نجم الهاشم

السنيورة عندما يتم تخوينه وعندما يواجه

16 آذار 2022

02 : 00

لا للإستسلام نعم للمواجهة

يعرف الرئيس فؤاد السنيورة الرئيس رفيق الحريري أكثر من أقرب المقربين إليه. والرئيس رفيق الحريري كان يعرفه أكثر من أقرب المقربين إليه. كان الرجلان كأنهما واحد في السرّاء والضرّاء ولذلك حمل السنيورة الحمل الكبير الذي كان يحمله الرئيس الحريري الأب الذي لم يكن يتوانى عن تحميله بما أراد من أحمال ذلك أنه كان يعرف طينة الرجل وقوة احتماله وشخصيته. ولذلك بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري كان على السنيورة أن يتبوأ المهمة الصعبة للمطالبة بالحقيقة والعدالة وليس بالإرث.

من عالم المصارف والأعمال انتقل الرئيس فؤاد السنيورة برفقة الرئيس رفيق الحريري إلى عالم السياسة والحكم. كان رفيقاً ولم يكن أبداً موظفاً ذلك أنه كان مثله يؤمن بالمبادئ التي يؤمن بها ويقاتل معه من أجلها منذ ما قبل أن يصبح الرئيس رفيق الحريري ثرياً كبيراً ورجل أعمال وصاحب مهمات على مستوى لبنان والعالم العربي والعالم. ولذلك عندما انتقل إلى السلطة رئيسا للحكومة في العام 1992 كان فؤاد السنيورة رفيقه. ومن هذا المنطلق تم تحميل السنيورة وزر ما كان يتهم به الرئيس الحريري. تخوين الحريري طوال مسيرته في الحكم كان أيضاً تخويناً للسنيورة كأنهما كانا اثنين في واحد. ومن المستغرب أن تنتقل عملية تخوين السنيورة إلى من يعتبرون أنفسهم ورثة الرئيس رفيق الحريري العائلية والسياسية بعدما ناؤوا بهذا الحمل، وربما أرادوا أن يتحرّروا منه ويحرِّروا أنفسهم من عبء أمانة السنيورة للخط الذي مثله الرئيس رفيق الحريري ودفع حياته ثمناً له اغتيالاً في 14 شباط 2005 مع تحديد هوية الذين قتلوه ونفذوا القرار والذين ثبّتت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التهمة عليهم وحدّدت انتماءهم إلى «حزب الله».


رفيق الأيام الصعبة ورجل المواجهة

منذ العام 1992 بقي الرئيس السنيورة إلى جانب الرئيس رفيق الحريري وبقي الحريري يعتبر أن السنيورة أفضل من يقوم بمهمة الحفاظ على خطه في الحكم. حتى أن الحملات على الرئيس رفيق الحريري كان يتم تخطيها أحياناً بالقبول بإبعاد السنيورة عن الحكومة وعن وزارة المالية تحديداً طالما أنه كان يمثل القوة المتشددة، وكان معارضو الرئيس رفيق الحريري يعتبرون أن إضعاف حضوره يبدأ بإبعاد السنيورة من فريق عمله.

عندما اغتيل الرئيس رفيق الحريري لم يكن هناك أفضل من السنيورة لاستكمال عملية المواجهة واسترداد حق الرئيس الشهيد. كانت عائلة الرئيس ضائعة في الأسى والحزن بينما كانت هناك قوى عديدة تشد العضد من أجل ألّا تموت قضيته وألا تقفل أبواب قصر قريطم وحتى لا تُسجَّل القضية ضد مجهول ويُقفَل التحقيق ويذهب كل الناس إلى أعمالهم وكأن الحريري قضى انتحاراً لا اغتيالاً، ومات ميتة طبيعة لا انتقاماً وحرقاً وتشفّياً.

عندما ترأس الرئيس السنيورة حكومة ما بعد انتخابات 2005 كان يعرف أن المواجهة التي يخوضها صعبة وقاسية وخطيرة ومع ذلك أقدم ولم يخف. لو لم يكن مؤمناً بما كان يفعله الرئيس الشهيد ويعتبر نفسه أميناً على تلك الرسالة لكان اختار أن يعود منذ ذلك التاريخ إلى وظيفة في أحد المصارف. بعد 17 عاماً جاء من يتهمه بأنه مجرد موظف في المصارف.


الرجل الذي لم يخف

كان فؤاد السنيورة أشد حرصاً على قضية رفيق الحريري بعد اغتياله. كان يعتبر أن المهمة الجديدة أصعب مما كانت عليه قبل ذلك الإغتيال. قبل 14 شباط كان الحريري الأب يحمل العبء الكبير وكان المحيطون به يشدّون معه. تبدّلت الأمور والمقاييس وتبدّل الأشخاص أيضاً. وكان السنيورة يدرك أنه في مهمة انتحارية ومع ذلك لم يهب المرحلة. لم يخف السنيورة من الذهاب إلى مجلس الأمن طلباً للجنة تحقيق دولية باغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولم يخف من المطالبة بمحكمة دولية من أجل رفيق الحريري. كانت الإغتيالات التي تطال قيادات ثورة الأرز تتوالى وكانت التحقيقات تذهب في اتجاه تأكيد ضلوع «حزب الله» بعملية الإغتيال وكان السنيورة على رأس حكومته الأولى ماضياً في الخيارات التي لا مجال للتراجع فيها. حصلت حرب تموز 2006 واتُّهِم بالخيانة وبالتآمر على «حزب الله» ولم يتراجع. حوصرت السراي فأقام فيها ولم يخف. سبعة عشر شهراً بقي تحت الحصار ولم يحنِ رأسه ولا استسلم. استقال الوزراء الشيعة من الحكومة مع وزير الرئيس أميل لحود وبقي السنيورة صامداً في السراي. تحولت السراي إلى رمز للصمود. هناك أم مفتي الجمهورية المصلين. وإلى هناك نزل سمير جعجع وغيره متضامنين وداعمين. كان السنيورة عنيداً شرساً من أجل الحق والحقيقة ولم يكن يبحث عن وظيفة حتى لو كانت رئاسة الحكومة. فتلك الرئاسة لم تكن وظيفة بل وعداً التزم به الرئيس السنيورة.

صمود السنيورة والجو الداعم له المؤيد للمحكمة الدولية ولثورة 14 آذار أديا إلى تنفيذ «حزب الله» عملية 7 أيار في العام 2008. لم يكن من الممكن قبع السنيورة إلا بهذه الطريقة. ألقي الحرم عليه. بات على لائحة أهداف «حزب الله». ولذلك كان من الأفضل للحزب بعد انتخابات العام 2009 أن يأتي سعد الحريري رئيساً للحكومة وأن يتم وضع السنيورة في الحجر السياسي.

إبعاده عن الواجهة وبقاؤه في المواجهة

تقدم الرئيس سعد الحريري إلى الواجهة ولكنه بدأ يتراجع في المواجهة. شكّل حكومته الأولى التي حصل فيها «حزب الله» وحلفاؤه على الثلث المعطل الذي استعملوه لإسقاطه وحكومته في كانون الثاني 2011. تحرك الشارع في بيروت وطرابلس رفضاً للإقالة ولكن بعد وقت قصير كان الحريري يغادر إلى المملكة العربية السعودية غائباً عن الساحة اللبنانية لمدة خمسة أعوام.

منذ ذلك التاريخ بدأ ابتعاد السنيورة عن خيارات الرئيس سعد الحريري. ربما كان الرئيس الإبن يعتبر أن السنيورة يشكل منافساً له داخل اللعبة السياسية وداخل الدائرة الضيقة ويمثل بالنسبة إليه، على ضوء التزاماته المعنوية وحضوره، عبئاً لا يمكن أن يتحمّل بقاءه إلى جانبه، وحضوراً من الأفضل له أن يتحرّر منه.

لم يكن السنيورة وحده ضحية هذه المرحلة. كثيرون خرجوا أو أُخرِجوا من الدائرة، بينما كانت هناك دائرة ثانية تولد أقل مساحة في السياسة وفي الإلتزام. فربما كان الرئيس سعد الحريري يريد أن يتحرر أيضاً من أعباء قضية اغتيال والده وما ترتبه عليه من مواقف يمكن أن تؤثر سلباً على خياراته وعلاقاته السياسية الجديدة من أجل أن يعود إلى السراي.

بدا في هذه المرحلة وكأن الإفتراق وقع بين الرئيس سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة الذي ذهب إلى رعاية تجمّع سياسي من المبتعدين مثله من دون إعلان هذا الإفتراق ومن دون إعلان ذلك الإختلاف في الخيارات. التسوية الرئاسية التي دخل فيها الرئيس سعد الحريري كانت كفيلة بالقضاء على ما تبقى من ودّ. ثمة خيارات لم يكن يعترض عليها الرئيس السنيورة وحده بل دائرة أوسع من القيادات التي وجدت أن الرئيس سعد الحريري بات أسير تلك التسوية بإرادته.

ما بعد اعتزال الحريري

إعلان الرئيس سعد الحريري اعتزال العمل السياسي والخروج من المواجهة الإنتخابية كان بالنسبة إلى الرئيس السنيورة وغيره بمثابة إعلان استسلام لـ»حزب الله» والتيار الوطني الحر وليس مجرد ابتعاد موقت تكتيكي. وبالتالي لم يكن أمام الرئيس السنيورة إلا أن يرفض هذا القرار في اليوم التالي لاعتزال سعد الحريري عندما أعلن أنه لا يمكن الهروب من المواجهة، ثم كرر أن المطلوب ان تكون هذه المواجهة بالشراكة مع القوى التي لا تزال تؤمن باسترداد الدولة وبسيادتها وبالوقوف في وجه سيطرة المحور الإيراني على لبنان. تلك كانت الخطيئة التي ارتكبها السنيورة من أجل أن تبدأ حملة تخوينه حتى قبل أن يذهب في اتجاه الإنخراط في المعركة الإنتخابية من دون أن يترشح شخصياً. بعض الكتبة والمعلقين تولوا هذه المهمة بالنيابة وبالأصالة عن أنفسهم. لم يتم احترام تاريخ الرجل ولا تاريخ غيره ممن كانوا عصب ثورة الأرز والمطالبة بألا تموت قضية الرئيس رفيق الحريري. صار الرئيس فؤاد السنيورة مثلاً مجرد رجل مصارف أتى به الرئيس رفيق الحريري ليشغِّله عنده وبعدما لم يعد له عمل في السياسة بات عليه أن يعود للعمل في أحد المصارف. وصار الرئيس فؤاد السنيورة دخيلاً على بيروت رفيق الحريري مثلاً، وهارباً من مواجهة الإستحقاق النيابي في مدينته صيدا، وأنه لا يمكنه أن يحقق إي إنجاز وأنه يخون سعد الحريري.

كأن الرئيس فؤاد السنيورة بعد تصدّيه للإستسلام السياسي يحن إلى جو المقاومة في السراي الحكومي بين العام 2006 والعام 2008. ثمة مواجهة يجب أن تخاض. وهو يعتبر أنها عمل واجب لا عمل راغب. ولكن المفارقة أنه يجد نفسه اليوم يقاتل داخل الدار وأن الحصار يفرض عليه من داخل الأسوار. ومع ذلك تستحق المواجهة أن تخاض. وربما كان هو نفسه من هواة المواقف الصعبة والمواجهات الصعبة.


MISS 3