ريتا ابراهيم فريد

ورشة تدريبية لفرقة "فحم"...

حين يصبح العمل المسرحي وسيلة للصمود

15 نيسان 2022

02 : 00

أعضاء فرقة "فحم" خلال التدريبات الأسبوعيّة

المكان هُنا واسع للحلم. وجوه مشرقة لفتيان وفتيات من مختلف الأعمار، يتطلّعون الى غدٍ أقوى من العتمة التي تمرّ بها البلاد. يصرّون على تصحيح أخطاء الأجيال السابقة، ويقرّبون المسافات بينهم. يحطّمون الحواجز، ويصقلون مواهبهم بإبداع وتميّز. يرتفع صدى أحلامهم عالياً، الى حيث بداية الضوء، نحو الأمل الأكبر.

في قاعة كبيرة بجدران زجاجية تطلّ على وسط مدينة زحلة، أجواء لافتة من الفرح تسكن المكان. ديكور بسيط، لكنّه أنيق وجميل. قناع مسرحي معلّق على الحائط، الى جانب صور وملصقات عن المسرح، وفي الجهة الأخرى يطلّ شارلي شابلن.

هُنا يجتمع أسبوعياً هواة المسرح الصغار، أعضاء فرقة "فحم"، الذين يشاركون في ورشة عمل تدريبية في التمثيل المسرحي. الإسم مستوحى من الأحرف الثلاثة الأولى لأسماء المسرحيّين الذين أسّسوا الفرقة: فاطمة بزّي، حمزة عبد الساتر وماريان صلماني.

خلال التمرينات، يجلس المدرّبان حمزة وماريان على كرسيين بانتظار دخول الطلاب الى وسط القاعة. يشغّل حمزة الموسيقى على هاتفه. يتقدّم عدد من الأولاد، ويقدّمون مشهداً إيحائياً صامتاً. يتفاعلون مع حركات أجسادهم وتعابير وجوههم بحسب إيقاع الموسيقى.

يقدّمون بعدها "اسكتش" يتضمّن حواراً بينهم. تتدخّل ماريان، وتتوجّه لإحدى الفتيات بلهجة لطيفة ومشجّعة: "إنتي وعم تقولي هيدي الجملة، مثليها. خلّينا نشوفك عم تعمليا". تعيد الشابة تمثيل المشهد بنجاح. ينتقلون الى بعض المواقف الكوميدية، ثمّ تصفيق وضحك.



أعضاء فرقة "الفحم" خلال البروفة قبل تقديم مسرحيّة "نحنا وهني شي"



يشير حمزة في حديثه معنا الى أنّ الهدف الأساسي للفرقة كان الوصول الى اللامركزية في المسرح، ويوضح: "منذ صغرنا، كنا نلمس صعوبةً كبيرة في إطلاق عمل مسرحي ضمن البقاع، في مقابل صعوبة أكبر في التوجّه الى العاصمة. يوجد هُنا الكثير من الطاقات المميّزة، ومن الضروري منحها فرصة للعمل المسرحي وتقديم العروض في البقاع".

لا بدّ من الإشارة الى أنّ الفرقة كانت قد قدّمت عرضاً مسرحياً في كانون الأول الماضي على خشبة مسرح الكلية الشرقية في زحلة، وكان عبارة عن عدد من المشاهد الصغيرة، بعض منها كتبه الطلاب بأنفسهم، وعبّروا فيه عن هواجسهم وأحزانهم وأمور تقلقهم، تحت عنوان "نحنا شي وهنّي شي".

تفريغ لضغوطات الحياة اليومية


خلال زيارتنا لمكان التدريب، أجرت "نداء الوطن" دردشة صغيرةً مع عدد من أعضاء الفرقة، حول سبب اختيارهم للمسرح كوسيلة للتعبير. وفي هذا الإطار، أشار كارلوس غاريوس الى أنّ التمرينات المسرحية غيّرت كثيراً في شخصيته، وساعدته على التواصل مع الآخرين بطريقة أفضل. وقال: "نحن لا ندرس التمثيل من أجل الصعود الى خشبة المسرح فقط، بل نتلقّى أموراً من شأنها أن تساعدنا في حياتنا اليومية. هُنا نضحك وهُنا نبكي وهُنا نتسلّى. وهُنا لدينا الحرية الكاملة للتعبير عن كلّ ما نريد. وبالتالي نفرغ كل الضغوطات التي نواجهها خلال الأسبوع".

نور أبو خضر التي تتابع دراستها الجامعية في الصيدلة، تقول: "منذ صغري كنتُ أسأل نفسي "شو موهبتك؟". مشيرةً الى أنّ الجميع يمتلك موهبة في داخله، لكنّها أحياناً تستغرق وقتاً كي تظهر. لذلك أعطت نفسها فرصةً للمشاركة في التمارين المسرحية، أملاً بتنمية هذه الموهبة، علماً أنّها في السابق لم تكن تفكّر في هذا الموضوع، لا سيّما وأنّ اختصاصها الجامعي بعيد جداً عن هذا المجال، لكن "كتير عم لاقي حالي هون"، حسب قولها. هذا وتؤكّد سيلا نبها أنّ التمثيل يخلّصها من الحزن ويحوّله الى فرح. تشاركها في ذلك زميلتها بتول العزير، لافتةً الى أنّ نصائح المدربين تساعدها على تطوير الطاقات الموجودة في داخلها. أما شربل دحروج فيشدّد على أهمّية طريقة التعبير التي ترتكز على حركات الجسد، التي من شأنها أن تُخرج الأحاسيس والانفعالات.

لا أحكام مسبقة


بدا لافتاً الجوّ العائلي الذي يغمر العلاقة بين المدرّبين وبين الطلاب، الذين باتوا ينتظرون بشوق قدوم يوم السبت كي يلتقوا بزملائهم خلال التمرينات. وفي هذا الإطار، تؤكّد ماريا شابّين: "هون عيلتي التانية، وناس كتير بيتفهّموني. من خلال المشاهد اللي عم نمثلها، قدرت عبّر عن إشيا كانت تزعجني وتخلصت منها. ونحنا كلنا هون دعم لبعضنا". أما لورين نبها التي كانت التدريبات بالنسبة لها مجرّد تسلية في البداية، فباتت اليوم مصدر راحة، حيث تشعر أنها موجودة وسط عائلتها. توافقها الرأي هايا حمصي، مشدّدة على أنّ لا أحكام مسبقة على أي أحد هُنا، ويمكن للجميع أن يعبّر بحرّية تامة.

من جهته، يشير سمير فريد الى أنّ التدريبات ساهمت بإبراز الشخصيات بشكل أقوى. وهذا ما يمكن ملاحظته بالتقدّم السريع الذي أحرزه المتدرّبون بعد انتقالهم الى الـ"Level 2". كما تحدّث عن أهمية العلاقة التي تجمعهم كفريق: "كل حدا إلو دور. في ناس شاطرة بالديكور، ناس مبدعة أكتر بالتمثيل، ناس بتلمع بالكتابة. وكلنا منكمّل بعض حتى نقدّم عرض حلو".



كسرنا حاجز الخوف


لا شكّ في أنّ المسرح بشكل عام من شأنه أن يعزّز الثقة بالنفس. الأمر الذي أشار إليه جورجيو ريا حين قال: "بتّ أناقش بطريقة أفضل، وأطالب بحقّي أكثر. وحين صعدتُ الى خشبة المسرح ووقفتُ أمام الناس، شعرتُ بأنّي كسرتُ حاجز الخوف".

أما لويس شابين فيقول: "كنت شوي إستحي، بس هلق تغيّرت. بحبّ طوّر موهبتي وبس إكبر أكيد رح إدرس تمثيل". هذا وتؤكّد سيلين فريد أنّها لم تعد تشعر بالخجل، وتقول: "حين أصعد الى المسرح صرت إقدر عبّر أكتر عن يلي بدي قوله".

في هذا الصدد، لفتت جاين حوراني الى أنّ هناك تمرينات خاصة تلقّوها في بداية ورشة العمل، من شأنها أن تساعد على تعزيز الثقة بالنفس. إضافة الى ذلك، صرّح علي دلباني قائلاً: "في المسرح نجسّد شخصيات مختلفة عن شخصيتنا الحقيقية. ويمكننا من خلال ذلك أن نتخلّص مما يزعجنا ونطلقه في الشخصية التي نجسّدها. وفي المقابل، أحياناً تظهر على المسرح شخصيّتنا الحقيقيّة التي نعجز عن أن نظهرها للناس".

"مشلّشين في هذه الأرض"

وسط كل التخبّطات السياسية المترافقة مع الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها معظم اللبنانيين، لا بدّ من الإشادة بالدور الذي يقوم به هؤلاء الشباب، الذين اختاروا الثقافة والفنّ عنواناً أساسياً للصمود.

وفي هذا السياق تقول المدرّبة ماريان صلماني: "هؤلاء الشبان والشابات هم أملنا الوحيد. هُنا يجتمعون من مختلف المناطق والبيئات والطوائف والخلفيات. لكنّهم في الوقت نفسه قادرون أن يلتقوا ويتناقشوا في كل المواضيع التي تخطر في بالهم، وأن يقدّموا عرضاً مسرحياً ناجحاً".

وعن سبب الإصرار على البقاء في لبنان، توضح ماريان: "كانت أمامنا فرص عدّة للهجرة. لكننا متعلّقون بهذه الأرض"، ثم تردف ضاحكة: "مشلّشين هون". يوافقها حمزة عبد الساتر الرأي ويستطرد قائلاً: "حتى الآن لدينا أمل، وأتمنّى ألّا نندم. لكنّنا سنحارب".


MISS 3