عادل أفيوني

مساهمات في حلول الأزمة

البنك الجيّد والبنك السيّئ: لإعادة هيكلة المصارف

7 شباط 2022

02 : 00

إعادة هيكلة القطاع المصرفي عملية شائكة وموجعة، ولا وجود لحل سحري لإنقاذ الودائع والقطاع نظراً لحجم الخسائر غير المسبوق.

لكن باب الحل العادل والفعال يبدأ بفصل نشاط المصارف التجاري عن محفظتها الاستثمارية، ومعالجة كل جزء على حدة لانهما مختلفان، ودمجهما في مصرف واحد كان الخطيئة الأكبر.

النشاط التجاري هو ما نسميه الجزء الجيد لانه النشاط التقليدي الممول للاقتصاد، وهذا دور حيوي لا نمو اقتصادياً من دونه.

أما المحفظة الاستثمارية فهو نشاط استثمار في مخاطر سيادية تعثرت كلها، ولم يكن مفروضاً ان تقوم به المصارف من اموال المودعين وهذا ما نسميه الجزء السيئ.

الخطة تقوم على فصل الجزء الجيد من المصرف وهو القابل للانقاذ، عن الجزء السيئ من المصرف وهو الأصعب إنقاذه. انها منهجية علمية لاعادة هيكلة المصارف وكنت قد اقترحتها منذ اكثر من عامين.

هذه المنهجية طبقتها مصارف عالمية كثيرة بعد الازمة المالية في 2008 والسنوات التي تلتها.

وهي برأيي لا تزال، وبالرغم من التأخير القاتل، الطريقة الأمثل والأكثر فعالية وعدالة لمعالجة الأزمة المصرفية، وإن لم تكن حلاً سحرياً او سهلاً.

هذه المنهجية التي نسميها خطّة «البنك الجيّد والبنك السيّئ» ركيزتها العودة إلى مبادئ العمل المصرفي الأساسية ومبادئ العدالة في تراتبية الخسائر وتوزيعها.

أصل المشكلة.. خلط غير حميد

إن الرخصة المصرفية هي امتياز فريد يعطي المصرف حق جلب او جذب ودائع من المواطن العادي ويستخدم المصرف هذه الودائع في تمويل الاقتصاد، شرط ان يلتزم بمعايير واضحة في الملاءة وتنوع المحفظة والسيولة.

للأسف، ضربت المصارف اللبنانية بعرض الحائط هذه المعايير وتجاهلت دورها الحيوي في تمويل الاقتصاد واستخدمت أكثر من 60% من ودائع الناس لتوظيفها في سندات الدولة السيادية وفي سندات وودائع لدى البنك المركزي، وهذا ما كبدها خسائر جسيمة حتى الافلاس.

إذاً تحولت المصارف عبر السنين من مؤسسة مصرفية تقدّم قروضاً تجارية متنوعة لتمويل الاقتصاد الى صندوق استثماري يوظّف معظم أصوله في ديون الدولة والبنك المركزي السيادية فقط لا غير.

تم هذا التحوّل تحت ضغط او تشجيع او اغراء او تغاض من السلطات الرقابية والمالية والسياسية، لان هذا التحول كان يخدم مصالحها وحاجاتها.

لذلك فان خطة «فصل البنك الجيد عن البنك السيئ» هي بالتحديد عملية اصلاحية تعيد القطاع الى اساس العمل المصرفي الاصيل ودوره الحيوي في تمويل الاقتصاد، لا الاستثمار في المخاطر السيادية.

كيف يتم الفصل بين «البنكين»؟

يتم فصل محفظة المصارف من القروض التجارية المتنوعة وهي ما نسميه البنك الجيد، عن محفظة المصارف الاستثمارية في ديون الدولة والبنك المركزي السيادية وهي ما نسميه البنك السيئ.

البنك الجيد محفظة قروض مصرفية تجارية متنوعة فيها كذلك اصول متعثرة من مؤسسات وافراد، لكن من الممكن اعادة هيكلة ميزانيته واعادة رسملته واعادة اطلاق نشاطه، واعادة الحياة الى القطاع وفروعه والموظفين فيه.

وهذا البنك الجيد سيشكل نواة القطاع المصرفي الجديد بادارات جديدة وتحت رقابة سلطة مصرفية شفافة وبحجم اصغر بكثير يتناسب مع حجم الاقتصاد.

وامّا البنك السيئ، اي محفظة المصارف السيادية لدى البنك المركزي والدولة فيتم فصلها ونقلها الى شركة خاصة. هذه الشركة تتحول ملكيتها من المصارف الى المودعين وتصبح دائناً مباشراً للدولة وللمركزي، وتشارك في مفاوضات اعادة هيكلة الديون السيادية مباشرة، ولها نفس المرتبة في المفاوضات والتصنيف مثل كل الدائنين الآخرين للدولة.

هذا بالنسبة للاصول وكيفية توزيعها بين البنك الجيد والبنك السيئ، ولكن ماذا عن توزيع الودائع بين البنك الجيد والبنك السيئ؟

كيف تتوزع الودائع؟

هناك عدة خيارات ممكنة لتوزيع الودائع ويمكن ان يعطى المودع الخيار قدر الامكان.

في ما يلي اقتراح من ضمن الخيارات الممكنة لكيفية التوزيع:

الودائع الصغيرة تبقى في البنك الجيد وتضاف اليها نسبة من الودائع الكبيرة قدر امكانية الاستيعاب.

هذه الودائع ستحميها عملية اعادة هيكلة الاصول واعادة الرسملة وتنوع محفظة القروض في البنك الجيد، على ان يتم اقرار قانون جديد لضمان الودائع لتحصين القطاع الجديد.

أما البنك السيئ فهو شركة خاصة يمتلكها كل المودعين مقابل الودائع التي لم يتسنَّ ابقاؤها في البنك الجيد وبعد استثناء الاموال المشبوهة والفوائد الباهظة الماضية.

تحصّل هذه الشركة ايراداتها من اعادة جدولة وهيكلة الديون السيادية وديون البنك المركزي التي تملّكتها من المصارف.

وتتفاوض مع الدولة مباشرة لتعويض ما امكن من خسائر مع اقتراح اضافي هو منحها سندات اضافية من الدولة لتخفيف الخسائرعليها، على ان تكون هذه السندات مشروطة بتحسن الوضع المالي والنمو الاقتصادي (contingent liabilities) حتى لا تزيد اعباء المالية العامة.

ماذا عن المساهمين والرساميل؟

يتم توزيع رأسمال المساهمين بنفس النسبة بين البنك الجيد والبنك السيئ.

رأسمال المساهمين في البنك الجيّد سيكون عليه ان يستوعب كل خسائر البنك الجيد أولاً، واذا ما تبقى اي رأسمال فبوسع المساهمين عندها ان يشاركوا في عملية اعادة رسملة البنك الجيد عبر جلب اموال من الخارج.

وأما رأسمالهم في البنك السيئ فيعطيهم الحق في الاستفادة من اي مردود في البنك السيئ، فقط بعد ان يتم تسديد اموال المودعين في البنك السيئ كاملة، وهذا مستبعد طبعاً. لكن هذه هي مبادئ التراتبية العادلة في توزيع الخسائر في اي نظام رأسمالي وعلى المساهمين تحمل مسؤوليتهم.

ما الجدوى؟ وماذا عن مصالح الاطراف المعنية؟

لماذا تعتبر هذه المنهجية في اعادة هيكلة المصارف هي الافضل والاعدل والأكثر فعالية لكل المكونات المعنية بالازمة؟

اولاً: المودع الصغير يبقى في المصرف الجيد بعد ان يتم ترشيد ميزانيته واعادة رسملته بعدما اصبح مصرفاً تجارياً تقليدياً متنوع الاصول. وبالتالي نؤمن على الودائع الصغيرة عبر اعادة رسملة سليمة وكافية. واذا لم يتسنَّ ذلك كاملاً يتم تعويض باقي حقوقهم من البنك السيئ.

ثانياً المودع الكبير: الجزء الأكبر من ودائعه سيكون في البنك السيئ اي انه سيمتلك محفظة من السندات السيادية عبر شركة خاصة. هذا لا يحل المشكلة لكنه يحسن من وضعيته في تراتبية تسديد الديون السيادية. إذ بدلاً من ان يقبض من المصارف ما تحصّله من تسديد ديون من الدولة، يصبح هذا المودع هو الدائن المباشر للدولة ويتجاوز المصرف كوسيط ليحصّل حقوقه مباشرة منها، وفي نفس مرتبة الدائنين الآخرين للدولة.

ويستفيد كذلك هذا المودع من اي استرجاع اموال من المساهمين او من الاموال التي تم تحويلها الى الخارج بطريقة غير شرعية.

ومن اقتراحاتي ان تتكفل الدولة بمنح المودعين اللبنانيين فقط تعويضات اضافية بشكل سندات مشروطة، وذلك للحد من الازمة الاجتماعية الكارثية التي سببها تبخر مدخرات فئة واسعة من اللبنانيين بسبب سوء الادارة والهدر والفساد.

ثالثاً: القطاع المصرفي: تؤمن هذه الخطة انقاذاً سريعاً للقطاع، وتسمح باعادة بنائه عبر فصل الجزء السيئ عنه الى شركة خاصة وعبر اعادة رسملة الجزء الجيد منه، والعودة به الى نشاط مصرفي تقليدي يمول الاقتصاد، وهذه اولوية وطنية ضرورية اذ لا نمو ولا حركة اقتصادية بدون مصارف.

رابعاً: المساهمون يتحملون خسائر البنك الجيد، وهذا امر طبيعي ويسمح لهم باعادة رسملة البنك الجيد اذا جلبوا اموالاً اضافية من الخارج. أما حصتهم في البنك السيئ فيحتفظون بها ولكن لا يحصلوا على اي مردود منها قبل ان يتم تسديد كامل أموال المودعين. وهذا كذلك امر طبيعي في التراتبية المتبعة في اي مؤسسة مالية تعثرت، فالمودع له اولوية مطلقة على المساهمين.

خامساً: الدولة والبنك المركزي: لا تغيير في وضعهما عدا ان الدائن الاكبر لهما يصبح البنك السيئ اي الشركة الخاصة التي يملكها المودعون، وهذا يشكل ضغطاً اضافياً من آلاف المواطنين على الدولة لاصلاح ماليتها وتسديد ما امكن من ديونها.

ما هي شروط إنجاح هذه العملية الشائكة؟


انها عملية شائكة وتتطلب تحديث الارقام ومسح الاصول في المصارف، والتدقيق بالخسائر بشكل شفاف لتحديد كيفية تطبيقها بدقة حتى لا يبقى الشيطان في تفاصيل الارقام.


من شروط نجاحها:

1 - قانون واضح وشفاف لاعادة هيكلة المصارف تشرف عليه هيئات رقابية جديدة موثوق بها،على ان تتولى ادارة جديدة كل مصرف جيد.

2 - الغاء رخصة اي مصرف لم تعد له محفظة قروض تجارية تذكر، اي إلغاء رخصة اي بنك لا بنك جيد لديه ودمج مودعيه في مصارف اخرى.

3 - تتكفل مؤسسة مستقلة متخصصة بادارة البنك السيئ والتفاوض مع الدولة لتعويض اكبر قدر ممكن من الودائع.

4 - إقصاء الاموال المشبوهة والفوائد الباهظة عن اي عملية اعادة هيكلة لتخفيف فاتورة الخسائر وحصرها باصحاب الودائع المحقة.

5 - تقوم الدولة باسترداد الاموال المنهوبة والتحويلات غير الشرعية وغيرها، وتستخدم هذه الاموال لتخفيف خسائر المودعين وتعويضهم في البنك الجيد ثم في البنك السيئ.

6 - تتحمل الدولة مسؤوليتها الجسيمة عن تبديد جزء كبير من اموال المودعين عندما استخدمت الاحتياط لتسديد حاجاتها بدون مقابل، وذلك عبر اصدار سندات خاصة للمودعين اللبنانيين من المدخرين فقط، لدعمهم وتعويض خسائرهم ولتأمين شبكة حماية اجتماعية لضحايا سوء الادارة المالية على مدى عقود.


MISS 3