سامي نادر

قواعد للكابيتال كونترول!

30 آذار 2022

02 : 00

لم يبلغ يوماً إقرار قانون حدّ المهزلة كما بلغ مشروع قانون الكابيتال كونترول. سقطت نسخته الأخيرة منذ يومين على عتبة البرلمان اللبناني عندما تنصلت منها اللجان المختصة. لم تكن تلك المحاولة الأولى ولن تكون الأخيرة لتمرير «إصلاح» يطالب به صندوق النقد. سبقت هذه النسخة الأخيرة نسخ كثيرة، تُسرب إلى الإعلام بسحر ساحر، تتناقلها وسائل التواصل الإجتماعي، وليست ممهورة بأي توقيع. وثائق لقيطة وكأن المقصود منها جسّ نبض الشارع. إن مرّت من دون اعتراض مرّت معها الصفقات، وإن لاقت اعتراضاً من قبل شعب يرفض التخلي عن حقوقه إرتفعت في اليوم التالي الأصوات في البرلمان لإسقاطها.

لا يختلف اثنان على ضرورة إقرار قانون لإدارة رشيدة للسيولة لفترة إنتقالية وفي إطار خطة إنقاذية شاملة. صحيح أن إقرار تشريع من هذا النوع تأخّر كثيراً. بعد أن ضرب من ضرب، وهرب من هرب، وانهار الإحتياطي وانهارت معه العملة الوطنية.

للتذكير فقط كان إحتياطي مصرف لبنان عشية الأزمة (تشرين الثاني 2019) 33 مليار دولار. أما اليوم فهو لا يتجاوز الـ 11 مليار دولار. أموال باهظة هدرتها السلطات على سياسات ذهب قسم كبير منها إلى جيوب المهربين والنافذين. وهي لو وظّفت في المكان الصحيح لكانت كافية لوقف الإنهيار وسد حاجات لبنان الأساسية من دواء وغذاء، وبناء الأهراءات ومعامل الطاقة وتعزيز الصادرات.... فالقاعدة الذهبية الأولى لقانون الكابيتال كونترول هي أن يشمل أولاً القطاع العام قبل القطاع الخاص، ويضع قيوداً على السلطات، المسؤولة الأولى عن هدر الموارد، لا أن يمنحها سلطات إستثنائية في هذا المجال وهذا ما يبدو قد غاب عن النسخة الأخيرة للقانون العتيد.

أما القاعدة الذهبية الثانية فتكمن في ترشيد استعمال العملة الصعبة بهدف جذب المزيد منها وليس العكس! لأن هدف الكابيتال كونترول الأول هو معالجة نزيف ميزان المدفوعات. ويبدو أن هذا ايضاً غاب عن بال من أعد المسودة. القيود المقترحة على قطاع التصدير لن تساهم سوى بتفاقم أزمة القطاع وتسريع ظاهرة إقفال المصانع ونقل أعمالها إلى دول مجاورة مثل مصر أو تركيا.

باختصار، المطلوب تعزيز سيولة قطاع الإنتاج وليس العكس. لأنه كلما زادت القدرات الإنتاجية كلما تقلصت الحاجة إلى الكابيتال كونترول وتقلصت الفترة الزمنية الضرورية لهذا التدبير الإستثنائي، وقصرت فترة العلاج واقترب التعافي. فهدف هذا التشريع هو وضع الضوابط لحركة الأموال العالقة في المصارف وليس تلك التي تحرك الإقتصاد. ووضع حد للإستنسابية في عمليات التحويل التي كانت سمة المرحلة السابقة وخاصة منذ تشرين الأول 2019 وليس منذ نيسان 2020 كما جاء في متن المسودة. وهذا اللغط في التواريخ بحد ذاته يطرح اسئلة عديدة.

ويبقى السؤال الأهم من يكلف بالإشراف على إدارة السيولة وتنفيذ الكابيتال كونترول؟ بالتأكيد ليست السلطات الحالية ، وتحت أي مسمى جاءت «لجنة» أو ما شابه. لأن القاعدة الذهبية الثالثة والأخيرة: إن من كان مسؤولاً عن الإفلاس لا تناط به مهمة الإنقاذ!


MISS 3