رفيق خوري

عبثية الإنتظار والإنقاذ بعد الإنهيار

9 آذار 2022

02 : 00

ليس من الحكمة التسليم الدائم بالحكمة التقليدية القائلة: الإنتظار أفضل مستشار. لكن واحدة من مشاكل لبنان المزمنة هي إدارة اللعبة السياسية بإدمان الإنتظار قبل القيام بخطوات ضرورية في شؤون البلد والناس. إنتظار التطورات الإقليمية والدولية لبناء المواقف عليها في أمور ليست مرتبطة بها جوهرياً ولا هي قابلة للإنتظار. من أزمة الشرق الأوسط الى تبلور صورة العراق بعد الغزو الأميركي والنفوذ الإيراني. ومن حرب سوريا التي تقترب من دخول عامها الحادي عشر الى الصراع الإيراني-التركي-الإسرائيلي على المسرح العربي. من خروج أميركا من الإتفاق النووي مع إيران ثم التفاوض في فيينا على الإتفاق مجدداً، مع ما يعنيه ذلك من تأثير على موازين القوى الإقليمية والرهانات على موازين القوى المحلية الى جهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتنظيم العلاقات بين القوى السياسية وترتيب علاقات لبنان مع السعودية وتليين الموقف الإيراني. ومن التصرف كأن السياسة في لبنان صارت مجرد انتظار الخطب التي يلقيها السيد حسن نصر الله لمعرفة إتجاه الرياح الى الإنقسام حول حرب أوكرانيا وانتظار ما تقود إليه من نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وادعاء الربح مع الرابحين.

خلال كل هذه الإنتظارات وربط الخلافات الداخلية بالصراعات الخارجية، وصل لبنان الى الإنهيار. سلطة ضعيفة لزعامات توحي بأنها قوية في بقايا دولة تتحكم بها دويلة وتأخذها الى "محور الممانعة"بقيادة إيران. أزمات وطنية وسياسية ومالية واقتصادية وإجتماعية. ولا تشبّه حتى بما تراه من الأصدقاء والخصوم في الخارج لجهة إتخاذ المواقف من روسيا وأوكرانيا إنطلاقاً من رعاية كل دولة لمصالحها كما تفعل إيران والصين وإسرائيل وسواها. فمصالح لبنان واللبنانيين هي مع الأصدقاء في الغرب والأشقاء العرب ولا سيما دول الخليج من دون التقليل من العلاقة مع الصين وروسيا التي صارت جارة لبنان في سوريا لكن "محور الممانعة" يجرّنا الى العداء مع الأشقاء والأصدقاء لمصلحة طهران على حساب المصلحة اللبنانية.

ولا طرف في الخارج، سواء كان شقيقاً أو صديقاً، دولة أو منظمة دولية، يستطيع إخراج لبنان من المأزق إن لم نساعد نحن أنفسنا لكي يساعدونا. ثم ما الفائدة من إنتظار التطورات ومعرفة الطرف الرابح والطرف الخاسر إقليمياً ودولياً ورهانات القوى المحلية على ذلك، إذا اكتمل الإنهيار في لبنان؟ أي إنقاذ لنا إذا وصل متأخراً، بحيث ينطبق عليه المثل الروسي القائل: "فات الوقت على تمني الصحة الجيدة لشخص، وأنت تسير في جنازته"؟ ومن ينقذنا بالفعل إذا كان صندوق النقد الدولي الذي ينتقد كثيرون وصفاته ويرونها كارثية قد استهول خطة الحكومة للتعافي الإقتصادي لأن أساسها هو حماية ما سرقه لصوص المصارف والنافذون، وسرقة ما تبقى من أموال المودعين بـ"القانون" لسد خسائر المحظوظين؟

حال لبنان مع المسؤولين يصح فيها قول رئيس الوزراء العراقي سابقاً حيدر العبادي: أين تشتكي حبة القمح حين يكون القاضي دجاجة؟