سامي الهاشم

محنة العقل في السياسة الخارجيّة

19 آذار 2022

02 : 00

تحدَّثنا مراراً وتكراراً عن فشل الدولة الذريع في الشؤون الداخليّة، بحيث لم يبقَ قطاع واحد سليماً، لا الرئاسات ولا المجالس ولا القضاء ولا الإدارة ولا المؤسّسات الماليّة، يكفي أن تكون الدولة على شفير الإفلاس، ويكفي أن تكون قد نهبت أموال المودعين في المصارف وجنى عمرهم، ويكفي عجزها عن وضع خطّة إنقاذيّة، إصلاحيّة، علميّة، تتوافق مع متطلّبات صندوق النقد الدولي ليمدَّ لبنان بمبلغ من الدولارات لِسدِّ حاجاته الملحّة! أمّا الآن فنريد أن نتكلَّم على سياسات الدولة الخارجيّة:

من المنطق القول أن يكون لبنان بلداً حياديّاً شبيهاً بسويسرا، ولا يدخل في المحاور، لا شرقاً ولا غرباً، لا جنوباً ولا شمالاً، تكفيه همومه الداخليّة، فليس عليه أن يعرِّض نفسه لأيّ خطر ولا لأيّة سياسة عشوائيّة!

لبنان لا يستطيع أن يكون مع الغرب ضدّ الشرق ولا مع الشرق ضدّ الغرب ولا مع أحدٍ ضدّ أحد، ولا أن يأخذَ طرفاً بين الدول المتنازعة وذلك لمئة سببٍ وسبب نوجزها بثلاثة:

1 - لا يشكِّل لبنان ثقلاً أو نفوذاً أو قوّةً عسكريّة أو إقتصاديّة ليكون صاحب مركز مرموق في أيِّ تحالف، ولا نريد أن يكون ذنَباً في أيّ تحالفٍ آخر.

2 - اللبنانيّون بحكم انهيارهم الاقتصاديّ وعدم تأمين العمل لأبنائهم وبناتهم، انتشروا في كلِّ بقاع العالم، لذلك يشكِّل انحيازهم ضربةً قاضيةً على المغتربين.

3 - نحن شعبٌ مسالمٌ ولدينا كفاءات ومهارات متعدِّدة، فلا ينبغي أن نكون كبش محرقة على مذبح أحد، وعلينا أن نحبَّ ونحترمَ الجميع، ونعتبر العالم كلّه سواسية، لا فضل لأحد على آخر، ويجب أن تكون علاقاتنا الاقتصاديّة والتجاريّة والثقافيّة مع كلِّ أقطار العالم على السواء.

مساوئ الانحياز

- لا ننسى مساوئ حلف بغداد، في الخمسينات، عندما أقدم بعضنا على التحالف مع انكلترا بالتنسيق مع نوري السعيد رئيس حكومة العراق،

- لا ننسى انّ تحالف وتفاهم وانجرار البعض الآخر مع عبد الناصر، أدّى إلى ثورة 1958، طبعاً مع الأخطاء والأطماع في الداخل.

- لا ننسى أنّ ميل وتعاطف فئة من اللبنانيّين مع الفلسطينيّين منذ العام 1948 أدّى إلى الحروب المدمّرة التي اندلعت في العام 1975 وكاد الوطن أن يكون الضحيّة،

- لا ننسى أنّ انصياع غالبيّة اللبنانيّين الى الإرادة السوريّة، أدّى إلى الإنقسامات والحروب الداخليّة، وما زلنا ندفع ثمن أخطاء التدخّل السوري في لبنان واحتلاله؛ وزحف اللبنانيّين المسلوبي الكرامة الى الشام.

- لا ننسى أنّ هنالك قسماً من اللبنانيّين ما زال متعلّقاً بفرنسا ويعتبرها الأم الحنون، بينما القسم الآخر يعتبر أنّ فرنسا كانت دولة مستعمِرة حَكمت واستغلَّت لبنان لمدّة خمس وعشرين سنة. هذا جزء من حكايتنا في الماضي، أمّا اليوم، والعالم قائم وثائر ومهدّد بحرب نوويَّة، والخلافات على أشدِّها بين الشرق والغرب، وبخاصّةٍ، بين روسيا والصين وحلفائهما من جهةٍ والولايات المتّحدة واوروبا من جهة ثانية، فلم يكن من حقّ لبنان ولا من واجبه، أن يجعل نفسه طرفاً ويدين روسيا على تصرّفاتها ضدّ أوكرانيا، وهنا نسأل وزراء خارجيّة لبنان ومَن وراءهم وأمامهم عن القرارات «الهمايونيّة» التي اتّخذوها مؤخَّراً؟

1 - لماذا يا حضرة المسؤولين جعلتم لبنان طرفاً في النزاع؟

2 - هل قرأتم تاريخ روسيا وتلك الحروب التي شُنَّت عليها في الماضي القريب والبعيد لِتُبرِّروا أو لِتدينوا بوتين؟

3 - هل عرفتم مطالب الشعب الأوكراني وقدّرتم أهميَّة حريّة الشعوب في تقرير مصيرها وحقّها في أراضيها وتحالفاتها؟

4 - هل تُشكِّلون قوّة ووزناً في المعادلة بين الطرفين، وأنتم لا تستطيعون أن تؤمّنوا الخبز والدواء والكساء والضوء لشعبكم؟

إخجلوا من أنفسكم ولا تعتقدوا أنّ لكم محلاً من الإعراب أو وزناً بثقل الجبال أو مساحة تساوي مساحة كندا، وأنتم تريدون أن تقفوا على رأس «الجبل» ليراكم الجميع.

5 - هل اطّلعتم على الحكمة التي أطلقها سقراط : “Connais-toi toi-même” (اعرف نفسك بنفسك)، فهل تعرفون أنفسكم ووزنكم وحجمكم لِتُعرّضوا وطننا الجريح إلى شتّى أنواع المخاطر ولِتزيدوا جراحاته جرحاً جديداً؟

6 - ونسألكم سؤالاً وجيهاً وبسيطاً، لو كان حكّام الدول العربيّة وحكّام روسيا وحكّام مَن ستخترعونهم أعداء غداً، «بمستواكم السياسي الرفيع وبمستواكم العقلي الكبير»، ما كان مصير أصحاب المصالح والطلّاب اللبنانيّين؟!

علينا أن نفهم نهائيّاً أنّ لبنان بحكم مساحته الصغيرة وبحكم شعبه المتنوّع المذاهب والعقائد والميول، وبحكم ضعفه الاقتصادي المخيف، وبحكم المخاطر التي تهدِّده والأزمات التي يتخبّط فيها، ليس عليه أن يُنصِّبَ نفسه عدوّاً لأحد...

الخلاصة:

إذا كنّا نريد أن نعيش بأمان وأن نترك منفذاً لأولادنا، وإذا كنّا نعرف أنفسنا ومصلحتنا، علينا أن نعلن اليوم قبل الغد حياديّة لبنان المطلقة لينفتح على العالم كلِّه ويتعامل مع الجميع، وعلينا أن نُسكِت بعض وسائل الإعلام والأفراد عن التطاول على كرامات الشعوب وشؤونهم الخاصّة، فلنهتم بالداخل المريض ونبدأ العمل جدّياً من أجل بناء دولة قائمة على الحياد والأخلاق والعلم والعدالة والمساواة وكرامة الإنسان...


MISS 3