سامي نادر

في مهبّ المحاكم

4 آذار 2022

02 : 00

تتوالى الدعاوى على حاكم مصرف لبنان وعلى المصارف اللبنانية في الداخل كما في الخارج. ولهذا الأمر أثر كبير على العملة الوطنية وعلى الثقة بالإقتصاد وعلى صورة لبنان في الخارج. وكانت آخر هذه الدعاوى المثيرة للإهتمام تلك المقدمة أمام المحكمة العليا البريطانية والتي خلصت إلى حكم على مصرِفَين لبنانيين، صادر في 25 شباط 2022، يطلب منهما الإفراج عن أموال المودع المتقدّم بالدعوى.

وليست هي الدعوى الأولى، ولا الحكم الأول الذي يأتي لصالح حقوق المودعين في المصارف اللبنانية. الأمر نفسه ينطبق على حاكم مصرف لبنان. أكثر من دعوى وفي أكثر من بلد. صحيح أنه لم يصدر بعد أي حكم مبرم بحقه. ولكن يبقى السؤال ماذا لو صدر وحتّى لو لم يصدر فهل مسلسل الدعاوى هذا يخدم لبنان في هذه المرحلة بالذات ويسهّل عملية الإنقاذ المطلوبة؟

لا أحد يشكّ بوجود حملة شعواء على القطاع المصرفي وعلى مصرف لبنان أهدافها السياسية لا تغيب عن بال أحد، ولكن هذه الشكوك لن تغير شيئاً في الأحكام الصادرة من القضاءين اللبناني والأوروبي على حد سواء. ولن يغير فيها اعتماد سياسة النعامة التي تخبئ رأسها في الرمال ولا سياسة الببغاء التي تكرر مثل اللازمة أنها ليست هي من صرف المال العام، ويكفي أن تدفع الدولة مستحقاتها لكي تستتبّ الأمور.

المصارف ومصرف لبنان تحمل جزءها الكبير من المسؤولية. وبغض النظر عن صوابية سياسة تثبيت سعر الصرف، وتمويل عجز الدولة المنهشة بالفساد وكل سياسات الإقتصاد الريعي التي كانت عنوان فترة الحقبة السابقة، لا بد من التوقف عند الاستنسابية بإدارة السيولة والإحتياطي المتبقي منذ اندلاع الأزمة. 9,5 مليارات دولار خرجت من لبنان في فترة السنتين الأخيرتين وفق تقرير «موديز» الأخير. نعم خرجت بينما كانت أموال المودعين لا سيما الصغار منهم، محتجزة، وبينما كانت السلطة بشقيها النقدي والسياسي تتقاذف مشاريع الكابيتال كونترول.

القرارات الصادرة عن المحاكم اليوم بالرغم من صوابيتها، ليست الحل. لأنها لن تؤمّن حقوق جميع المودعين. ماذا عن القاطنين في لبنان، أو هؤلاء الذين لم يتوجّهوا إلى القضاء أو ليس بمقدورهم أن يفعلوا ذلك، وحتى لو فعلوا من أين تعوض لهم جميعاً الفجوة أو يعوّض مجموع خسائر قدرت بأكثر من 70 مليار دولار. إذا لم تحدد كيفية توزيعها، فالتعويض عن المودعين يبقى شعاراً فارغاً.

الحل الجدي يقضي بالإعتراف بالخسائر أولاً وبتحمّلها وبإقرار قانون كابيتال كونترول لا يهدف إلى إعفاء الفرقاء من مسؤوليتهم، إنما يؤمّن العدالة ما بين المودعين، ويرشّد استعمال السيولة في فترة الإنقاذ الإنتقالية، كما ويحتّم بالتوصل مع صندوق النقد وبإشرافه إلى حلّ يقضي بتوزيع الخسائر على الدولة والمصارف أولاً وليس على المودعين لا سيّما الصغار منهم. بالمحصّلة، هناك من صرف المال، وهناك من مدّها به من جيوب الناس ومدّخراتهم.


MISS 3