كولوم لينش

الغرب يدعم أوكرانيا...لكن ماذا عن بقية دول العالم؟

4 نيسان 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 05

خلال هذا الشهر، خصّصت سفيرة جنوب أفريقيا لدى الأمم المتحدة، ماتو جوييني، لحظة من نقاشها المرتبط بالأزمة الإنسانية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا أمام الجمعية العامة لتوبيخ الولايات المتحدة على حماقاتها العسكرية السابقة، بما في ذلك غزو العراق. أعلنت جوييني أن الأميركيين وحلفاءهم الغربيين انتهكوا بدورهم ميثاق الأمم المتحدة وكانوا يسعون بكل بساطة إلى التفوق على روسيا من الناحية الجيوسياسية، عبر إصدار قرارات في الأمم المتحدة لاعتبار موسكو الجهة المعتدية. يعكس هذا التصريح التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في خضم سعيها لتشكيل جبهة دبلوماسية موحّدة دعماً لأوكرانيا.

باستثناء أقرب أصدقاء واشنطن وحلفائها العسكريين في الغرب وشرق آسيا، لا تهتم معظم دول العالم على ما يبدو بالانضمام إلى الحملة التي تقودها واشنطن لعزل روسيا. رغم استياء هذه البلدان من طريقة استيلاء روسيا على الأراضي الأوكرانية، يحمل عدد كبير منها روابط تاريخية مع موسكو ولن يكون مستعداً للتخلي عنها. كذلك، تخشى هذه الدول أن تواجه أضراراً فائقة بعد فرض حصار اقتصادي على روسيا، ما يعني ارتفاع كلفة المواد الغذائية والوقود وزرع بذور المجاعة والفوضى داخل حدودها.

لم تستفد أوكرانيا أيضاً من التقارير المرتبطة بسوء معاملة حرس حدودها مع المواطنين الأفارقة حين كانوا يحاولون الهرب من الحرب في بولندا المجاورة، فمنعهم من الانضمام إلى الأوكرانيين الباحثين عن ملجأ آمن في الخارج. يقول إبنيزر أوباداري، خبير في شؤون أفريقيا في "مجلس العلاقات الخارجية"، إن الأميركيين والأفارقة يحملون وجهات نظر مختلفة مع أنهم يدّعون العكس.

برأي الكثيرين في الولايات المتحدة، يبدو استنكار تصرفات روسيا موقفاً بديهياً، فهي أقدمت على غزو دولة مجاورة لها، واستهدفت المدنيين بأكثر الطرق وحشية وعشوائية، وأثبتت ازدراءها المطلــق بميثاق الأمم المتحدة، لكن يقول الأفارقة في المقابل: "انتظروا للحظة، فالوضع ليس بهذه البساطة".

في المقام الأول، لطالما كانت روسيا (أو الاتحاد السوفياتي السابق) على علاقة وثيقة مع الدول الأفريقية، فهي قدّمت الدعم العسكري والدبلوماسي للقوى المعادية للغرب هناك خلال الحرب الباردة. اليوم، تقدّم "مجموعة فاغنر" المؤلفة من مرتزقة معظمهم من القطاع الخاص خدمات أمنية لعدد من الدول والجماعات المسلّحة في أفريقيا، بما في ذلك حكومتا جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي فضلاً عن زعيم الثوار في ليبيا، خليفة حفتر.

قد تشعر الحكومات الأفريقية بدرجة من الولاء تجاه روسيا، لكن يقول أوباداري إن القارة لا تؤيد استعمال القوة الروسية: "لا يمكن القول إن أفريقيا لا تزال منحازة إلى المعسكر الروسي، بل إن الشباب في هذه القارة يفضّل حتى الآن التوجه إلى الولايات المتحدة وأوروبا".

لكن لم تكن ازدواجية المواقف حادة بقدر ما هي عليه في الشرق الأوسط حيث عارض أهم حلفاء واشنطن الاستراتيجيين (إسرائيل، الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية) المحاولات الأميركية الرامية إلى عزل روسيا ولم ينضموا إلى الولايات المتحدة لفرض عقوبات متزايدة ضد نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

لقد ورث الرئيس الأميركي جو بايدن علاقة زادت توتراً بين بلده والخليج العربي على مر العقد الماضي، لا سيما مع الحزب الديمقراطي الذي يزداد استياءً مما يعتبره التجاوزات الاستبدادية من جانب العائلات الملكية التي أطلقت حرباً كارثية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. كان بايدن قد اعتبر السعودية "دولة منبوذة" خلال حملته الرئاسية، فقال إن "الحكومة الراهنة هناك لا تحمل قيمة اجتماعية كبيرة". وبعد فترة قصيرة على انتخاب بايدن، تعامل هذا الأخير بصرامة مع حاكم البلد، ولي العهد محمد بن سلمان، المشتبه بإصدار أمر اغتيال الصحافي في "واشنطن بوست"، جمال خاشقجي، ثم أجرى أول مكالمة هاتفية مع الملك المريض سلمان بن عبد العزيز آل سعود.

زاد التوتر في العلاقات الأميركية مع الإمارات العربية المتحدة خلال الأسابيع التي تلت استهداف المطار في أبو ظبي بصاروخ وهجوم بطيارة مسيّرة من جانب المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. في هذا السياق، يقول غريغوري جونسون، خبير في شؤون اليمن في "معهد بروكينغز": "يسود شعور عميق من الإحباط في المعسكرَين بحسب رأيي. لم تردّ الولايات المتحدة بسرعة كافية على ما حصل".

هذه الاضطرابات كلها أضعفت رغبة دول الخليج في دعم الولايات المتحدة في جهودها المستمرة لحشد العالم ومعاقبة روسيا على غزوها لأوكرانيا. امتنعت الإمارات عن التصويت على قرار استنكار الغزو الروسي في مجلس الأمن. ووفق تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، رفض قادة البلدين أيضاً تلقي أي مكالمات من بايدن أو زيادة إنتاج النفط للتعويض عن خسارة الغاز الطبيعي والنفط الروسي. في غضون ذلك، رفضت إسرائيل في البداية دعم قرار مجلس الأمن.

فضّلت إسرائيل أن تقيم توازناً دقيقاً بين الحفاظ على علاقات حسنة مع أهم داعمة لها (الولايات المتحدة) ومع لاعبة إقليمية مؤثرة (روسيا). تحافظ موسكو على وجودها العسكري في سوريا حيث نفّذت إسرائيل ضربات جوية متعددة ضد العملاء الإيرانيين.

من الواضح أن إسرائيل والسعودية والإمارات تهرّبت من هذا الموقف بطريقتها الخاصة، فأثبتت بذلك إلى أي حد خسرت واشنطن ثقة هذه الدول ومدى استعدادها للمجازفة بتضرر تلك العلاقات المميزة أو إضعافها لحماية الإنجازات التي حققتها على مستوى التنوع الاستراتيجي، بما في ذلك جهود التواصل مع روسيا والصين. يقول حسين إيبيش، محلل بارز في "معهد دول الخليج العربي" في واشنطن، إن هذه الحكومات استنتجت على مر العقد الماضي أن "حقبة الهيمنة الأميركية انتهت مقابل بدء عملية انتقالية سريعة تُمهّد لنشوء عالم متعدد الأقطاب ولا رجعة عنه".

لكن تخضع هذه الفرضية لاختبار كبير اليوم بعد إعادة إحياء التحالف الغربي الذي يبدو لافتاً بدرجة معينة.

لقد تبيّن أن الفرضيات الأولية التي أطلقها قادة الشرق الأوسط خاطئة، فهم افترضوا أن أزمة أوكرانيا أوروبية وغير عالمية، وأن بوتين قادر على إنهاء الصراع سريعاً، وأنهم يستطيعون تحمّل تداعيات الاستياء الأميركي. لكن تتعدد الأسباب التي تجعل هذه الأزمة "نقطة مفصلية" في علاقة المنطقة مع الولايات المتحدة برأي إيبيش.

على صعيد آخر، شكّل الصراع الأوكراني اختباراً للعلاقة الأميركية مع الهند المنتسبة إلى حوار الأمن الرباعي (تحالف غير رسمي بين أستراليا، واليابان، والهند، والولايات المتحدة، وهو ملتزم بجعل منطقة المحيطَين الهندي والهادئ حرّة ومنفتحة). لم تدعم الهند الموقف الأميركي في مجلس الأمن، فامتنعت في شهر شباط الماضي عن التصويت على قرار يستنكر العدوان الروسي في أوكرانيا ويطالبها بسحب قواتها العسكرية من البلد.

دعا رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، نظيره الروسي إلى التفاوض على "وقف أعمال العنف فوراً" في أوكرانيا، لكنه لم ينتقد موسكو. في الوقت نفسه، شارك المسؤولون الهنود في محادثات حول شراء النفط الروسي بسعر مُخفّض، مع أن هذه الخطوة تتعارض مع الجهود الأميركية الرامية إلى حظر صادرات النفط الروسي. ثمة علاقات دبلوماسية وعسكرية قديمة بين نيودلهي وموسكو التي تبقى أكبر موردة للأسلحة في الهند. خلال الحرب الباردة، صوّت الاتحاد السوفياتي مراراً ضد قرارات مجلس الأمن التي حاولت إشراك المجتمع الدولي في حل أزمة كشمير.

في الفترة الأخيرة عبّر بايدن، وهو آخر رئيس أميركي يحاول تقوية علاقات بلده مع الهند للتصدي للصين، عن استياء واشنطن من غياب الدعم الهندي للحملة الأميركية الرامية إلى عزل روسيا بعد غزو أوكرانيا، فاعتبر موقف الهند "هشاً بعض الشيء" في هذا الملف.

لكن رغم هذه الانتكاسات، يظن ريتشارد غوان، خبير في شؤون الأمم المتحدة في "مجموعة الأزمات الدولية"، أن الأزمة الأوكرانية منحت الولايات المتحدة وأوروبا فرصة لزيادة تماسكهما وتوضيح أهدافهما أكثر من أي مرحلة أخرى في السنوات الأخيرة، لكن من المتوقع أن تكونا أكثر تردداً على مستوى بناء جيوشهما وإعادة إعمار أوكرانيا.

يضيف غوان: "لا أظن أننا نشهد على اصطفاف عالمي جديد وشامل بعد. من سيفوز إذاً في أي معركة دولية لكسب النفوذ في أوكرانيا؟ لن تكون روسيا الفائزة طبعاً، فقد كانت جهودها الدبلوماسية خلال هذه الأزمة فوضوية بقدر عملياتها العسكرية".

أخيراً يقول منير أكرم، سفير باكستان لدى الأمم المتحدة: "ستخرج روسيا من هذا الصراع وهي أضعف مما كانت عليه لأنها عجزت عن إثبات مصداقيتها عبر فرض سيطرتها في أوكرانيا. لكن تبقى روسيا واحدة من أكبر قوتَين نوويتَين في العالم، وهذا ما يمنحها ورقة ضغط قاتمة مع اقتراب نهاية اللعبة في أوكرانيا. لن تتلاشى قدرة موسكو على نشر الفوضى في بقية دول العالم، لذا يجب أن يتكيّف الجميع مع روسيا المستضعفة أو المستاءة إذا لم يُعد دمجها مع النظام الدولي".


MISS 3