كولوم لينش

الاتفاق النووي الإيراني الذي لم يُبصر النور

15 نيسان 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

مباحثات حول الإتفاق النووي الإيراني
تتراوح المحادثات المرتبطة ببرنامج إيران النووي بين النجاح والفشل منذ أشهر، ما يمنع المحللين من طرح توقعات دقيقة حول النتيجة النهائية. قد يفيد أي اتفاق محتمل واشنطن (ستزيد القيود التي تسمح بإبطاء التقدم النووي الإيراني) وطهران (ستحصل على مصدر جديد للأموال وتستعمله لدعم جزءٍ من نشاطاتها المشينة، بما في ذلك تمويل عملائها الإقليميين في "حزب الله" وجماعة الحوثيين). لكن سيكون هذا النوع من الصفقات محفوفاً بالمخاطر السياسية، وهذا ما يفسّر صعوبة أن يتقبّله الطرفان.

يقول علي فائز، خبير في "مجموعة الأزمات الدولية" وداعم للاتفاق انطلاقاً من قناعته بأن نسبة عقد الصفقة الجديدة تبلغ 50%: "يجب أن يقرر المعنيون أيهما الأهم: تخصيب اليورانيوم أم اغتناء إيران؟ سيكون هذا الاتفاق أفضل من الخيارات البديلة الأخرى إذا كان تخصيب اليورانيوم أهم عامل مؤثر. لكن إذا كان مصدر القلق الأساسي يتعلق باغتناء إيران، من الأفضل ألا يحصل الاتفاق".

تهدف المحادثات النووية المستمرة إلى إعادة إحياء "خطة العمل الشاملة المشتركة": عُقِد هذا الاتفاق المهم في العام 2015 وقد خفّف وطأة العقوبات على إيران مقابل التزام البلد بتقييد برنامجه النووي والتأكد من عجزه عن تصنيع سلاح نووي على المدى القريب. لكن انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق في أيار 2018 وفرض عقوبات إضافية على طهران. وبعد سنة، بدأت إيران تُكثّف نشاطاتها النووية، فانتهكت بذلك شروط الاتفاق الأصلي وخفّضت "فترة الاختراق" التي تحتاج إليها لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية وتصنيع قنبلة واحدة من سنة إلى بضعة أسابيع.

إلتزمت إدارة بايدن من جهتها بالانضمام إلى "خطة العمل الشاملة المشتركة" شرط أن تُجدّد إيران التزامها بالاتفاق، وأعادت إطلاق مفاوضات غير مباشرة مع إيران في نيسان 2021. شملت تلك المحادثات ممثلين من الإدارات الإيرانية المتعاقبة وكادت تكتمل في الشهر الماضي. لكنها عادت وتباطأت منذ ذلك الحين، لا سيما بعد مطالبة روسيا حديثاً بإعفاء البلد من العقوبات المفروضة على موسكو رداً على غزوها لأوكرانيا. تبقى روسيا جهة مهمة في الاتفاق النووي لأنها الدولة الوحيدة المستعدة أو القادرة على تفريغ اليورانيوم الإيراني حتى الآن.

وبسبب تباطؤ المحادثات، عاد المفاوضون من أبرز الدول الموقّعة على الاتفاق النووي أدراجهم (الصين، فرنسا، ألمانيا، روسيا، بريطانيا، الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي الذي يُسهّل مسار المحادثات). برزت عوائق عدة في المرحلة الأخيرة، فقد طالبت إيران مثلاً بشطب الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية الخارجية وتقديم بعض الضمانات لمنع إلغاء الاتفاق إذا وصل الجمهوريون إلى السلطة في الولايات المتحدة. يقال إن إدارة بايدن كانت تفكر بحذف الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، على أن يبقى خاضعاً لمجموعة منفصلة من العقوبات، لكن أنتجت هذه الخطوة ردة فعل قوية في واشنطن وإسرائيل ودول الخليج. لم يتضح بعد مدى استعداد الولايات المتحدة لتنفيذ هذا القرار.

لطالما ادّعت إيران أنها لا تنوي تطوير أسلحة نووية، بل إن برنامجها النووي يهدف إلى تأمين مستقبل البلد في قطاع الطاقة. لكن طوّرت إيران برنامجاً سرياً لتصميم رأس حربي مُعدّ لتصنيع سلاح نووي. استنتجت الاستخبارات الأميركية لاحقاً أن إيران أوقفت عملها في مجال الأسلحة النووية، لكن لم تتجاوب الحكومة الإيرانية بعد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي طالبتها مراراً بتوضيح مسائل معينة حول برنامجها النووي.

على صعيد آخر، من المستبعد أن يمنع الكونغرس الأميركي تنفيذ الاتفاق. عبّر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، السيناتور الديمقراطي تشاك شومر، عن دعمه للمحادثات هذه المرة مع أنه كان يعارض الاتفاق النووي الأصلي. وأيّد السيناتوران الديمقراطيان كريس ميرفي وإيد ماركي عقد اتفاق مماثل أيضاً. أكد ماركي أمام الكونغرس على عدم وجود بديل أفضل من إعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، واعتبر أن سياسة الضغوط القصوى التي أطلقها ترامب رفعت مستوى التخصيب لأقصى حد ووضعت الولايات المتحدة على مسار خطير قد يوصلها إلى الحرب.



ريتشارد غولدبيرغ


قد تتأثر واشنطن سلباً بانهيار المحادثات إذاً. يعني ذلك أن يعجز المجتمع الدولي عن مراقبة تقدّم البرنامج النووي الإيراني وأن تقع مواجهة عسكرية محتملة مع طهران. تتزامن هذه الظروف كلها مع محاولات الغرب إيجاد مصادر جديدة للنفط والغاز للتعويض عن تراجع الصادرات الروسية نتيجة العقوبات التي يواجهها البلد بعد غزو أوكرانيا. بالنسبة إلى طهران، يعني فشل الاتفاق خسارة عائدات نفطية وأموال مجمّدة بقيمة مليارات الدولارات. قد تلجأ فرنسا وبريطانيا على الأرجح إلى البند الذي يشمله الاتفاق النووي الأصلي ويعيد فرض مجموعة كبيرة من عقوبات مجلس الأمن على ترسانة الأسلحة النووية والصواريخ البالستية الإيرانية من دون السماح للدول الأعضاء باستعمال حق النقض.

برأي المعسكر الذي يفضّل التخلي عن الاتفاق أو إعادة التفاوض على اتفاق أقوى، قد تتشجع إيران على تنفيذ نشاطات أكثر سوءاً، بما في ذلك استخدام برنامج الصواريخ البالستية الذي يتابع تقدّمه تزامناً مع الجهود الدبلوماسية في الملف النووي. انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، الاتفاق الناشئ وتوقّع أن يكون أضعف من الاتفاق الأصلي، وحذّر من انتهاء صلاحية عدد من بنوده الأساسية خلال العقد المقبل، ما يعني تسريع المساعي الإيرانية لتخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية.

أضـــاف بينيت: "بنظر إسرائيل وجميع القوى التي تسعى إلى ترسيخ الاستقرار في الشرق الأوسط، قد يزيد الاتفاق الناشئ، بشكله الراهن، منسوب العنف والاضطرابات في الشرق الأوسط".

لكن امتنع بينيت عن إطلاق النوع نفسه من الحملات الاستفزازية والعلنية التي دفعت سلفه بنيامين نتنياهو إلى إلقاء خطاب عالي اللهجة أمام الكونغرس الأميركي في محاولةٍ منه لكبح أهم مبادرة دبلوماسية أطلقها الرئيس باراك أوباما في منطقة الشرق الأوسط.

يعترف داعمو الاتفاق من جهتهم بأن الوضع لن يكون مثالياً، لكنهم يعتبرون الخيار البديل أسوأ منه، ما يعني تراجع القيود المفروضة على النشاطات الإيرانية النووية واحتمال نشوء مواجهة واسعة أو حتى اندلاع الحرب بين الطرفَين. هم يعتبرون حملة الضغوط القصوى التي أطلقتها إدارة ترامب فاشلة بامتياز، فهي منحت طهران غطاءً سياسياً لمنع أي مراقبة دولية وأعطت النظام مخزوناً أكثر خطورة من اليورانيوم عالي التخصيب. هذه العوامل كلها قرّبت البلد من تصنيع القنبلة المنشودة.

في هذا الإطار، صرّح الجنرال كينيث ماكينزي، رئيس القيادة المركزية الأميركية في تلك المرحلة، أمـــام الصحافيين في منتصف شهر آذار: "نحن لا نريد أن تحصل إيران على سلاح نووي. ولتحقيق هذا الهدف، تقضي أفضل طريقة على الأرجح بالتفاوض على الحل المناسب. هذا النهج لن يعالج المشاكل الأخرى التي تشوب تحركات إيران في الشرق الأوسط، ولا أظن أن أحداً في الحكومة الأميركية يغفل عن هذه الحقيقة. لكن إذا تخلصنا من مشكلة الأسلحة النووية، ستتلاشى مخاوفنا من مخاطر هذه الأداة القوية".

كان ريتشارد غولدبيرغ مستشاراً في مجلس الأمن القومي خلال عهد ترامب وكُلِّف حينها بتنفيذ الحملة المعادية لإيران. هو لا يتقبّل الانتقادات التي تؤكد على فشل سياسة الرئيس السابق في احتواء إيران، فيقول: "أنا أرفض الفكرة القائلة إن حملة "الضغوط القصوى" فشلت. صعّدت إيران مواجهتها ضد الولايات المتحدة بعد انتخاب الرئيس جو بايدن، فكثّفت تخصيب اليورانيوم ودعمت عملاءها الذين يهاجمون الأميركيين والقوات الحليفة لهم في المنطقة. نحن لم نفرض ضغوطاً قصوى منذ كانون الثاني 2021".

وفق شروط الاتفاق النووي المبرم في العام 2015، لم يُسمَح لإيران إلا بإنتاج اليورانيوم منخفض التخصيب الذي يحتوي على 3.67% من اليورانيوم-235، أي المادة الانشطارية المستخرجة من اليورانيوم الطبيعي لتوليد الطاقة الكهربائية. بعد سنة على انسحاب ترامب من الاتفاق، بدأت إيران تزيد مخزون اليورانيوم المُخصّب، فارتفع إلى 4.5% من اليورانيوم-235، كما أنها استعملت أجهزة طرد مركزي أكثر تقدّماً وقادرة على تسريع نشاطات التخصيب المحلية، بما ينتهك بنود الاتفاق الأصلي. أعلنت إيران في البداية أن مستوى التخصيب يبلغ 20% من اليورانيوم - 235 في كانون الثاني 2021، تزامناً مع نهاية عهد ترامب. لكن بدأت طهران منذ ذلك الحين تُخصّب حتى 60% من اليورانيوم - 235، ما يعني أنها على بُعد خطوة تقنية صغيرة من تخصيب 90% من اليورانيوم - 235، وهو المستوى المطلوب لتصنيع الأسلحة.

يقول هنري روم، محلل للشؤون الإيرانية في "مجموعة أوراسيا"، إن إبرام اتفاق نهائي واعتباره إنجازاً دبلوماسياً مثالياً يزداد صعوبة اليوم، لكنّ معارضي الاتفاق في الكونغرس لا يملكون الأصوات اللازمة لإلغائه.

يضيف روم: "تبقى المخاطر الإقليمية قائمة في جميع الظروف. سيحصل الإيرانيون على موارد جديدة وكبيرة، وسيصل جزء منها إلى عملائهم في المنطقة. لكني لا أتوقع أن تصبح هذه النتيجة من أهم المسائل التي تؤثر على الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة. قد يظن محللو الشأن الإيراني أن هذا الملف هو محور الكون، لكن تتراجع الأدلة التي تثبت أن الناخبين سيأخذون هذا الموضوع على محمل الجد".


MISS 3