باتريسيا جلاد

المحتكرون يجنون أرباحاً غير عادلة تجارياً واجتماعياً

1.5 مليار دولار من جيوب الناس سنوياً فوق المقبول تنافسياً

7 شباط 2022

02 : 00

من المرتقب ان تعقد اليوم اللجان النيابية المشتركة إجتماعاً لدرس اقتراح قانون المنافسة وإقراره، بناء على تقرير اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجنة برئاسة النائب فريد البستاني، التي طلبت مهلة أسبوع إضافية لإنجاز درس القانون الذي استغرق أخذاً ورداً لفترة طويلة نظراً الى الجدلية الدائرة حوله.


النقطة الأساس في قانون المنافسة، هي المادة المتعلقة بالوكالات الحصرية، وعددها 300 تحتكر استيراد وتوزيع 3800 سلعة، والتي ترفض الهيئات الإقتصادية الغاءها ويساعدها في ذلك نواب أصحاب مصالح. وهناك محاولات تحايل للحفاظ على حماية الوكالات بشكل أو بآخر. مع ادعاء أنها لا تشمل الا الكماليات وزعم أنها ضرورية للجودة والنوعية.



هاني بحصلي


الى ذلك، تردد أن قسماً كبيراً من تلك الوكالات غير مجدد من قبل التاجر المحلي مع الشركة الاجنبية، أي أنها مخالفة. وهنا تقع المسؤولية على وزارة الاقتصاد التي هي بكل الأحوال مقصرة في ضبط الأسواق عموماً سواء المتعلق بالوكالات أو غيرها، وبيدها ما يسمى «رخص الاستيراد» التي يجب النظر كيف تمنح ولمن تمنح، ومقابل ماذا؟


ويتألف اقتراح قانون المنافسة من 70 مادة، وإنشاء هيئة تتضمن مجلس المنافسة، وأجهزة تحقيق لدى الهيئة لمنع عدد من الممارسات، منها الهيمنة، والاحتكار وأي ممارسة مخلة بالاتفاقات الافقية والعمودية بين التجار والوكلاء ونقاط البيع سواء بالنسبة الى السلع أو الخدمات.


أما المعارضون لهذا القانون فهم مستوردون وتجار يتسلّحون بالدفاعات التالية:


إن قطاعي الدواء والمواد الغذائية هما، برأيهم، خارج تأثيرمسألة الوكالات الحصرية وبالتالي لا يمكن توجيه أصابع الإتهام اليهم بأنهم يحتكرون السوق ولا يحفّزون المنافسة.


فمن الناحية القانونية جاء في المرسوم رقم 2339 الصادر عام 1992 أن «التمثيل التجاري لا يسري على المواد التي لا تعتبر من الكماليات وهي، كما حدّدها، المواد الغذائية للاستهلاك البشري والحيواني بجميع اسمائها وأنواعها وأصنافها، ومواد التنظيف ومساحيق الغسيل».


الأغذية

وأكّد رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي لـ»نداء الوطن» أن «الوكالات ضرورية لحصر المسؤولية بالوكيل الحصري لأي منتج غير سليم يطرح في الأسواق». مشيراً الى أن «مقولة الإحتكار تستخدم عندما يستورد شخص واحد حصرياً سلعة معينة، وبالتالي فهي لا تنطبق على المواد الغذائية، اذ إن كل المنتوجات المتواجدة في المحال التجارية على الرفوف تقابلها أكثر من 10 ماركات من الصنف أو السلعة نفسها».



كريم جبارة





الادوية

أما في ما يتعلق بقطاع الأدوية، فالقانون يفترض أيضاً انه لا يحمي الوكيل الحصري للدواء منذ عقود، اذ لم يجز القانون حصرية استيراد ماركة واحدة لمستورد واحد. ويوضح رئيس نقابة مستوردي الأدوية كريم جبارة لـ»نداء الوطن» أنه «لا توجد حماية للوكالة الحصرية. أي مؤسسة صيدلانية بإمكانها أن تستورده من خلال آلية معينة في وزارة الصحة». اما عن حصرية التمثيل، فأوضح أنها «عقد بين شركتين خارج لبنان وفي الداخل»، معتبراً أن «المشكلة تنشأ عندما تحمي الدولة الوكيل الحصري وهي لا تحميه في لبنان بقطاع الدواء».

ويضيف: «عندما نتكلم عن احتكار في قطاع استيراد الدواء الذي ينضوي ضمنه نحو 40 شركة مسجلة في نقابة المستوردين و40 أخرى خارج النقابة، يعني أن تاجراً معيناً يستفيد من موقعه لرفع السعر وتحقيق أرباح، الأمر الذي لا ينطبق علينا على اعتبار أن وزارة الصحة هي التي تحدّد سعر الدواء وتنشره دورياً على موقعها الإلكتروني وليس المستورد، وبالتالي لا يمكن تجاوز هذا الأمر قانوناً».

سعر الدواء يتحدد بعد إجراء مقارنة مع 15 دولة في العالم (7 دول عربية و7 أوروبية و بلد المنشأ) محددة بدورها من قبل الهيئات الوطنية لها أو وزارات الصحة، ويعتمد السعر الأرخص ويضاف اليه هامش ربح المستورد والصيدلي».

ثم هناك أدوية الـ»جينيريك» للسواد الأعظم من الأدوية، وهو نقيض الإحتكار باعتباره نسخة عن الدواء الأصلي، «من هنا لا مجال للحديث عن الإحتكار»، يؤكّد جبارة، لافتاً الى ان «الوكالات ليست كلها حصرية للمستوردين، ولسنا متمسكين بأي بند يمنع مؤسسة صيدلانية باستيراد دواء لها وكيل حصري».

القطاعات المحتكرة


اذاً، نظرياً، كل ما يدخل في المنتجات الكمالية فقط يدرج ضمن التمثيل التجاري ومحمي قانوناً. ولكن مع استفحال الأزمة المالية في لبنان منذ عامين وتفشّي الإحتكارات في كل القطاعات من خلال «حبس» بضائع بهدف جني الأرباح بطريقة غير مشروعة، وخصوصاً عندما اعتمدت الدولة سياسة الدعم فعمّت الفوضى وأهدر مبلغ 9 مليارات دولار على دعم لم يستفد منه المحتاجون كما يجب، تمّ حجب المأكولات المدعومة والبنزين والمازوت والأدوية والمستلزمات الطبية عن الناس... من قبل تجار ومستوردين، فغرقت البلاد في موجة من الطوابير لفترة عام. أما الهدف من «تخبئة» البضائع فكان تهريبها أو إعادة بيعها وفق سعر صرف دولار السوق السوداء. ولم تنته الإحتكارات عند هذا الحدّ بل لا تزال معتمدة ولكن بتأنٍّ من أجل الإستفادة من أسعار صرف الدولار المتقلّب في السوق السوداء.


الحديث عن الإحتكار أيضاً وفق الخبراء الإقتصاديين مستشر أيضاً في القطاعات التابعة للدولة بامتياز، مثل مؤسسة كهرباء لبنان وطيران الشرق الأوسط التي تحتكر قطاع الطيران في لبنان وأيضاً في قطاع الإتصالات... وفي هذه الحالات تنعدم المنافسة.



أنطوان صفير


الالغاء بشرط

إعتبر المحامي «أنطوان صفير» في حديث الى «نداء الوطن» أنه «صحيح أن اقتصادنا حرّ وليبرالي، ولكن القانون اللبناني حدّد إطاراً للمنافسة كي لا تصبح غير مشروعة، أي الا نصل الى مرحلة نشهد احتكاراً لبعض هذه السلع وبالتالي زيادة الأسعار بشكل غير مشروع، مما يقضي على إمكانية المنافسة وخفض الأسعار على المستهلكين».

ولكن في الوقت عينه، أيدّ صفير «عملية الغاء الوكالات الحصرية ولكن بعد إمعان الدرس بها للحؤول دون إغراق السوق اللبناني بالمواد الأجنبية المستقدمة من شركات أخرى، ولكن في الوقت عينه يفتح باب المنافسة بشكل مشروع». وأكّد على عدم جوازية الإحتكار، باعتباره استناداً الى الأمم المتحدة يؤدي الى انعدام التوازن في الإقتصاد، لافتاً الى مسألتين مترابطتين لكنهما لا تشكّلان وحدة قانونية:

- منع الإحتكار هو في واقع القانون الحالي، إذ أوجب أن تكون المنافسة مشروعة، وما يتبعها من تراجع في اسعار السلع فيستفيد التاجر ولا يكون المستهلك ضحية.

- أما موضوع الوكالات الحصرية التي تستحوذها بعض الشركات أو المجموعات منذ سنوات طويلة، فهي تجعل السوق خارج المنافسة، الشركة اللبنانية المستوردة حصرياً لسلعة معينة تحصل على حقوق مكتسبة من الشركة الأم.

وحول كيفية الحدّ من الإحتكار، اعتبر صفير أنه لا يجوز منع ذلك الا من خلال تطوير الأطر القانونية اي تحديد الإحتكار بشكل دقيق ومفصّل وان تكون هنالك قدرة من الدولة لا سيما وزارة الإقتصاد من خلال الموارد البشرية لديها لكشف الإحتكار ومنعه وإنشاء محكمة خاصة للبت به. واعتبر أن ما يحصل في لبنان في مجال الإحتكار هو فضيحة الفضائح والضحية هو المواطن الذي تثقل كاهله الأعباء النقدية والإقتصادية وغيرها.


MISS 3