جاد حداد

Inventing Anna... التمثيل أفضل مزاياه

19 شباط 2022

02 : 00

قرأ معظم الناس المقالة التي نشرتها "مجلة نيويورك" حول آنا ديلفي في ربيع العام 2018. ثم تابع الرأي العام بذهول تام محاكمة آنا سوروكين، المرأة المحتالة نفسها التي غيّرت اسمها واخترقت أسوار النُخَب الاجتماعية في مدينة نيويورك. تكثر الأعمال الوثائقية التي تتطرق إلى هذا النوع من المخادعين اليوم، لذا من الإيجابي أن تظهر نسخ جديدة لتوثيق حياة سوروكين.

لكن تقتصر قيمة مسلسل Inventing Anna (آنا تحت المجهر) على شبكة "نتفلكس" على قوة ممثليه بكل بساطة! تقدّم الممثلة جوليا غارنر أداءً مثالياً على نحو مزعج بدور "آنا ديلفي". تجيد غارنر تقديم أدوار متنوعة ولا يمكن رصد أي نقاط تشابه بين مختلف شخصياتها. حتى أن إتقانها للكنة سوروكين الغريبة (تجمع بين الألمانية والروسية ولهجة الشخصيات الشريرة في سلسلة "جيمس بوند") قد يجعلها تترشح للجوائز مستقبلاً. يمكن مقارنة أداء غارنر في هذا العمل بالخوف المريع الذي ينتاب المشاهدين بعد مشاهدة المسلسل الوثائقي The Jinx (النحس) للمخرج أندرو جاريكي. كان هذا المسلسل يتمحور حول القاتل روبرت دورست الذي توفي الآن. لم تقتل سوروكين أحداً (بعد). لكن على غرار هذا القاتل الذي شعر بالفشل والعجز قبل بلوغ أعلى درجات الإجرام، يُفترض أن تنجو سوروكين بأفعالها أيضاً لأنها كانت أذكى من جميع المحيطين بها.

من الناحية الإيجابية أيضاً، تقدّم لافيرن كوكس أداءً لامعاً بدور المدرّبة الشخصية "كاسي ديوك" التي طالبت "سوروكين" بمبلغ 4500 دولار مقابل الحصص الرياضية التي شاركت فيها، ثم راحت تتجول في مراكش مع عميلتها الغريبة ومحررة الصور في مجلة "فانيتي فير"، "رايتشل ويليامز". تؤدي كايتي لوز دور "رايتشل" التي كتبت نسختها الخاصة من قصة آنا ديلفي، لكن لا يحظى دورها في هذا المسلسل بالمساحة التي يستحقها لأن العمل ينحاز لشخصية "آنا" ويعادي "رايتشل" بكل وضوح. لهذا السبب، ستكون "رايتشل" جزءاً من المتآمرين أيضاً لكنها أقل نجاحاً من "آنا" (أو ربما تكون أفضل منها، بحسب وجهة نظر كل شخص). على صعيد آخر، يؤدي الممثل أريان مؤيد دور "تود سبوديك"، محامي الدفاع عن "سوروكين"، ويضفي لمسة ودّية وجميلة على هذه الشخصية. كذلك، يقدم أنتوني إدواردز وكايت بورتون شخصيات لافتة لكنها لا تأخذ حقها في هذه القصة، ويلعب بن رابابورت دور "بيلي ماكفارلاند" الذي كان زميل سكن "آنا" لفترة قصيرة. هو يعرض عليها فكرة تنظيم مهرجان موسيقي، لكنها تسخر منه وترفض المشروع.



لكن تبقى ألكسيس فلويد الممثلة التي تسرق الأنظار في جميع مشاهدها. هي تقدّم شخصية "نيفاتاري ديفيس" بطريقة ساحرة بمعنى الكلمة. كانت "نيفاتاري" جزءاً أساسياً من أوساط "سوروكين" وصديقتها الوحيدة.

في المقابل، كان اختيار آنا شلامسكي لأداء دور "فيفيان"، الكاتبة في مجلة "مانهاتن"، خاطئاً على جميع المستويات. على غرار أدائها في مسلسل Veep (نائبة الرئيس) حيث لعبت دور "إيمي بروكهايمر"، تبدو إيماءات وجه شلامسكي مفرطة ولا شيء أسوأ منها إلا رداءة السيناريو. في المسلسل الجديد، لا يكف وجه الممثلة عن التحرك، فهي تعبس وترفع حاجبَيها وتشدّ على نفسها طوال الوقت. تكون "فيفيان" حاملاً، وهي تُعرّض حياة طفلها غير المولود للخطر بسبب تهورها حين تتابع قصة المرأة المخادعة، بما يشبه ما فعلته الكاتبة ميشيل ماكنامارا للعثور على القاتل المتسلسل الشهير جوزيف جيمس دي أنجيلو، فهي بدأت هذه الرحلة ولم تعد منها يوماً. تنزل ماء الرأس حين تكون "فيفيان" منشغلة بكتابة السطور الأخيرة من مقالتها، ثم تلد طفلتها بعد لحظات على إرسال المقالة.

على مر الأحداث، تتخذ صفات "فيفيان" منحىً أكثر سوءاً، فهي تخالف جميع المبادئ الأخلاقية التي يحملها الصحفيون وتجلب ملابس داخلية إلى "سوروكين" أثناء وجودها في السجن، وتدفع المال لشراء ملابس خاصة بالمحكمة، ثم تصدّق في نهاية المطاف أن أكاذيب "سوروكين" تنجم عن مزيج مأسوي ومبهم من الأمراض النفسية وسوء المعاملة في فترة الطفولة والأوهام الراسخة، ما يعني أنها تستحق التعاطف والشفقة.

يُفترض أن تُسرَد قصة أي شخصية غير معروفة تأتي من ريف ألمانيا وتخدع عدداً كبيراً من الأثرياء والمشاهير بأسلوب يستنكر مظاهر الثراء والامتيازات. لكن يحمل المحامي "سبوديك" وجهة نظر صائبة حين يقول إن موكلته "سوروكين" قامت بما يفعله الجميع لكسب الثروات وقد صدّقها الناس بكل بساطة. في النهاية، تُعتبر الرأسمالية مرضاً بحد ذاته وتبقى آنا ديلفي جزءاً بسيطاً من أعراضها.


MISS 3