء المهلة وإن بقي البناء شاغراً، جديرة بالتقدير والتنويه هي أيضاً؛ وهي كفيلة بمعالجة موضوع السكن لحث المالكين على البيع أو التأجير وتحريك بالتالي السوق العقارية وإيجاد مسكن لمن هو بحاجة. إلا أنه كان يقتضي تطبيق ذلك أيضاً على الأملاك غير المبنية كالأراضي الشاغرة وغير المستصلحة في بعض المناطق لحث مالكيها على استثمارها أو تأجيرها لغايات صناعية وزراعية تحفز النشاط الإقتصادي والنمو.

هذا ومن المفيد أيضاً ومع مراعاة التنبيه من فرسان الموازنة، إجراء إصلاح جذري لضريبة الأملاك المبنية بتعديل القانون برمته من خلال التمييز بين الإيراد المتأتي من تأجير الأملاك من الغير من جهة، وضمه لسائر المداخيل الأخرى المكلفة بموجب نظام ضريبة الدخل (الضريبة الموحدة على الدخل)، وبين الرسم المترتب على حيازة العقار واستعماله للسكن من قبل مالكه (taxe foncière) من جهة أخرى، الذي يؤول مردوده إلى السلطات المحلية لتنفيذ المشاريع وتحسين الخدمات. بيد أنه لا يجوز التكليف بالضريبة دون إيراد محقق فعلياً؛ سيما لجهة أن التكليف الواقع على مالك العقار راهناً (على أساس القيمة التأجيرية) مفروض على دخل وهمي غير مترتب وغير مستحق وغير مقبوض مما يفضي إلى أن الحدث المنشئ للتكليف غير متوفرة أو متحققة عناصره في الحالة الحاضرة حتى إذا ما اعتبرنا (وعن غير وجه حق) أن المالك الذي يقطن مسكنه مستأجراً له من نفسه. وبالتالي، فمن الأفضل تصنيفه على أنه رسم له مقابل مباشر وهو ما تقدمه السلطات المحلية من خدمات للقاطنين في نطاقها المكاني.

ح‌- الإستثناءات لموجب إستيفاء المقبوضات بالليرة اللبنانية:


إن هذا التدبير غير المندرج في سياق خطة كاملة ومتكاملة للتعافي وتدابير منسقة لحل مشكلة تنوع أسعار صرف العملة الوطنية وتدهور قيمتها السوقية، من شأنه، بتشريعه وإباحته الإستثناءات، زيادة الإلتباس والإستنسابية بدلاً من تنقية الأجواء والحؤول دون التجاوزات والتخفيض من دولرة الإقتصاد والإقتصاد الخفي الموازي (الأسود)، لا سيما في ما يتعلق ببعض الضرائب والرسوم المستوفاة.

خ‌- منح وزير المالية صلاحيات إستثنائية لتعديل شطور ونسب الضرائب والرسوم كما ولتحديد دقائق تطبيق النصوص:


هذا التفويض يتجاوز صلاحيات الوزير بحيث يعود للمشرع وحده وإستثنائياً لمجلس الوزراء مجتمعاً (بشروط صارمة وظروف خاصة وخطرة) أمر تحديد أو تعديل الضرائب والرسوم وما هو ذات صلة بها وذلك عملاً بأحكام المادتين 81 و82 من الدستور اللبناني ومبدأ السيادة الشعبية والديمقراطية التمثيلية.

أما ترك دقائق تطبيق معظم النصوص القانونية لقرار يصدر عن وزير المالية، فمن شأنه أن يترك للإدارة الضريبية، في غياب أجهزة رقابة فعّالة وتدابير مسلكية صارمة، حرية التصرف والتقرير الإستنسابي في مواضيع تُعتبر من صميم الركائز والمبادئ الضريبية.

د‌- التدابير والأحكام الواردة ضمن الفصل الرابع – مواد متفرقة:


إن العديد من المواد الواردة ضمن هذا الفصل كما وبعض المواد في الفصل الثالث تندرج ضمن ما يُعرف بفرسان الموازنة "les cavaliers budgétaires"؛ أي مبدأ التخصص ضمن قواعد الموازنة الجوهرية الذي يعني عدم تضمين الموازنة نصوصاً تشريعية لا تمت إلى الموازنة بصلة، بما معناه أحكام وقوانين لا تتعلق مباشرة بتنفيذ الموازنة، كون قانون الموازنة يشكل وحدة كاملة منسجمة. وكما بات معروفاً فإن الحكومات اللبنانية المتعاقبة قد اعتادت خلال العقدين الماضيين إدراج نصوص عديدة في قانون الموازنة يقتضي أن تكون موضوع قوانين مستقلة، محاولةً بذلك الإستفادة من حجم البنود والإعتمادات التي تستوجب الدرس والنقاش كما والضجيج الإعلامي الذي يرافق التصويت على الموازنة لتفادي ردود الفعل السلبية لدى المواطنين والنواب وتسهيل موافقتهم على هذه النصوص واستيعابهم لها...أي تمريرها خلسةً. هذا، وإذا ما اعتمدنا نص المادة 83 من الدستور المعطوفة عليه المادة 5 من قانون المحاسبة العمومية التي تنص على أن: "قانون الموازنة هو النص المتضمن إقرار السلطة التشريعية لمشروع الموازنة. يحتوي هذا القانون على أحكام أساسية تقضي بتقدير النفقات والواردات، وإجازة الجباية، وفتح الإعتمادات اللازمة للإنفاق، وعلى أحكام خاصة تقتصر على ما له علاقة مباشرة بتنفيذ الموازنة"، يمكن الإستنتاج بأنه يُحظر تضمين قانون الموازنة نصوصاً تشريعية أو قانونية أو تنظيمية لا تمت إلى الموازنة بصلة، أي أحكاماً وقوانين لا تتعلق مباشرة بتقدير الواردات والنفقات وإجازتها وتوازن الموازنة. وهي نصوص يُفترض بحثها وتضمينها في قوانين مستقلة عن قانون الموازنة. وما ذلك إلا وجه من أوجه مبدأ وحدة الموازنة وتكريسه على أرض الواقع. وإن مخالفة هذه القاعدة وتجاهلها بصورة متعمدة يجعل قانون الموازنة قابلاً للطعن أمام المجلس الدستوري لإبطال الأحكام التي لا تتعلق مباشرةً بتنفيذ الموازنة. وللمجلس أحكام بهذا الخصوص بموجب قرارات عديدة.


توطين الرواتب للتحكم بالودائع والكتلة النقدية

التدابير الآيلة إلى التحكم بالودائع المصرفية وتثبيت الخسائر: لقد نصت المادة 115 من مشروع قانون الموازنة على أن «يُعتمد التوطين لدى المصارف بصورة إلزامية من أجل دفع رواتب المستخدمين في المؤسسات وسائر التعويضات والبدلات مهما كانت تسميتها في المؤسسات والشركات كافة، وكذلك تلك التي تدفع للمدراء وأعضاء مجالس الإدارة. ما لم يتعارض ذلك مع أي نصوص قانونية دولية (وكذا)». مما لا شك فيه أن هذا التدبير لو أتى في ظروف طبيعية لكان موضع تقدير وتنويه لكونه يندرج في ما يسمى الشمول المالي (Financial Inclusion) الذي من شأنه المساعدة على مكافحة الفساد الذي يستعمل القنوات غير الرسمية وذلك، من خلال تحفيز إجراءات العناية الواجبة (Due Diligence) وتحديد صاحب الحق الاقتصادي ومصدر الأموال مع مراقبة العمليات بشكل مستمر والتبليغ في حال نشأ شك حول قيام أحد العملاء بمحاولة تبييض أموال أو تمويل إرهاب. إلا أن التدبير هنا لا يمت إلى ما تقدم بصلة بل غايته التحكم بالكتلة النقدية وودائع المستخدمين وإلزامهم بالتقيد مكرهين بالتدابير الإستنسابية والمجحفة التي تتخذها المصارف بإيعاز أو تناغم مع مصرف لبنان والسلطات المختصة.

وهذا ما يتجلى أيضاً من خلال المادة 132 التي تميز بصورة رسمية ونهائية بين الودائع «القديمة» بالعملة الأجنبية أي التي سبق إيداعها تاريخ نشر قانون الموازنة وبين الودائع التي يتم إيداعها نقداً أو بالتحويلات المصرفية بعد هذا التاريخ والتي يتم سحبها وفقاً للطريقة التي أودعت فيها. ولا نخالنا نجهل أن هكذا تدبير هو تمهيدٌ وتحضيرٌ لعملية إعادة توزيع الخسائر الجاري العمل عليه على قدم وساق والذي سوف يتم تمريره على حساب المودع والمواطن في ما سوف يُعرّف بأكبر عملية نصب وإحتيال وإجحاف في التاريخ القديم والمعاصر. كما أن من شأن هكذا تدبير ان يضفي الشرعية القانونية للمصارف للإستمرار في حجز أموال الناس والإقتطاع منها على هوى مصالحهم مع إبراء ذمتها بالنسبة لجميع الدعاوى والقضايا والمراجعات المرفوعة ضدها من قبل عدد من المودعين في الداخل والخارج. بمعنى آخر، فإن ما عجزت عن تحقيقه المنظومة السياسية المالية والحصول عليه بموجب آخر إقتراح قانون لوضع الضوابط على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية (Capital Control) سوف يؤمنه لها قانون الموازنة لسنة 2022 في حال تم إقراره تباعاً من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية.


تبديد مصالح الدولة ومداخيلها للتعويض عن الخسائر

المادة 117 تمهد لتبديد مصالح ومداخيل الدولة المنتجة للتعويض عن الخسائر بدلاً من تطويرها وتطبيق الشفافية والحوكمة الرشيدة بخصوصها بهدف تخصيص إيراداتها لتحقيق فائض أولي في الموازنة وتأمين نفقات إستثمارية (بنى تحتية، نقل مشترك، وإلخ.) وإجتماعية (طبابة، تعليم، تقاعد، ضمان بطالة، وكذا). أما المادة 133 فسوف تزيد سعر صرف إستنسابي على أسعار الصرف وتعمّق الأزمة والإنهيار بدلاً من حلّهما.


خلاصة وتوصية: من موازنة البنود.. الى البرامج والأداء

على ضوء كل ما تقدم وما يعتري مشروع القانون من شوائب وخلل بنيوي، بات من الضروري البحث في إصلاح المالية العامة الذي يفرض مقدماً البحث في مهام الدولة الأساسية من حيث حماية الاقتصاد الوطني وتأمين الحماية الإجتماعية ونشر العلم والمعرفة وزيادة الثروة وحسن توزيعها بشكل عادل.

وهذا كله بالطبع يشترط تأمين الواردات ومعرفة ما هي حاجات الدولة الفعلية إلى المال وكيفية جبايته وإنفاقه وطبقاً لأية قواعد وضمن أية شروط وعملاً بأية آليات للمراقبة الفعّالة. وعليه، بات ملحاً اليوم التفكير جدياً والسعي الدؤوب للإنتقال من موازنة البنود، التي ما زال النظام اللبناني يعتمدها، إلى موازنة البرامج والأداء من خلال القانون التنظيمي (الموجود مشروعه في أدراج مجلس النواب منذ ما يقارب العقدين) الذي يعتمد تقسيماً وظائفياً حسب المهام التي تندرج ضمنها البرامج للوصول إلى إحلال وتكريس مبدأ الصدقية وحسن الإداء على عمليتي إعداد وتنفيذ الموازنة فضلاً عن موجب النتيجة والمساءلة. وهذا ما من شأنه أن يضفي على عملية التصويت الذي يجريها البرلمان على الموزانة معنى سياسياً حقيقياً أي مراقبة فعلية لأعمال الحكومة والتي تفترض التثبت من تحقيق النتيجة بدلاً من التصويت على الوسيلة الممنوحة لها؛ مع ما يستتبع ذلك من نتائج لجهة المساءلة السياسية السنوية وطرح الثقة بالحكومة المتقاعسة عن تنفيذ برنامجها ووعودها أو الوزير المقصّر في أداء مهامه وموجباته.


MISS 3