سامي نادر

الغاز... بين النعمة والنقمة والحسرة

18 آذار 2022

02 : 00

تضيع الفرص الواحدة تلو الأخرى، والبلد الصغير المغلوب على أمره، ينظر بمزيج من اليأس والمرارة إلى تردّي أوضاعه، بعدما انقلبت عليه الدنيا وتلاشت أمامه مقومات الحياة الكريمة. وما يزيد الأمور مرارة أن الطريق للخروج من الأزمة واضح، ومقوّمات الحل متوفرة، ولكن ما يحول دونهما هو طبقة سياسية، متربعة على عرشها، لم تقدر عليها لا ثورة شعب بكامله، ولا كارثة انفجار المرفأ، ولا عقوبات المجتمع الدولي.

وآخر الفرص الذهبية الضائعة تتعلق بملف الغاز المجمد. وهي كانت لتساهم في انتشالنا من عمق الأزمة المالية، لو كان متاحاً لدى الفريق الحاكم حد أدنى من المسؤولية، والقراءة المتأنية للتحولات الدولية. سعر الغاز والنفط ارتفع إلى مستويات قياسية لم تكن متوقعة في العقد الماضي، أقلّه حتى العام 2019. وكلّ المؤشرات تفيد بأننا أمام ارتفاع مستدام لأسعار النفط والغاز لأسباب هيكلية مرتبطة بالنظام الدولي الجديد. وإن كان هذا الإرتفاع بمثابة "نقمة" للدول المستوردة للنفط، لما يحمل من آثار تضخمية، تشكل ضغطاً هائلاً على صناعاتها وعلى قدرات مواطنيها الشرائية وتقديماتها الإجتماعية، إلا أنها تشكّل "نعمة" للدول المصدرة للنفط أو التي لديها مخزون نفطي أو غازي، لما يساهم في ارتفاع عائداتها ومواردها وبالتالي يعزز قدراتها على الإستثمار في الإنتاج أو في شبكات أمانها الإجتماعي.

أما لبنان العالق في الصراع القائم في الإقليم، وعالقة معه بفعل ذلك، موارده الغازية في قعر البحار، فلا يمكن تصنيفه في أي من الخانتين، لا في خانة "النقمة" ولا في خانة "النعمة"، إنما في خانة خاصة به وهي "الحسرة". فهو نظرياً مالك ثروات ترتفع قيمتها عالمياً، ولكنه غير قادر على صرفها أو الإستفادة منها. فما بقي أمامه سوى التحسر على وضعه - حاله حال المودعين في المصارف اللبنانية، يملكون أرصدة في الحسابات لكنها غير قابلة للصرف - وذلك نتيجة عدة عوامل أهمّها انكشاف ساحته على الصراع في الإقليم، وثانيها نظام المحاصصة القائم، المسهّل الأول للفساد والهدر. ويتجلّى عجز هذا النظام، عبر فشل طبقته الحاكمة حتى الساعة، ورغم كل الوعود والمواقف الرنانة، في التوافق على إدارة هذا الملف والتوصل إلى اتفاق سريع بشأن ترسيم ملف حدوده البحرية، اتفاق يأخذ في الإعتبار المصالح الوطنية حصراً والفرصة التاريخية المتاحة إقتصادياً ودولياً.

فأسعار النفط لن تبقى محلّقة إلى ما لا نهاية. صحيح أن ارتفاعها اليوم يأتي نتيجة احتدام الحرب الأوكرانية الروسية. ولكن صحيح أيضاً أن الإقتصاد العالمي إتّخذ قراراً استراتيجياً منذ أكثر من عقد بالتحول إلى مصادر الطاقة البديلة، وهذا بحدّ ذاته سبب جوهريّ لعودة أسعار مواد الطاقة الأحفورية (غاز ونفط) إلى مستويات متدنية على المدى المتوسط خاصة بعد انحسار نيران الحرب في أوروبا. حينها ستعود إلى الواجهة آفة التغيير المناخي، و تطغى على الأسواق والأسعار كل السياسات والإلتزامات والإستثمارات التي أقرّت في المؤتمرات الدولية وكان آخرها مؤتمر غلاسكو (نوفمبر 2021). بكلام آخر الفرصة لن تدوم طويلاً أمام الدول المقتنية للغاز. وبالنسبة إلى البلد الصغير، الجدوى الإقتصادية لاستخراج الغاز وبيعه، متوفرة اليوم، ولكن ليس لآجال طويلة.

لبنان دولة الفرص الضائعة حقاً. وما يزيد على الحسرة حسرات، أن إسرائيل الدولة التي هو في نزاع معها، تقتنص اللحظة تاريخياً واقتصادياً. لا تقدم نفسها كوسيط سلام ما بين روسيا وأوكرانيا فحسب، إنما تعرض غازها أيضاً لأوروبا كمصدر بديل عن الغاز الروسي...في هذا الوقت لبنان الرسمي مشتبك مع نفسه وما بين أركانه، متقلب في "حياده"، ضائع ما بين "خطوطه" البحرية.