شربل عازار

13 نيسان... لبنان والإسخريوطي

14 نيسان 2022

02 : 00

13 نيسان 1975، كان ذلك نهار أحد وكنت في البريفيه. سُرِرْنا يومها، رفاقُ الصفِّ وأنا، إذ أُعلِنَ نهار الاثنين نهار تعطيل عام وإقفال للمدارس.

لم يُدرِك وَعيُنا المُراهق حينَها أنّ مؤامرةً كبرى ضدّ لبنان، قد حِيكت على مدى سنوات، ربّما منذ العام 1948، وبعد هزيمة العام 1967، وبالتأكيد مع اتفاق القاهرة في العام 1969، والاعتداءات على الجيش اللبناني العام 1973 وصولاً إلى العام 1975.

مؤامرة من أجل استبدال وطنٍ بوطن، وشعبٍ بشعب. فكانت عين الرمانة في عين العاصفة وكانت بداية المقاومة ضدّ الهيمنة والسيطرة الفلسطينيّة على لبنان.

سنوات طويلة استمرّت المقاومة اللبنانيّة، وعشرات الآلاف من الشهداء سقطوا ذوداً عن الوجود والوطن، وعن الحريّة والكرامة، إلى أن وصلنا إلى اتفاق الطائف، الذي كان نتاج حربِ تحريرٍ فاشلة، فاعتقدنا أنّها نهاية الكابوس وأنّ طائر الفينيق سيقوم من جديد من تحت الردمِ. إلّا أنّه وللأسف خضع الوطن والدولة لهيمنتين بالمضمون ذاته بشَكلين مُختَلفين: هيمنة سوريّة مباشرة من العام 1991 حتى العام 2005 أطبقت فيها على القيادات السياديّة وأذاقتهم ظلم الاعتقال، ومرحلة ما بعد الـ2005 مروراً بالعام 2016 وصولاً إلى اليوم، حيث هيمن المحور الايراني الذي يتباهى بالسيطرة على أربع عواصم عربية من ضمنها بيروت.

هَيمَنَ المحور، بفعلِ ارتهانِ فريقٍ من اللبنانيّين له تحت عنوان حماية واسترداد حقوق المسيحيّين، مقابل فتاتِ سُلطةٍ وكراسٍ فارغة، فتحكّمت دويلته بالدولة وبمعظم أركانها من رأس الهرم حتى أدناه.

واستباحت دويلته الحدود والمرافق والمرافئ والقضاء، والسياسة الدفاعية والخارجية، فعادينا، وعادانا الغرب والعرب والخليج والجهات المانحة، وفقدنا دورَنا وجامعتَنا ومستشفانا واقتصادنا ومالنا، وثقافتنا وحضارتنا، حتى وصلنا إلى جهنّم، الوعد الوحيد الذي صدقوا فيه. الزمن زمن انتخابات، وانتخابات ليست كالانتخابات، فمصير لبنان على المحكّ.

وكما كان يهوذا تلميذاً ليسوع، فكلّنا أبناء لبنان، والأعداء بوطننا طامعون، فلمن سنعطي صوتنا؟ لمحورٍ يُكمل بنا وبوطننا نزولاً في جهنّم التي لا قعر لها؟ أو لفكرٍ سياديٍّ ونهج سياديّ يعيد إلى لبنان رونقه وعزّه وازدهاره؟

الارتهان مثل الخيانة. قبلة يهوذا الاسخريوطي كان ظاهرها الحبّ وكان باطنها الخيانة. الارتهان ظاهره استعادة دور المسيحيّين وباطنه تسليم الوطن وقراره للخارج. الخيانة ثمنها ثلاثون من الفضّة، الارتهان ثمنه سلطة وثروة وتوريث. خيانة الاسخريوطي كانت نتيجتها الآلام وصلب يسوع.

لا تخونوا تاريخنا، لا ترهنوا ذواتكم، كفى شعبنا آلاماً، لا تصلبوا لبنان. يهوذا صَحَا ضميره، فشنق نفسه على شجرة تين، كانت الصحوة متأخرة، وكان فات الأوان.

MISS 3