جاد حداد

بلاستيك دقيق في دم البشر للمرة الأولى

2 نيسان 2022

02 : 00

تتنقل كمية من الغبار البلاستيكي في عروق عدد كبير من البشر. لذا يُفترض ألا يتفاجأ أحد بنتائج أحدث دراسة لتحليل الملوثات البلاستيكية الدقيقة. في النهاية، لا يخلو أي مكان في العالم من ضباب البوليمرات، بدءاً من أعلى الجبال وصولاً إلى أعمق أعضاء الجسم. لكن حين نعرف أن هذه المادة تخترق دمنا فعلاً، لا مفر من أن نستنتج إلى أي حد باتت مخلفات البلاستيك تطرح مشكلة بيئية متفاقمة.

حلل باحثون من جامعة "فريجي أمستردام" ومن المركز الطبي التابع لجامعة "أمستردام" عينات دم من 22 واهباً مجهولاً كانوا يتمتعون جميعاً بصحة جيدة. أراد العلماء البحث عن آثار البوليمرات الاصطناعية الشائعة التي تكون أكبر من 700 نانومتر.

بذل فريق البحث قصارى جهده لإبقاء معداته خالية من الملوثات واختبار مستويات البلاستيك الخلفية، ثم كشفت طريقتان مختلفتان لتحديد التركيبة الكيماوية وكتل الجزيئات أدلة على وجود أنواع بلاستيك متعددة في 17 عيّنة.

كانت التركيبات مختلفة بين العينات، لكن شملت المواد البلاستيكية الدقيقة البولي إيثيلين تيرفثالات (شائع الاستعمال في الملابس وعبوات المشروب) وبوليمرات الستايرين المستعملة عموماً في قطع السيارات والسجاد وحاويات الطعام.

في المتوسط، رُصِد 1.6 ميكروغرام من المواد البلاستيكية في كل ملليتر من الدم، وكانت الكمية القصوى أعلى من 7 ميكروغرام بقليل.

لم يستطع الباحثون تقديم معلومة دقيقة حول حجم الجزيئات لأن طرق الاختبار بقيت محدودة. لكن يسهل أن نفترض أن الجسم يستطيع امتصاص الجزيئات الأصغر حجماً والقريبة من حدود 700 نانومتر أكثر من الجزيئات الأكبر حجماً التي تتجاوز عتبة 100 ميكرومتر. لم يتّضح بعد معنى هذه النتائج كلها بالنسبة إلى صحتنا وعافيتنا على المدى الطويل. تكثر المعلومات التي نجهلها حتى الآن حول الآثار الكيماوية والجسدية للمواد البلاستيكية الضئيلة التي تخترق خلايا الجسم. تُلمِح الدراسات الحيوانية إلى ظهور آثار مقلقة، لكن لا يمكن تطبيق تلك النتائج على صحة البشر بعد.

لكن لا تكفّ هذه المشكلة عن التفاقم، إذ من المتوقع أن تتضاعف كمية المخلفات البلاستيكية التي تصل إلى محيطاتنا بحلول العام 2040. حين تتفكك جميع كميات الأحذية القديمة، والشُوَك، وأربطة أكياس الخبز، وعجلات القيادة، وأغلفة منتجات الشوكولا، لا مفر من أن تصل كمية إضافية من البلاستيك الدقيق إلى مجرى دمنا تدريجاً.

إذا كان مستوى الجرعة المستهلكة هو الذي يجعل هذه المواد سامة، قد نتجاوز عتبة الخطر في مرحلة معينة، فتبدأ كميات حميدة نسبياً من الستايرين والبولي إيثيلين تيرفثالات بإنتاج بعض الآثار المقلقة في طريقة تطور خلايا الجسم، لا سيما في مرحلة النمو.

صرّح ديك فيثاك، خبير في علم السموم البيئية في جامعة "فريجي أمستردام"، لصحيفة "ذا غارديان": "نحن نعرف أيضاً أن الأطفال والأولاد الصغار يكونون أكثر عرضة للمواد الكيماوية والجزيئات بشكل عام. هذا الوضع يقلقني كثيراً".

كان عدد المتطوعين في هذه التجربة الأخيرة صغيراً، ومع ذلك تطرح الدراسة أدلة إضافية مفادها أن الرئة والأمعاء لا تصفّي الغبار الذي ينتجه عالم المواد الاصطناعية بالكامل.

أخيراً، لم يتّضح بعد إذا كانت المواد البلاستيكية تطفو في بلازما الدم أو تمتصها خلايا الدم البيضاء. قد يترافق كل سيناريو محتمل مع تداعيات مختلفة على طريقة تنقل الجزيئات والأنظمة الجسدية التي تؤثر عليها أكثر من غيرها.

تبرز الحاجة إلى إجراء أبحاث مكثفة أخرى تشمل جماعات أكبر حجماً وأكثر تنوعاً لتحديد مواقع وطرق انتشار المواد البلاستيكية الدقيقة، وكيفية تراكمها لدى البشر، وما يفعله الجسم للتخلص منها في نهاية المطاف.

نُشرت نتائج هذا البحث في مجلة "البيئة الدولية".