سناء الجاك

زواريب التشويش

30 آذار 2022

02 : 00

ليس أفضل من استحقاق الانتخابات النيابية ليدخل معارضو مصادرة السيادة اللبنانية في حلف متين، مهما كانت اختلافاتهم، بغية تحقيق تغيير نوعي يعيد السوية إلى القانون والدستور، ويقطع حبل سرة الفساد المحمي من «حزب الله».

ليس أفضل من هذا الاستحقاق لإنتاج مجلس نيابي يقوم بوظيفته التشريعية ويحاسب السلطة التنفيذية.

ومن دون جدال يعرف السياديون والاصلاحيون الحقيقيون ذلك، لكنهم يغرقون في زواريب التشويش، يكرسون انقسامات تشرذمهم، يغفلون عن العلة الأساسية التي يجب اقتلاعها حتى يتمكنوا من التقدم إلى حيث يمكنهم تحقيق ما يرفعونه من شعارات.

مؤسف أنهم يخوضون معركة إلغاء الآخر الذي يحمل شعاراتهم ذاتها، وبالتأكيد همومهم ذاتها. ويخدمون بذلك «حزب الله»، الذي يدير معركة منظومته كلها، ويفرض خطة عمل، أدت حتى اليوم إلى تذويب كل الخلافات بين من يسميهم حلفاءه، وقد نسج التحالفات وأرسى اللوائح على امتداد الدوائر الانتخابية بما يضمن له حصوله على أكثر من ثلثي المجلس إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً.

وهو سيستطيع لأنه لا يضيع في زواريب التشويش ولا يسمح لهؤلاء الحلفاء بذلك.

ليس مهماً بالنسبة له كل ما كان يجري قبل اقتراب موعد الاستحقاق. محا كل شيء وفرض خريطة طريق على الجميع الالتزام بها، بحيث تؤمن له فرض نواب سنّة يدورون في فلكه، إضافة الى هؤلاء الحلفاء.

أنهى العداوة اللفظية بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل». وها هما في تحالف بعد تراشق بالأسلحة الثقيلة للاتهامات المتبادلة بالفساد ومخالفة القانون. بمعنى آخر، أرغم «الحركة» على نسيان كل ما كان لضمان فوز مرشحي «التيار» بأصوات الناخبين الشيعة حيث ينبغي.

أكثر من ذلك، تولى الأمين العام لـ»الحزب» السيد حسن نصرالله بنفسه تسوية وضع التنافس الحاد بين ربيبي النظام الأسدي النائب جميل السيد والامين العام لـ»حزب البعث العربي الاشتراكي» علي حجازي، فاجتمع بالأخير ثلاث ساعات ليحسم المسألة، التي لا تغير نتائجها في ضررها على اللبنانيين شيئاً.

فالضرر هو سمة مرشحي المنظومة بإدارة «الحزب». إنتقاهم وفرضهم وكرّس واقعاً لا مفر منه على امتداد الدوائر اللبنانية، وليس فقط حيث قبضته الحديدية، وكأنه بذلك يعاقب اللبنانيين الذين قد حسبوا ان انتفاضتهم في 17 تشرين الأول 2019، يمكن أن تخيفه وتخيف محوره وتهدد أجندته.

جمع «الحزب» كل الفاسدين والمطلوبين والمدانين محلياً ودولياً لارتكابات قتلت الشعب وجوّعته وأفقرته وهجَّرته. وباركهم على ما ارتكبوه، وكأنهم قاموا بالمطلوب حتى يواصل محوره احتلال لبنان.

وفي المقابل، نرى السياديين يتناحرون كالديكة. يقزِّمون معركتهم بمواجهة سعي «الحزب» للحصول على أكثرية تفوق الثلثين.

فهناك من يختصر بيروت من «قصقص» الى «الطريق الجديدة»، وينسى ان المعركة لا تقتصر على العاصمة وحدها وعلى السنّة وحدهم، بل تشمل كل لبنان. وهناك من يرمي الحرم على من يتشارك وإياه بكل الشعارات والهموم. وهناك من يعتبر ان فوزه بمقاعد أكثر مما حصل عليه في الانتخابات الماضية سوف يتوّجه الزعيم الأوحد لطائفته.

وينسى هؤلاء ان أهم من تاريخ اجراء الانتخابات في 15 أيار، هو ما بعده. وما بعده تقتله الأنانيات الطاغية على هذه اللحظة التاريخية. فالمجلس الجديد هو من سيحصل على الشرعية الدولية، وهو من سيطرح صيغة لبنان كلها على الطاولة، تماماً كما يمكن أن تطرحها عملية مدروسة لنسف الانتخابات من أساسها ووضع الجميع حيال انزلاق نحو الفوضى، ليفرض «حزب الله» بفائض قوته وفائض سلاحه وداعمه الإيراني ما يريد، سواء عبر صناديق الاقتراع او من دونها.