د. نسيب حطيط

حتى لا يبقى الأبناء... ضحايا الطلاق أو الانفصال؟

31 آذار 2022

02 : 00

يعتبر الزواج من السنن الإلهية والإنسانية المباركة لحفظ الصنف البشري ووفق قاعدة التوازن واستمرار الحياة والتكافل والتعاون الإنساني والاجتماعي، بحيث تشكل الأسرة الخلية الأساس في بناء المجتمع وتتكون منها العائلة الكبرى ثم العشيرة او القبيلة ثم الحي والقرية والمدينة والوطن والامة ثم العالمين...

ان مشروع بناء الاسرة يتخذه اثنان من ذكر وانثى ويشرّعه الدين او القانون (الزواج المدني) ويباركه الأهل ويحتضنه المجتمع من أقارب وأصدقاء، لكن القرار ملك الثنائي-الزوجي وكذلك استمراريته واستدامته لابقائه جميلاً وسعيداً او تحويله لعذاب مستدام ولمآس نفسية واجتماعية يعيشها الزوجان واهاليهما، والكارثة تظهر في معاناة الأبناء سواء كانوا صغاراً او كباراً..

يعاني الأبناء-الصغار من إشكالات الطلاق بين الأم والأب ويصبحون ضحايا الصراع على الحضانة ومدتها، ويتجاذب الاهل صغارهم في قاعات المحاكم والطرقات او مواقف السيارات.. ويتمزق الصغار أشلاء بين عاطفة الأهل او الكيدية او استمرارية الصراع، ثم يصبح الأبناء ضحايا «الرؤية» والمشاهدة التي يحددها البعض بساعات او البعض الآخر بيوم، وكأن الأم او الأب يشاهدان فيلماً سينمائياً او حفلاً او جنازة سرعان ما ينتهي وقتها كلمح البصر من دون عاطفة او استقرار نفسي، بل ان الخوف من انتهاء دقائق او ساعات المشاهدة يعدم جمال وسعادة اللقاء...!

يعاني الأبناء الكبار كما الصغار من مشكلة «الرعاية» التي تشكل وجها آخر «للحضانة» ولا تقل أهمية عنها فالأبناء الشباب (ذكوراً وإناثاً)، بحاجة للرعاية والإرشاد والتوعية بالإضافة للعاطفة والحنان والشعور بالحماية والاستقرار وعدم الخوف او القلق او الشعور بالاستضعاف.

ان حرية القرار بالزواج ملك العروسين، لكن قرار الطلاق او الانفصال ليس ملكهما فقط بل هناك طرف ثالث «الأبناء» حتى لا يتحولوا الى ضحايا آبائهم وامهاتهم، فإذا كان مشروع الزواج من اجل راحة من بادر اليه فلا يجوز ان يكون الطلاق او الهجر او الانفصال من اجل راحة الزوجين، من دون اكتراث لمصير أولادهم ومستقبلهم ورعايتهم، فهذا تصرف اناني وعدوان على من ليس طرفاً في المشكلة بل هو ضحية..!

يعاني مجتمعنا كما بقية المجتمعات من التفكك الأسري وقضايا الطلاق والانفصال بغياب القوانين والأحكام الشرعية التفصيلية، مع جمود في حركة التشريع والاجتهاد على المستويين الديني والقانوني بالتلازم مع تغير الظروف والمتطلبات المعيشية الضرورية غير الكمالية، وفق الزمان والمكان وكذلك درجة الوعي ووسائل التواصل والتعارف، مما أضاف عناصر جديدة لتحديد سن الحضانة من (سنتين الى سبع سنوات) مع بعض الاستثناءات نتيجة الظروف، ولا بد أيضاً من تحديد مسؤولية الأب خصوصاً لجهة تأمين معيشة ومصارفات أولاده الكبار لجهة التعليم والسكن والصحة، وعدم الهروب منها او التعامل بكيدية ولامسؤولية خصوصاً للبنات حتى زواجهن، ولا بد من إضافة شروط خصوصية لعقد الزواج تحدد هذه المسؤوليات سواء بقي الزواج قائماً او انفرط عقده (طلاقاً او هجراً او انفصالاً او هروباً).

إن عدم الالتفات لهذه المشاكل الاجتماعية الخطرة يعتبر شراكة في تخريب المجتمع وزيادة خطر الإنحراف للشباب والأطفال، ويؤدي الى ظهور آفات اجتماعية وإنسانية سلبية مما يستدعي المبادرة لإطلاق فعاليات فكرية وقانونية على صعيد وطني، لمناقشة هذه المشاكل واقتراح الحلول الممكنة واطلاق البرامج الثقافية والعلمية والارشادية، لنشر الوعي والتحذير من مخاطر معالجة ما مضى او ما نعيشه من مشاكل لمنعها او التقليل منها والتي يمكن ان تنتج مستقبلاً.. وان تبادر المحاكم الدينية في كل الطوائف لنشر برامج وارشادات وتعديل عقود الزواج وتعريف الشباب على حقوق الزوجين، وكيفية صياغة العقد وشروطه والمرونة الكبيرة في التشريع الديني (خاصة في الفقه الجعفري)، الذي يستطيع الزوجين من خلاله وضع كل الشروط والاتفاقيات التي تعالج المشاكل التي يمكن ان تعترضهما من دون خوف او تشاؤم من ذكر هذه التفاصيل..

شراء جهاز الإطفاء لا ينذر بالشؤم والحريق بل يعالج ويطفئ الحريق في لحظاته الأولى فيخفف الخسائر...

لا تقتلوا اولادكم.. لتفرحوا انتم فقط، أكان زواجاً او طلاقاً...

MISS 3