مايا الخوري

ليلى عواضة: لا قناعة مطلقة بقدرة المرأة على ممارسة السلطة

8 آذار 2022

02 : 00

نُظمت مؤتمرات وندوات وحملات توعية كثيرة عن ضرورة مشاركة المرأة في الحياة السياسية ومن خلالها في مراكز القرار، إنما لم يُحرز أي تقدّم فعلي في هذا الإطار. في يوم المرأة العالمي، وعلى مشارف إجراء الإنتخابات النيابية، لا يزال التمثيل النسوي في البرلمان اللبناني وفي الحكومات المتعاقبة خجولاً مقارنة مع الدول المحيطة. فنسأل المحامية ليلى عواضة الناشطة في منظمة "كفى عنف وإستغلال" عن واقع العلاقة بين الدولة والمرأة وإنعكاس ذلك على حضورها الفعلي في السلطة.

ننطلق من مجلس النواب لتقييم التمثيل النسائي السياسي في أي بلد، فإذا نظرنا إلى البرلمان اللبناني لمسنا تراجعاً لأن النساء اللواتي دخلن إليه، وفق الناشطة في جمعية "كفى عنف وإستغلال" المحامية ليلى عواضة، جئن نتيجة ظروف سياسية معيّنة، لا عن قناعة شخصية بقدرتهنّ على تمثيل شريحة كبيرة من الناس. والدليل على ذلك إنسحاب بعضهنّ من البرلمان عندما أصبح الإبن مؤهلاً للترشح إلى الإنتخابات. وكأنّ دورهنّ إقتصر على حفظ هذا المقعد للذكر في الأسرة. ما يشير إلى الذهنية الإجتماعية بأن الأولوية تبقى للرجل في التمثيل السياسي بغض النظر عن مؤهلاته وكفاءته. إذاً، لا قناعة مجتمعيّة مطلقة بأهلية المرأة على ممارسة السلطة، ولا قناعة شخصية لدى بعض النساء بإستعدادهنّ لممارسة السلطة، طالما توافر رجل قادر على ذلك.

وعمّا إذا كانت الحملات الإعلانية التي تدعو الرجل إلى ترك مقعد شاغر لها ملائمة لقيمتها المعنوية، طالما فرضت نفسها في الميادين كافة دون منّة من أحد، تقول: "ليست رسالة تلك الحملات مبدأ النقاش بحدّ ذاته، إنما قدرة المرأة على الوصول إلى البرلمان من دون تخصيص موقعٍ لها. نعيش في نظام إنتخابي طائفي، وفي ظلّ قانون إنتخابي طائفي، يتوّزع على مقاعد طائفية، مفصّلة على قياس أناس محددين ورجال محدّدين. لذلك، متى أرادت الوصول إلى الندوة البرلمانية، عليها أن تكون من بيئة محددة وطائفة محددة ومرشحة لمقعد نيابي محدّد"، مشيرةً إلى أن "إعتراف نظامنا القانوني بحقّها في السلطة وقيام قانون إنتخابي خارج القيد الطائفي، وعندما يصبح حق التمثيل متاحاً للجميع، عندها تسقط الحاجة إلى المطالبة بترك مقعد شاغرٍ لها".

من هنا وُلدت "الكوتا" التي هي فكرة دولية لا محلية. حيث تقول الإتفاقية الدولية "سيداو" بأن الكوتا هي فترة إنتقالية ترتكز على حفظ مقاعد للنساء بشكل تلقائي وموقت حتى يعتاد الناس على وجودهن في السلطة، تمهيداً لمعالجة المشكلة الأساس.

فتعزو عواضة المشكلة الأساس في عدم تقبّل المرأة في السلطة، إلى عدم قدرتها على إتخاذ القرارات في حياتها الخاصة، وإلى نظرة المجتمع إليها كفاقدة للسلطة على أولادها وعلى قرارها الشخصي، وإلى عدم رؤيتها كشريكة في السلطة من قبل الرجل.

وألم يكن تمثيل النساء في الحكومات السابقة محاولةً لتصحيح الخلل؟ تقول: "هي محاولة لتصحيح الخلل بالصورة والشكل فقط لا غير. فهل هي مستقلّة في القرار؟ وهل لديها برنامجها الخاص الذي تريد تطبيقه في الوزارة؟ وهل هي مستقلّة عن أي مرجعيّة؟ لقد جمّلوا الشكل إنما بالفعل، لم تكن تلك النساء سيّدات القرار".




الكوتا فترة إنتقالية ضروريةكما تتحدّث عواضة عن الخلل في العلاقة ما بين المرأة والدولة التي لا تراها كفردٍ مستقلٍّ يتمتّع بحيثية منعزلة عن الرجل، بل تابعة له في كل الأوقات، وهذا ملموس في الأحوال الشخصية. حيث لا خانة مستقلة لها في سجلاّت النفوس، بل هي مسجّلة على خانة الرجل، سواء كان أباً أو زوجاً.

وتشير إلى أن الدولة تعطي حقّاً ظاهرياً للمرأة من دون الإعتراف بإستقلالية كيانها عمّا يسمّى رجلاً في الأسرة، قائلةً: "عندما تُعامل كفرد له كامل الحقوق بمعزل عن تبعيّتها لأي ذكر في الأسرة، عندها يراها المجتمع كفرد مشارك في السلطة. وعندما نصحح وضعها في الأحوال الشخصية يتصحح وضعها تلقائياً في الحقوق كافة".

وتسأل عواضة "كيف يمكن للمرأة اللبنانية أن تثق بقدرتها على إتخاذ قرار على مستوى المشاركة السياسية، طالما تفرض قوانين بعض الطوائف طاعتها للرجل في البيت وإلا إعتبرت ناشزاً، فتخسر حقوقها وحضانتها لأولادها".

وعمّا إذا كنا بحاجة إلى تصحيح النفوس تمهيداً لتصحيح النصوص، تقول: "نحتاج إلى تصحيح كل قوانين الأحوال الشخصية، لأن تصحيح النصوص هي الأساس لتصحيح النفوس".

تلعب المرأة الدور الرعائي في العائلة إنما لا دور لها على صعيد إتخاذ القرارات المتعلقة بتعليم الأولاد أو مكان السكن مثلاً. وذلك لأن القانون يحدد مسؤولية الإنفاق على الرجل، فيما تتولى هي مسؤولية الطاعة. فهذا التوزيع السلطوي في العائلة الذي يحصر السلطة بيد الرجل وحده، يحول دون وجودها تلقائياً في مركز القرار".

وتعتبر منظمة "كفى" أن تحرير المرأة من التبعية في قلب الأسرة من خلال قانون موّحد للأحوال الشخصية، ونظرة الدولة إليها على أنها كيان مستقلّ لها سجلات خاصة بها، ومشاركة في السلطة على الأولاد، أي تحوّل السلطة الأبوية إلى سلطة والدية، يُشعر المرأة بأنها شريكة في السلطة، ما يعززّ إيمانها بقدراتها الخاصة، ويفرض على المجتمع النظر إليها بموقع السلطة والرجل كشريك لها. إذ لا يمكن إعتبار المرأة ناشزاً وخارجة عن الطاعة، بينما أدعوها إلى الجلوس في البرلمان.

لإنتخاب من يؤمن بقضايا النساء

وعن أهمية الإقتراع الصحيح في الإنتخابات المقبلة دعماً لتلك المطالب؟ تقول: "هل تتمتعّ النساء بخيار الإنتخاب من دون أن تُفرض عليهنّ لائحة معيّنة؟ لا ترى نفسها قادرة على إتخاذ القرار، كما لا يراها الرجل قادرة على إبداء رأيها السياسي الخاص. للأسف، يتوّجه المرشحون في الإنتخابات إلى رجل العائلة كمفتاح إنتخابي، من دون أن يحملوا قضايا تهمّ النساء وحقوقهنّ في برامجهم الإنتخابية. لذلك نطلب من المرشحين والمرشّحات ضمّ القانون الموّحد للأحوال الشخصية إلى برنامجهم الإنتخابي كونه يعترف بالمرأة كمواطن شريك ومساوٍ بالرجل، وإلغاء القوانين الطائفية".

وردّاً عن سؤال حول أهمية دعم المرشحين الذين يحملون قضايا النساء من قبل المجتمع المدني بغض النظر عن إنتمائهم السياسي والحزبي، تُجيب: "لا أدري ما إذا كانت النساء المرشحات من قبل الأحزاب التقليدية الذكورية الممثلة في السلطة، قادرة على حمل قضايا نسائية لا يؤمن حزبها بها. فهي في النهاية، ملتزمة ببرنامج حزبها لا برنامجها الخاص. ونسأل ما الذي قدّمته تلك الأحزاب التقليدية من أجل النساء والقوانين المتعلقة بها؟".

لذا تأمل عواضة في وصول التغييريين إلى ندوة البرلمان، وأي مرشح يحمل هذه المطالب لتشكيل كتلة نيابية كبيرة تسعى إلى إلغاء النظام الطائفي والعبور إلى دولة المواطنة، وفصل الدين عن الدولة. ولا يتحقق هذا العبور من خلال قوانين شخصية طائفية وتقسيم المواطنين إلى طوائف.

وتضيف: "الدولة العلمانية هي دولة فصل الدين عن الدولة أي ممارسة الدين والمعتقد في حياتنا الإجتماعية بكل حرية، إنما تكون مؤسسات الدولة مدنية بشكل كامل، أي تنظر إلى كل مواطن كمستقلٍ بغض النظر عن دينه".

وعن العقبات التي يجب أن تتخطاها المرأة اللبنانية أوّلاً؟ تجيب: "أدعوها إلى التحرّر من قوانين الأحوال الشخصية، فإن لم تستقلّ شخصياً لن تستطيع ممارسة الحياة العامة بشكل مستقل. ولن تكون قادرة على المشاركة في السلطة العامة إذا لم تكن قادرة على المشاركة في السلطة الخاصة. إذ كيف يمكن لشخص لا يتمتع بهذه الحيثية القانونية المستقلة أن يتكلّم بإستقلالية، سيبقى هناك سقف يحدّ تطلعاته"، مضيفةً: "كيف نطلب من المرأة أن تكون في موقع السلطة وتتخذ القرارات طالما لا تزال مصطلحات بيت الطاعة المستخدمة لدى كل المذاهب مفروضة عليها بغضّ النظر عن موقعها الإجتماعي".

وتختم: "تعتبر "كفى" أن تصحيح خلل عدم تمثيل النساء، يبدأ في قانون موّحد للأحوال الشخصية. إذا كنّا فعلاً متساوين في المواطنة يجب أن نتساوى منذ لحظة الولادة، في كيفية تسجيلنا في الدوائر وكيفية نظر الدولة إلينا كأفراد مستقلين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الجنس. يجب أن نبدأ بالإعتراف بالسلطة العلمانية لتبدأ مشاركة المرأة الفعلية في الأسرة فتقتنع بقدرتها على المشاركة الفعلية بالسلطة العامة".


MISS 3