رفيق خوري

"جمهورية الخوف" من الناخبين الغاضبين

12 شباط 2022

02 : 00

كان خروشوف يقول: "مشكلة الإنتخابات في الغرب أنك لا تعرف نتائجها سلفاً". لكن اللايقين أو خوف الفريق الحاكم من تحولات في الرأي العام ليس سبباً للهرب في الأنظمة الديمقراطية من إجراء الإنتخابات في مواعيدها الدستورية. لا في الأزمات الصعبة ولا في الحروب كما رأينا في أميركا وبريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية. حتى الأنظمة السلطوية، فإنها تصر على الإنتخابات في مواعيدها كما في إيران، وفي الحرب كما في سوريا، لأن أهل النظام على يقين وثقة بأن تكون النتائج محسوبة ومعروفة. لبنان يبدو الإستثناء من القاعدة، وإن كان نظامه حسب الدستور "ديمقراطياً برلمانياً"، وكان في الممارسة شبه سلطوي.

وليس صدفة أن تتكرر الدعوات يومياً في الداخل والخارج الى إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها الدستوري ربيع هذا العام. فلا حجة أو حيلة تخطر بالبال لم يتم إستخدامها لتبرير التأجيل. ولا إفتراض بالنسبة الى الوضع الأمني في الداخل أو التوترات الإقليمية والدولية في المنطقة والعالم جرى التخلي عن طرحه. والوقت حان للتوقف عن هذه الألعاب والأعذار السخيفة والضعيفة، والإصرار على أنه لا شيء يمنع إجراء الإنتخابات.

ذلك أن من الكوارث التي حلت بلبنان تحويله "جمهورية الخوف" من الناخبين الغاضبين على سياسات المسؤولين وسوء أدائهم. ولولا الإنتخابات لما خافوا، لأنهم في الواقع لا يعبأون بمعاناة اللبنانيين الذين دفعوهم الى "جهنم" وبقوا هم في القصور والمواقع. والمفارقة أن الخائفين من الإنتخابات يمارسون كل أنواع الغطرسة في مواجهة المراهنين على التغيير عبر صناديق الإقتراع، سواء بأصوات المقيمين في الأزمات أو بأصوات غير المقيمين الذين صوتوا بأقدامهم في الهرب من جهنم. وما يتكل عليه الخائفون، إن كان لا بد من الإنتخابات، هو إثارة العصبيات ورافعة "حزب الله". فالسيد حسن نصرالله أعلن بوضوح دعم حلفائه بكل السبل للحفاظ على ما لديهم ولكي يبقى هؤلاء "كثراً في البرلمان لحماية المقاومة". وحتى لو حدث "تغيير غير جوهري" كما قال، فإن أية أكثرية جديدة لا تستطيع الإنفراد بالسلطة والقرار. أليس السلاح أقوى من الأكثرية؟

المفارقة الأكبر هي أن التيارات والأحزاب الطائفية والمذهبية والدينية تدعو، وسط أخطر العصبيات في هذه الأيام، الى "دولة مدنية" أو "دولة المواطنة". قمة السوريالية من جانب الذين صعدوا وعاشوا على الطائفية وعصبياتها. فهم إما ليسوا طائفيين ومذهبيين بل يخدعون طوائفهم ومذاهبهم بالشعارات وإثارة العصبيات، وإما أن الدولة المدنية أو دولة المواطنة التي يريدونها ليست مدنية ولا دولة مواطنة بل سلطة هيمنة طائفة أو مذهب على الطوائف والمذاهب.

والأفظع هو أن هؤلاء ليسوا خائفين من الأزمة بل عليها وعلى مصالحهم من الإصلاحات المطلوبة. وهم طبعاً ليسوا من مدرسة البروفسور ميغ جاكوبس في جامعة برينستون القائل: "أكبر غلطة يرتكبها مسؤول في أزمة هي ألا يفعل الكثير جداً، بدل ما يتصور أنه يكفي". فما فعلوه ويفعلونه هو تعميق الأزمة والهرب من الحل. وليس غريباً أن يخافوا من الناخبين.


MISS 3