روي بدارو

سعر الصرف وملزمة الأجور

11 نيسان 2022

02 : 00

بغض النظر عن النوايا الحسنة لصندوق النقد الدولي، فقد حصل ما ليس متوقعاً من خبراء مؤسسة مالية ونقدية عالمية من هذا المستوى الرفيع، إذ لاحظنا تغاضياً خطيراً عن عدد من المقاربات الأساسية لمعالجة أزمات لبنان، أبرزها تجاهل مسألة الأجور ومستقبلها في اي برنامج اصلاحي سينفذه لبنان مقابل الحصول على تمويل من الصندوق.

بفعل تقهقر سعر صرف الليرة أمام الدولار، هبطت قيمة الأجور حتى بات الحد الادنى أقل من 30 دولاراً شهرياً. فاذا لم يحصل تصحيح علمي عملي واقتصادي لمسألة الرواتب ستزداد الهجرة بشكل سريع وخطير، وسنصل الى مرحلة التصحّر الديمغرافي الذي هو نهاية لبنان بالمعنى الاقتصادي والحضاري للكلمة.

طرحنا ذلك على وفد صندوق النقد الدولي الذي زار البلاد مؤجراً وانجز مع لبنان ورقة تفاهم مبدئي، لكن للأسف لم نلاحظ انهم أخذوا مسألة الأجور على محمل الجد رغم أهميتها القصوى. أعتبر ذلك خطأً جسيماً على المستوى الماكرواقتصادي. فالمناداة بتحرير سعر الصرف من قبل الصندوق يفترض ان يوازيها في الطرح سياسة أجور جديدة في خدمة تنافسية الاقتصاد الوطني ومصالح المنتجين والعاملين على السواء.

وعلى هذا الصعيد، أطرح وضع حد أدنى عام للأجور في القطاع الخاص على الا ترتبط الزيادات في الرواتب بين القطاعين العام والخاص لان انتاجية كل منهما مختلفة وتطور العمل المستقبلي يتباين في القطاعين المنفصلي المسار. على أن تترك حرية التعاقد داخل المؤسسات والقطاعات وفق قانون عمل جديد يزيح عن كاهل المنتجين كلفة التعويضات العائلية وكلفة الاستشفاء لتبقى ضمن الموازنة العامة لانها تمثل خيارات مجتمعية ولا دخل لها بكلفة العمل. وبذلك تنخفض كلفة الانتاج فترتفع فرص العمل لاستيعاب جيش البطالة الهائلة التي خلفتها الازمة. هدف فك ارتباط الأجور بين القطاعين العام والخاص خلق تنافسية تدفع الى المبادرات والابداع بعيداً عن الاتكالية والحشو الوظيفي.

يجب ان ننشد توازناً بين الأجور والعيش الكريم، اذ لا صمود في لبنان لشرائح واسعة من السكان في ظل الأزمة الطاحنة الحالية إن لم تصحح الأجور ليبلغ حدها الأدنى بين 125 و150 دولاراً شهرياً. على ان يعاد النظر بذلك الأجر وفقاً لآخر متوسط سعر الصرف دورياً. ويعاد النظر في الحد الادنى المقوم بالدولار كل 6 او 12 شهراً على ان تدرس قطاعيا معادلة التوازن بين مستوى الأجور والانتاجية.

وانادي بسياسة أجور حسب المناطق وحسب القطاعات. فراتب 100 دولار في عكار اعلى من حيث القيمة الشرائية مقارنة مع 100 دولار في بيروت على سبيل المثال لا الحصر. وكذلك الأمر تختلف علاقة الراتب بالانتاجية في هذا القطاع أو ذاك. وهناك مؤسسات تستطيع تحمل أجور بمستوى معين مقابل أخرى لا تستطيع.

لا يجوز النظر فقط، كما يفعل صندوق النقد، الى ضرورات الضغط على حساب الميزان الجاري لئلا نصاب بالاختناق الاقتصادي. لا بد من نمو ياخذ في الاعتبار معدلات الاستهلاك القائم على استيراد بمعدل 8 الى 10 مليارات دولار سنوياً على الأقل ما عدا كلفة المحروقات والطاقة. مع وضع 3 شطور لضريبة القيمة المضافة، لحماية الحد الادنى وتحسين قدرته الشرائية، لأن الضريبة التصاعدية على الدخل والأرباح تحتاج الى 3 الى 5 سنوات لتصبح قابلة للتطبيق كما يجب.

ومن دون ان ننسى التذكير بأن النموذج الاقتصادي الجديد المطلوب للبنان ليس نموذجاً تقليدياً. لدينا فرصة لتشجيع قطاعات ابداعية مع تطور التكنولوجيا والعمل عن بعد. فاللبناني بتعليمه المتقدم ومهاراته المجرّبة يستطيع ان يشكل نواة أي نهوض للبلاد. ومن دونه لن يكتب النجاح لأي برنامج اقتصادي حتى لو كان من صنع صندوق النقد الدولي

MISS 3