هالة نهرا

نشاطات الكتابة الإبداعية في الجامعية الأميركية في بيروت

19 آذار 2022

02 : 00

يثقل المناهج التقليدية في عددٍ من المعاهد والجامعات لدينا، التلقين والافتتان بالحشو والترديد الببغائي أحياناً، حتى في ميادين تستلزم الاجتهاد والتأويل، وإيقاظ العقل النقديّ، وتحفيز التفكير الخلاّق بغية إنتاج الجديد المستنهِض المطوِّر. في فلك الفنون والآداب وصولاً إلى العلوم، ينبغي الحثّ على توسيع المخيّلة الإبداعية بموازاة التضلّع، الحفر، الإتقان وامتشاق الأفق. قال آينشتاين إنّ "الخيال أهمّ من المعرفة فالمعرفة محدودة بما نعرفه حتى الآن وبما نفهمه، فيما الخيال يحوي العالم وكل ما ستتم معرفته وما سيتم فهمه إلى الأبد". على نول منطلقاتٍ متقاطعة مدرِكة لا تؤطّرها محدوديةٌ تُفَيّءُ المعرفة الفوقية المُتَعَنتِرة، تنسج "الجامعة الأميركية في بيروت" أفضيةً للكتابة الإبداعية، تُوائم بين الإبداعيّ الحرّ في ملعبه العملي الواقعي والأكاديميّ المتلفّت إلى التاريخ وتجارب الحاضر.

الشاعر والأستاذ الجامعي محمد ناصر الدين الذي اختير ضمن برنامج الكتابة الإبداعية في الجامعة الأميركية ضمن تعاون مع قسم الفنون والعلوم الإنسانية، أطلعنا حصرياً على البرنامج والنشاطات من 21 حتى 31 آذار 2022. يُستضاف الكاتب ليعرض تجربته أمام الآخرين ويشاركهم إياها. يتفرّع من ذلك: "كيف يقرأ الشباب، لا سيما الطلاب، وتجربة الكاتب والنصائح التي يمكن أن يعطيها لبعضهم- لا توجد نصائح جاهزة أو معلّبة - وكيفية الانتقال من الاستعداد للكتابة وحالة التهيّؤ الشعري، إلى المهنة أو الحرفة. هكذا تتبدّى أهمية البرنامج على نحوٍ ملموس نافع. إنّ التجربة هذه ستُناقَش مع التطلّع إليها بعين نقدية ومع تلاقح الثقافات، لا سيما أنّ هناك مشرفين على أقسام عدّة في الجامعة كالفلسفة والعلوم الإنسانية من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، ومن بلدانٍ متنوّعة. هذا التلاقح بين الثقافات ضروريٌّ ويثري النقاش وتجربة الكاتب".

يؤكّد محمد ناصر الدين أنّ هذا النوع من الأنشطة هو نقيض الأسلوب التلقيني حيث يقف الكاتب أو الأستاذ الجامعي على جبلٍ ويلقي المواعظ! غالبيتها حلقات أنشطة على طاولةٍ مستديرة، وهو الأسلوب المتّبع اليوم في الجامعات المبدعة في العالم، ما يتضمّن مشاركة الرأي والعمل كفريق... وأردف قائلاً: "في قسم الفنون والعلوم الإنسانية سنتعلّم بدورنا من الجيل الشاب، أنا ذاهبٌ بهاتين الروحية والعقلية. الحياة لا تنتهي وكما يقول الإسباني أنطونيو ماتشادو: "المشي يصنع الطريق. لا يوجد طريق جاهز وقد انتهى"، خصوصاً في مجالَي الكتابة والشعر". أفادنا محمد بأنّ الجامعة تُخصّص في فصول معيّنة منحة إقامة لكاتب. إنها فرصة للكاتب للتلاقي مع الطلاب والأساتذة وإقامة ورش عمل، وقد استُضيف هو هذا العام.

مع إدارة الجامعة تم الاتفاق على سبعة أنشطة إبداعية ولقاء ثامن أخير مع الكادر التعليمي. النشاط الأول هو "الروائيون اللبنانيون الضائعون" مثل فؤاد كنعان ويوسف حبشي الأشقر. فجأةً اختفت هذه الأسماء بعد فترة! الندوة التي سيديرها محمد سيشترك فيها الروائي حسن داوود، والدكتور الجامعي جورج دورليان، والصحافي حازم صاغية (28 آذار، West Hall). "ذكرتُ اسمين، وثمّة أسماء أخرى أيضاً اختفت تماماً عن الخريطة الروائية اليوم"، يقول ناصر الدين كاشفاً المزيد: "أمّا النشاط الثاني، فهو المشاركة في صفّين، الأول مع مترجمتي الدكتورة هدى فخر الدين من "جامعة بنسيلفانيا"، علماً بأنها ترجمت قصائدي من العربية إلى الإنكليزية. الصف مقدّمة في الترجمة وستشرح تجربتها والخصوصية في ترجمة الشعر ومصاعب الترجمة. الجمهور سيكون متنوعاً (بالإنكليزية والعربية). ثمّة صف آخر للكتابة الإبداعية في اليوم الأول. سأفتتح ورشة مع الطلاب لأعرض كيف كتبتُ الشعر وكيف وضعتُ أولى خطواتي على طريق الشعر مع مَواطن أو ربّات الإلهام للشاعر. أتيتُ من طفولتي، من قريتي، من السماء الجنوبية المفتوحة على الريح، والرعب، والحرية، والحرب. إضافةً إلى ذلك، هناك زيارتان لتعريف الطلاب بإنتاج الثقافة والانتقال بالثقافة من الهواية إلى الاحتراف - لـ"دار (نشر) الرافدين" وكيف تهتم بالكتاب، ولـ"الـمورد الثقافي". "المورد" مؤسسة إقليمية غير ربحية تهتم بإدارة الثقافة. الزيارة لتعريف الطلاب بالمشاريع التي يركّز عليها "المورد" ومعرفة ما هي المنح التي تخصَّص للثقافة والإبداع". في المقابل، هناك أمسية شعرية يشارك فيها محمد والشاعرة المصرية رنا التونسي (وهي شاعرة في الجامعة الأميركية في مصر، في القاهرة): "سأقرأ قصائد رنا، ورنا ستقرأ قصائدي، والطلاب سيشاركون في النشاط (31 آذار، Auditorium B West Hall). الثقافة التي تنغلق تموت، حتى الحضارة العربية في أوجها حين تلاقحت مع المؤثرات الرومية والفارسية والبيزنطية وسواها، اغتنت وكتب فيها المبدعون. فلنأخذ الجانب الإيجابي من العولمة، هناك لغات محلّية تندثر اليوم في أفريقيا (قبائل الزولو، وغيرها)". بنظر ناصر الدين فإنّ الجيّد اليوم عبر وسائل التواصل يكمن في فرصة أخرى لكي نفتح ونشرّع الثقافات على بعضها، لكي نتعرّف إلى الإنسانيّ المشترك ونعود إلى إنسانيّتنا التي تخلق لنا دوائر اتصال لا دوائر انفصال مع الآخرين". مختتماً أدلى محمد برأيٍ يداخله موقفه ورؤيته: "نظريات تافهة هي تلك التي على غرار نظريات فرانسيس فوكوياما وصموئيل هنتنغتون عن صدام الحضارات وعدم إمكانية التعايش بين العالم الأول الذي ينتج كل شيء وعالمٍ يستهلك فقط. كل الشعوب لديها تجاربها وثرواتها الروحية والشعرية. آينشتاين تأثر بطاغور. هذه التقسيمات التافهة غير موجودة في مجال الفنون والإبداع، وغير موجودة في الحب. بالأدب، بالتجارب المشتركة، بالشعر، نكسر هذه الحواجز بين الشعوب ونكسر البغضاء، وندعو إلى المحبة والإبداع ونجتمع من أجل الإنسان".


MISS 3