يستذكر الفيلم الدنماركي الدرامي الهادئ والمؤثر The Bombardment (القصف) حادثاً مأسوياً من زمن الحرب العالمية الثانية، وهو يتمحور حول اليوم الذي حضر فيه سلاح الجو الملكي لتدمير مقر "جيستابو" التابع للشرطة النازية السرية في كوبنهاغن واستهداف مدرسة مجاورة.
يلجأ الكاتب والمخرج أولي بورنيدال إلى صيغة الأفلام الكلاسيكية التي تتناول هذا النوع من الكوارث، ويروي مجموعة قصص حول أشخاص تتداخل حياتهم في ذلك اليوم المصيري خلال الأشهر الأخيرة من الحرب.
ينتمي "فريدريك" (أليكس هوغ أندرسون) إلى الطبقة العاملة وقد انضم إلى المعسكر الخاطئ، ولا يسمح له والده بنسيان هذه الهفوة. هو جزء من شرطة الدنمارك السرية التي تتعاون مع مقر "جيستابو" الذي يتولى أعمال الألمان القذرة في معظم الأوقات. هو رجل مرتبك لكنه واقعي بما يكفي كي يدرك أن معسكره خسر الحرب وأنه أصبح في عداد الأموات.
في المقابل، تشعر "تيريزا" (فاني بورنيدال) بغضب شديد، فهي راهبة ومعلّمة في المدرسة الكاثوليكية الفرنسية لكنها بدأت تشكك بإيمانها بعد كل ما شاهدته في هذه الحرب.
"إيفا" (إيلا جوزفين لاند نيلسون) وشقيقاها "هنري" (بيرترام بيسغارد إينيفولدسين) و"ريغمور" (إستير بيرش) طلاب في المدرسة، وقد شهدوا على حادثة دموية أخرى في بداية الفيلم، حين اجتاحت طائرة تابعة لسلاح الجو الملكي حفل زفاف أثناء توجههم لحضور العرس. لم يعد "هنري" يستطيع الكلام بسبب الصدمة التي عاشها، وتعجز شقيقته وصديقته "إيفا" عن جعله يتكلم مجدداً.
في غضون ذلك، ينشط مقاتلون في المقاومة الدنماركية رغم سوء النتائج التي تُحققها دول المحور خلال الحرب في أماكن أخرى. يدرك هؤلاء المقاتلون أن الطريقة الوحيدة لإنقاذ المجموعات التي لم تتعرض بعد للاعتقال والتعذيب تقضي بقصف مبنى نفطي في وسط المدينة حيث تستعمل الشرطة النازية والشرطة الدنماركية السرية السجناء كدروع بشرية ضد الغارات الجوية. يعرف عدد من هؤلاء السجناء المنتمين إلى المقاومة أن سلاح الجو الملكي وافق على تنفيذ القصف على مضض.
يصوّر بورنيدال الحياة المدنية العادية حيث تتناول العائلات الطعام وتتشاجر قبل دوام المدرسة، ويتعلم أبناء الضباط النازيين دروساً محورها معاداة السامية. منذ الفصل الأول من الفيلم، تتّضح نزعة بورنيدال إلى المبالغة في طرح القصص والحبكات الفرعية. يصعب إيجاد التوازن المناسب بين جميع الشخصيات أو تحديد مكانتها في القصة.
تتواصل الراهبة "تيريزا" أيضاً مع الخائن "فريدريك"، ويجد "هنري" الصغير صعوبة في التكلم مجدداً ولا يساعده الطبيب في تسريع تعافيه لأنه يضايقه طوال الوقت. في غضون ذلك، يشعر أعضاء سلاح الجو الملكي بالذنب لأنهم يعرفون أنهم أخفقوا في قصفهم السابق، ويزداد عدد المعتقلين وسط عناصر المقاومة، فيتعرضون للتعذيب أو الإعدام بلا محاكمة.
على صعيد آخر، يصطحبنا صوت "التكتكة" في الموسيقى التصويرية إلى غرف القيادة المكتظة في قاذفات القنابل المؤلفة من مقعدَين، وصولاً إلى المدرسة والمبنى النفطي الشهير، وتبلغ الأحداث في هذه المرحلة أعلى درجات التشويق.
يسهل أن ننجذب إلى أجواء الفيلم، فهو لا يتردد في تصوير مشاهد القتل المؤلمة خلال الحرب وتداعياتها المريعة على الناجين، بما يشبه ما نشاهده اليوم خلال الغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا.
يدرك كل من شاهد أفلاماً دنماركية أخرى تدور أحداثها خلال الحرب العالمية الثانية أن هذه الأعمال تتمسك بأفكار أساسية شبه ثابتة. لا مفر من تصوير المقاومة المحلية الشجاعة التي تتصدى للمعتدين الوحشيين والمفلسين أخلاقياً. تتعدد النسخ التي نشاهدها عن عمليات تهريب معظم اليهود المقيمين هناك إلى خارج البلد قبل أن يقبض الألمان عليهم. لكن يكشف لنا هذا الفيلم أيضاً أن جميع الدنماركيين ليسوا صالحين، وهو يذكّرنا بأن الدنماركيين "الحياديين" تعرضوا للاحتلال من دون إطلاق طلقة واحدة. يحمل الفيلم عموماً طابعاً واقعياً كونه يذكّرنا بالأحداث الراهنة على نحو صادم. لا تزال الحوادث الجوية الهجومية تخترق حفلات الأعراس والمدارس حتى اليوم، ويتابع الأشرار استعمال "الدروع البشرية" وتحضير القوائم بأسماء من يقاومون الاستبداد لاستهدافهم.
تبدو مشاهد الطيران المختلطة مع المطر والضباب مقنعة جداً، وتحمل الانفجارات بالقنابل الموقوتة طابعاً واقعياً وقاتماً بدل أن تكون مجرّد مشاهد استعراضية.
أخيراً، لا مفر من الشعور بالضيق عند رؤية وجوه المنقذين والضحايا ودموع الأهالي المتأثرين حتى لو أصبحنا معتادين اليوم على أهوال الحروب وحصيلة الضحايا التي تتركها وراءها.