خرائط دماغية تتوقّع مسار تطوّر الخرف!

04 : 40

هل تنتشر مظاهر الخرف بوتيرة تدريجية ومتساوية في جميع اتجاهات الدماغ، أم أنها "تقفز" من منطقة دماغية إلى أخرى؟ يجيب بحث جديد على هذا السؤال عبر تحليل مسار تطور الخرف الجبهي الصدغي. عند الإصابة بالخرف الجبهي الصدغي، ينكمش الفص الصدغي الأمامي والخلفي في الدماغ، أي يُصاب بالضمور. يؤدي هذا الوضع إلى نشوء فئتين من الأعراض: تغيرات سلوكية ومشاكل لغوية. وعلى عكس أشكال الخرف الأخرى، لا يؤثر الخرف الجبهي الصدغي على الوعي المكاني والذاكرة.

ما من علاجات لإبطاء مسار هذا النوع من الخرف راهناً. لا تعرف الأوساط الطبية معلومات كافية عن طريقة انتشار المرض واختلاف مساره بين المرضى.

لفهم هذه الحالة، بدأ ويليام سيلي، أستاذ في علم الأعصاب والأمراض في "مركز الذاكرة والشيخوخة" و"معهد ويل" في جامعة كاليفورنيا - سان فرانسيسكو، بتحليل أنماط تطور ضمور الدماغ لدى المصابين بالخرف الجبهي الصدغي. نُشِرت نتائج البحث في مجلة "الخلية العصبية".

اكتشاف "البؤرة المُصمَّمة للمريض"

ترتكز الدراسة الجديدة على بحث سابق أجراه سيلي وكشف أن أنماط ضمور الدماغ عند الإصابة بأشكال متنوعة من الخرف تتداخل بدرجة كبيرة مع "مسارات" معروفة في الدماغ.

تكون تلك المسارات عبارة عن شبكات دماغية أو مجموعات من المناطق التي تتواصل عن قرب عبر روابطها المتشابكة وتعمل بطريقة مشتركة. تتعاون هذه المناطق الدماغية، عن بُعد أحياناً، مع الشبكات الوظيفية لتفعيل ذلك التواصل عن بُعد، فتكون بمثابة "طرقات" لها.

تمحور البحث السابق حول مسار التدهور وكشف أن التنكس العصبي، أو الضمور، لا ينتشر بالتساوي مثل الأورام، بل إنه "يقفز" من منطقة دماغية إلى أخرى.

تضيف الدراسة الجديدة معطيات مختلفة إلى هذه الأدلة. حلل العلماء هذه المرة مدى قدرة خرائط الشبكة العصبية المشتقة من المسوحات الدماغية لدى مشاركين أصحاء معرفياً على توقع مسار تطور الضمور الدماغي لدى المصابين بالخرف الجبهي الصدغي طوال سنة.

لاكتشاف الجواب، طلب الباحثون من 42 شخصاً مصاباً بأحد النوعَين الفرعيّين للمرض الخضوع لمسح دماغي بتقنية التصوير بالرنين المغناطيسي في بداية الدراسة، ثم بعد مرور 12 شهراً استطاع الباحثون مراقبة مسار المرض بهذه الطريقة.

ثم استعملوا نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لدى 75 مشاركاً سليماً لتصميم خرائط نموذجية عن 175 منطقة دماغية مختلفة ومناطق أخرى تتواصل معها.

بعد تحديد الشبكات الدماغية بهذه الطريقة، رصدوا شبكة واحدة تتطابق بأعلى درجة مع نمط ضمور الدماغ المُسجّل لدى المصابين بالخرف الجبهي الصدغي.

رصد سيلي وزملاؤه مركز هذه الشبكة الدماغية المحددة وسمّوها "البؤرة المُصمَّمة للمريض" في مسار تنكس الدماغ.

استعمل العلماء خرائط الشبكات الدماغية النموذجية لتوقع مكان انتشار الضمور خلال أكثر من سنة، وقارنوا توقعاتهم بنتائج التصوير بالرنين المغناطيسي. قارنوا أيضاً دقة توقعاتهم بالتوقعات التي لم تأخذ الروابط بين الشبكات الوظيفية في الاعتبار.

رصد الباحثون قياسَين فاعلَين للروابط يضمنان تحسّن دقة توقعاتهم. يُسمّى أحدهما "أقصر مسار نحو البؤرة" ويقيس عدد الروابط المتشابكة بين البؤرة الأولية والمنطقة الدماغية التي ينتشر فيها الضرر. أما القياس الثاني، فهو "الخطر العُقَدي" الذي يقيس عدد المناطق المتضررة أصلاً والمرتبطة بمنطقة دماغية أساسية معينة.

يوضح جيسي براون، المشرف الأول على الدراسة: "الوضع مشابه لما يحصل مع الأمراض المُعدِية، ما يعني أننا نتوقع احتمال التقاط العدوى بحسب درجة بُعدنا عن أول مريض في محيطنا، وبحسب عدد المرضى ضمن شبكتنا الاجتماعية القريبة. نأمل في أن تساعد نتائجنا العلماء على تحديد موقع مرض آخر واستهدافه، تماماً مثلما يتّكل علماء الأوبئة على نماذج مرتبطة بطريقة انتشار الأمراض المُعدِية لتطوير مقاربات تستهدف معاقل أساسية أو نقاط اختناق مؤثرة. يجب أن يفهم علماء الأعصاب الآليات البيولوجية الكامنة وراء التنكس العصبي لتطوير وسائل تسمح بإبطاء انتشار المرض أو كبحه".

يضيف سيلي: "هذه النتائج مثيرة للاهتمام فعلاً لأنها تشكّل خطوة أولى نحو تطوير مقاربة طبية أكثر دقة لتوقع الآثار العلاجية وقياسها عند الإصابة بأمراض التنكس العصبي".

لكن يلفت العلماء إلى أن طريقتهم لا تزال غير جاهزة للاستعمال العيادي، ويتمنون أن تسهم نتائجهم مستقبلاً في تقييم العلاجات المحتملة التي أصبحت في مرحلة التجارب العيادية.


MISS 3