روي بدارو

عبثاً نحاول مع صندوق النقد الدولي!

4 نيسان 2022

02 : 00

هل نحن حقيقة بحاجة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي؟ السؤال بات مشروعاً وملحاً في ظل بقاء الحوكمة الحالية والمنظومة التي تمارسها. أما الجواب فضروري جداً قبل الذهاب بعيداً في مفاوضات مع الصندوق قد نكتشف سريعاً أو لاحقاً أن لا طائل منها.

والسؤال الثاني المندرج من الأول هو: هل هناك دولة مركزية قادرة على الالتزام بتطبيق الإصلاحات المطلوبة في حال الاتفاق مع الصندوق؟ وأين هي تلك الدولة من قضايا سيادية كثيرة مثل القضاء العادل المستقل والأمن المستتب وسيادة القانون على الجميع ومسألة التهريب الخطير المستشري عبر الحدود؟

إذا كنا في دولة ذات سيادة قوية وقادرة على الإصلاح تصبح الحاجة إلى صندوق النقد ثانوية. خلاف ذلك فنحن بحاجة للتفاهم مجدداً على مفهوم أي دولة وأي دور لها أولاً وأخيراً. علينا إعادة التركيز على أصل المشكلة وعدم التسليم بها زوراً وواقعاً وهي وجود مجموعات مسلحة وأخرى متسلطة تفرض مشيئتها على الآخرين، وتتحكّم بعدد من مفاصل الدولة وقضائها وحدودها ومرافقها الإدارية والاقتصادية والخدماتية، وأحياناً تفرض أجنداتها على الحياة الخاصة للمواطنين.

في ظل الوضع الشاذ والخطير السائد حالياً، لسنا جديرين ببرنامج مع صندوق النقد ولا بأي برنامج مساعدات دولي آخر. علماً بأن اللبناني ينجح في مشروع الخلاص الفردي، أما على المستوى الجماعي فتنشأ النزاعات الحادة وتتباين المشاريع المتناقضة وصولاً للتصادم أحياناً.

ما سبق يأخذنا إلى هرمية قائمة على أساسيات الأخلاق التي نبني عليها مشروعاً نختار له أشخاصاً قادة ينفّذونه في السياسة والاقتصاد والاجتماع. وهذا ينقلنا فوراً إلى التفكير بجدوى أو ضرورة عقد مؤتمر وطني عام تمثل فيه القوى الحية قبل القوى السياسية القائمة والمتسلطة والتي لا تعتبر أحزاباً بالمعنى الديمقراطي للكلمة، بالنظر إلى انعدام الشفافية في تمويلها وارتهانها للخارج وضربها عرض الحائط بالمصلحة الوطنية.

إذا استطعنا الالتئام في هذا المؤتمر بوعي كامل لضرورات التفاهم والتأسيس لمرحلة مختلفة كلياً عمّا نحن فيه، نكون على مستوى تحديات بلدنا. وإلا سنحتاج لرعاية دولية تساعدنا على عقد هذا المؤتمر الوطني المرجوّ منه خشبة خلاص ممّا نحن فيه حتى لا تتشظّى صيغتنا وتندثر إلى الأبد.

وذلك الخلاص يعني ايجاد افضل السبل لمنح شعبنا، أو شعوبنا، نوعية الحياة التي يستحقونها والرفاه الذي يطمحون إليه. وإذا اختلفت المشاريع أو تضاربت بطلاق تام أو جزئي نتجه إلى مقاربات مختلفة تبدأ في بحث عن مخارج حضارية مثل تطبيق اللامركزية أو أي صيغة أخرى تضع حداً للانفصام الذي نحن فيه.

على الصعيد الاقتصادي، قلنا لصندوق النقد إننا بحاجة لنمو من رقمين في مدى سنتين أو ثلاث وإلا فالتعافي سيتأخر 10 سنوات على الأقل، وسيفرغ لبنان من طاقاته المصرفية التي لطالما كانت ثروة للبلاد.

إذا لم نحقق لشعبنا النمو اللازم المحمي باستقرار سياسي وأمني مستدام أو طويل الأمد، فإننا سنشهد نزيفاً إضافياً حاداً في الموارد البشرية وصولاً حتى التصحر الديمغرافي. أما الاستقرار السياسي والأمني المنشود فيجب حتماً أن يضع حداً للتسلط بالسلاح والأدوات القمعية الأخرى.

كي لا نبقى بلا أمل للمدى القصير، فإننا لا نتطلع إلى الانتخابات النيابية التي ستفرز بالأغلب المنظومة الحالية نفسها بألوانها المختلفة، بل نتطلع إلى الانتخابات الرئاسية التي نعتبرها مفصلاً أساسياً للمرحلة المقبلة. نتطلع إلى رئيس إصلاحي نزيه وصاحب مشروع إنقاذي، ونعلق عليه الآمال. كما نتطلع إلى رئيس حكومة صاحب رؤية وريادي يتمتع بالنزاهة والكفاءة والفهم العميق للمجتمع وحاجاته.

لاحقاً، وفي السنوات المقبلة، تستكمل القوى الحية العمل الذي بدأته وهو متعثّر الآن، على محاولة إعادة إنتاج مجلس نواب يتناغم مع المشروع الإنقاذي أو الخلاصي الذي يحول لبنان في ما يشبه الـ»ميتامورفوز». مجلس يفرز أغلبية حاكمة ببرنامج، ومعارضة ببرنامج مقابل. معارضة جاهزة لتداول السلطة عند الضرورة وفقاً للآليات الديمقراطية السليمة بعيداً عن الآليات الممسوخة التي اعتمدت طيلة العقود الماضية ببدعة ما يسمّى حكومات الوحدة الوطنية التي لم تكن إلا أداة للمحاصصة، وتقاسم المغانم الذي أورث أخطر أزمة مالية في التاريخ الحديث.

للبنان دور كان وسيبقى له في هذا الشرق كما في العالم. لن نتعب من الصمود بوجه المتسلطين، ولن نكلّ من المحاولات لاستعادة نموذج منارة تهدي العالم سواء سبيل التعايش بين الثقافات والأديان والحضارات المختلفة... هذا هو قدرنا!

MISS 3