The Tinder Swindler... قصةُ محتالٍ بارع

02 : 00

يصف عدد من المشاركين في الفيلم الوثائقي The Tinder Swindler (محتال تندر) على شبكة «نتفلكس» الأحداث الاستثنائية التي يسردها العمل وكأنها جزء من فيلم خيالي. تتكلم امرأة عن تقرّب رجلٍ منها عبر تطبيق المواعدة «تندر». هو يسمّي نفسه «سايمون ليفيف». بدأ أول موعد غرامي بينهما في فندق خمس نجوم ثم توسّع ليشمل رحلة عفوية على متن طائرة خاصة. وتشعر امرأة أخرى (يشمل الفيلم مجموعة من النساء) أنها جزء من «فيلم رعب». نظراً إلى عنوان هذا الفيلم، يسهل أن نستنتج أن «ليفيف»، الذي زعم أنه ابن تاجر ألماس ملياردير، ليس الرجل الثري واللبق الذي يدّعيه على شبكة الإنترنت، بل إنه محتال مُدان اسمه شيمون هايوت.

يعشق الجمهور قصص الاحتيال، بدءاً من التدوين الصوتي Sweet Bobby (بوبي اللطيف) وصولاً إلى قضية الوريثة المزيفة آنا ديلفي. يدخل الفيلم الوثائقي الجديد في هذه الخانة أيضاً، فهو سريع الإيقاع ومليء بالأحداث المشوقة، ويعرض المعلومات بدقة، ويتعاطف بشدة مع الضحايا.

سنشاهد في البداية «سيسيلي»، وهي امرأة معتادة على تجارب المواعدة المتلاحقة وتعتبر نفسها «خبيرة بعض الشيء بتطبيق تندر». سرعان ما تغوص في عالم «سايمون» الجارف. هو يرسل لها باقات مكلفة من الورود ويسافر لزيارتها في أوسلو ويطلب منها الانتقال للعيش معه. لكنه يرسل لها في إحدى الليالي صوراً وفيديوات يبدو فيها ملطخاً بالدم مع حارسه الشخصي، ثم تعرف أنه يواجه المشاكل وأن أعداءه يهددونه وبات يعجز فجأةً عن استعمال الأموال الطائلة التي يزعم أنه يملكها.

ثم تظهر امرأة سويدية اسمها «بيرنيلا»، لكنها تبدو واقعية أكثر من «سيسيلي». هي تخبر المخرجة عن مواعدتها له بجفاء، فتقول: «قلتُ لنفسي: يا إلهي! إنه شاب قيّم آخر»! تسألها المخرجة من وراء الكاميرا عما تعنيه بكلامها، فيتبيّن أن «بيرنيلا» لا تقع تحت سحر «سايمون»، ما يعني أنها لا تتعلق به عاطفياً على الأقل، بل تجمعهما صداقة. هي تمضي صيفاً جامحاً وتتنقل بين أجزاء فخمة من أوروبا معه ومع حبيبته في تلك الفترة (عارضة روسية). يتغير كل شيء حين تصل التهديدات من أعدائه ويعجز عن استعمال أمواله ثم تتكرر عملية الاحتيال نفسها.



تتعدد الجوانب المذهلة في هذه القصة البشعة ويوثّق الفيلم معظم تفاصيلها. هذا ما يحصل حين يعيش الناس حياتهم على شبكة الإنترنت. أجرت «سيسيلي» بحثاً عن «سايمون» على محرك «غوغل» لأن من يتواعدون عبر التطبيقات يفعلون ذلك دوماً بحسب قولها، فاكتشفت أنه شخصية عامة بالمواصفات التي أخبرها بها. كذلك، أكدت صفحته على «إنستغرام» على هويته. سنسمع رسائل صوتية من «سايمون»، وهي مأخوذة من أرشيف رسائل النساء، وسنشاهد فيديوات رومانسية أرسلها من طائرته الخاصة. في بعض الفيديوات، تتنقل «سيسيلي» في شقق فخمة أخبرها «سايمون» بأنه استأجرها كي يعيشا فيها معاً.

هذه التفاصيل تعطي الأحداث جانباً حميماً. حين تصبح القصة علنية أخيراً، بعد نشر تقرير مفصّل في صحيفة «فردنس غانغ» النروجية، تضطر النساء لمواجهة أحكام الغرباء على مواقع التواصل الاجتماعي، فيعتبرهنّ المستخدمون صائدات ثروات وأسوأ من ذلك. لو كانت القصة خيالية، لاعتُبِرت هذه الأحداث صعبة التصديق. مع كل تطوّر مذهل في الأحداث، لا مفر من أن نتساءل عما فعله ذلك الرجل المخادع لمنع انكشاف أمره. سرعان ما يغوص العمل في عمق الأضرار المادية والعاطفية المريعة التي تتحمّلها أولئك النساء. حتى أنه يكشف بدرجة معيّنة الأساليب التي تفسّر وقوع عدد كبير من النساء في الفخ. حين يُركّز الفيلم على الأجزاء المتبدّلة من خطط «سايمون»، تبدو فداحة التفاصيل المعروضة صادمة.

يتعمق الفيلم في جميع جوانب القصة، ويتمحور بشكلٍ أساسي حول علاقات الحب عبر الإنترنت، والمخادعين على الشبكة، وجاذبية المحتالين الذين يستعملون الكلمات المناسبة دوماً. تتخذ القصة منحىً مشوّقاً في مرحلة معينة، حين تبدأ الصحافة النروجية والإنتربول بالبحث عن «سايمون». أخيراً، تتحول الأحداث إلى قصة نضال وانتقام، فتبدأ ضحية أخرى بالسعي إلى استرجاع ولو جزءٍ من أموالها وكرامتها. يُلمِح الفيلم أيضاً إلى مسائل مرتبطة بمراقبة نشاطات الإنترنت في دول عدة، والجرائم التي تُعتبر «بسيطة» رغم العواقب الكارثية التي يواجهها الضحايا.

غالباً ما تكون نوعية الأفلام الوثائقية التي تقدّمها شبكة «نتفلكس» حول الجرائم الحقيقية مختلطة، فهي مشوّقة وطويلة أكثر من اللزوم وغير مُرضِية بشكل عام. لكن يتّسم هذا الفيلم بالقوة والذكاء ويجعلنا نرغب في مشاهدة المزيد. قد لا يجيب العمل على جميع الأسئلة العالقة وقد يفتقر إلى نهاية حاسمة ومثالية، لكن هكذا هو الواقع. الحياة لا تشبه الأفلام على ما يبدو بل تفوقها إثارة!


MISS 3