عقيل شاه

عهد عمران خان ينتهي بطريقة فوضوية

20 نيسان 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 05

عمران خان مع رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ في بكين
في 10 نيسان، وصل عهد رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان القائم منذ أكثر من ثلاث سنوات إلى نهاية مباغتة. إنهارت حكومته بعد حجب الثقة عنها، علماً أن هذا النوع من التصويت يُعتبر أداة إجرائية نموذجية في الديمقراطيات البرلمانية لإقالة رؤساء الحكومات، بعد خسارتهم أغلبية المقاعد في المجلس التشريعي. لكنها كانت المرة الأولى التي يسقط فيها رئيس الحكومة في باكستان عبر إجراء دستوري، لا انقلاب عسكري أو حُكم قضائي. أنهى هذا التصويت أزمة سياسية سبّبها إصرار خان على رفض تسليم السلطة والتحايل على أي محاولات للتحقق من طريقة استعماله لمنصبه وسلطته.

لا يمكن اعتبار إسقاط حكومة خان انتصاراً مطلقاً للديمقراطية الباكستانية، بل إنه يثبت قدرة الجيش الدائمة على توجيه السياسة المحلية. إتكل خان على الجنرالات الباكستانيين للوصول إلى السلطة في العام 2018. شعر الجنرالات حينها بالاستياء من أبرز حزبَين سياسيّين في البلد، لذا دعموا خان، لاعب الكريكت السابق الذي أسّس حزبه الخاص قبل عشرين سنة. لكن بعد أربع سنوات من سوء إدارة الاقتصاد، وتهميش حلفاء خارجيين مثل الصين والولايات المتحدة، وتلاحق الخلافات مع الجيش، قرر الجنرالات أن وقت خان انتهى. تشكّلت حكومة ائتلافية مدنية جديدة بدل حكومة خان، لكن سيبقى الجيش الحَكَم السياسي النهائي في البلد.

يشير سقوط خان إلى نهاية النظام الهجين والغريب الذي يسمح لرئيس الوزراء بحُكم البلد تحت إشراف الجنرال قمر جاويد باجوا، قائد الجيش الباكستاني. وصل خان إلى السلطة في العام 2018 بعدما أقدمت وكالة الاستخبارات الباكستانية، وفق بعض التقارير، على التلاعب بالانتخابات لمنع "الرابطة الإسلامية الباكستانية" (حزب يميني وسطي برئاسة سلف خان، نواز شريف) من تحقيق الفوز. كانت حكومة خان تتكل بشكلٍ شبه كامل على دعم الجيش عن طريق وكالة الاستخبارات الباكستانية. في لحظات حاسمة، هددت هذه الوكالة السياسيين في المعارضة وشجّعتهم على مساعدة خان للاحتفاظ بأغلبية المقاعد في البرلمان. لم يواجه هذا النظام معارضة واسعة، إذ لطالما قمع منتقديه في وسائل الإعلام، وأخاف الناشطين السياسيين، واعتقل أشرس قادة المعارضة، لا سيما أولئك المنتمين إلى "الرابطة الإسلامية الباكستانية" بعد اتهامهم بالفساد من دون أدلة مثبتة.

لكن بدأ التحالف بين خان وباجوا يتصدع لاحقاً بسبب سوء الأداء الاقتصادي واستمرار تُهَم الفساد. أطلق خان وعوداً مفرطة وتعهد بإنشاء باكستان "جديدة" وطرح نظريات تنموية غريبة، تزامناً مع اعتبار مشاريع البنية التحتية التي أطلقتها الحكومة السابقة جزءاً من إنجازاته.

كان خلاف خان العلني مع باجوا كفيلاً بتشجيـــع المعارضة، في بداية شهر شباط، على توحيد صفوفها لمحاولة إقالة رئيس الوزراء عبر حجب الثقة عنه بمساعدة شركائه المستائين في الائتلاف وعدد من المنشقين عن حزبه. واجه خان ضغوطاً شديدة من المعارضة وخسر الأغلبية في البرلمان، فهاجم خصومه بأسلوب شعبوي نموذجي واعتبرهم أعداء الشعب واتّهمهم بالمحاصصة ووصفهم بـ"اللصوص" و"الجرذان". أعلن الجيش نيّته البقاء على الهامش، لكن سخر خان علناً من حياديته المزعومة (قال إن "الحيوانات وحدها تكون حيادية"!) واعتبرها شكلاً من الخيانة. وفي محاولة أخيرة لإنقاذ حزبه من الانهيار، طلبت حكومة خان من المحكمة العليا حرمان النواب الذين يتركون حزبهم من تولي مناصب عامة طوال حياتهم. لكن لم تصدر المحكمة العليا قراراً حاسماً بعد ولا تزال القضية عالقة.

لكن لجأ خان اليائس إلى مناورة شعبوية معروفة أخرى حين تخلى عنه الجنرالات ورفض القضاة مجاراته، فاتّهم المعارضة بالتواطؤ مع "قوة خارجية" لإقالته من منصبه. لوّح خان بورقة بيضاء خلال تجمّع لمناصريه عشية تصويت حجب الثقة، وادعى أنه يملك وثيقة تثبت أن حكومة أجنبية هدّدته مباشرةً لأنه يطبّق سياسة خارجية مستقلة. ثم رفع خان سقف مواقفه عبر إطلاق اتهامات علنية، فوجّه أصابع الاتهام إلى البيت الأبيض صراحةً. خاطب خان قادة الأحزاب وتكلم عن وثيقة يذكر فيها السفير الباكستاني لدى الولايات المتحدة أن دونالد لو، مساعد وزير الخارجية الأميركي في مكتب شؤون جنوب ووسط آسيا، حذّره من مواجهة عواقب وخيمة إذا بقي خان في السلطة. كانت واشنطن قد سئمت على الأرجح من سياسات خان المعادية لها، لا سيما تقرّبه المتزايد من روسيا ورفضه نشر أي قواعد أميركية للطائرات المسيّرة على الأراضي الباكستانية وفق معلومات أحد مساعديه المقرّبين.

لطالما استعمل خان خطابات معادية للولايات المتحدة لتحقيق غايات شعبوية محددة، فطرح نفسه كزعيم باكستاني أصيل وسخر من خصومه واعتبرهم "عبيداً للأميركيين". كانت علاقة خان مع الرئيس السابق دونالد ترامب ودّية، لكنه امتعـض من امتناع الرئيس جو بايدن عن الاتصال به بعد استلامه السلطـــة في كانون الثانــــي 2021. أدت مزاعمه المفرطة حول وجود مؤامرة ضده إلى تعميق البرود الدبلوماسي في العلاقات الثنائية بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

لكن لم تُغيّر مواقف خان المعادية للولايات المتحدة الوضع داخل المجلس الوطني الباكستاني حيث تفكك ائتلافه بسبب انشقاق شخصيات بارزة عنه. حين واجه خان شكلاً من الهزيمة، حاول فرض انتخابات مبكرة. رفض نائب رئيس مجلس النواب الموالي لخان خطوة المعارضة "المدعومة من الخارج" لحجب الثقة، وقرر الرئيس عارف علوي الموالي لخان أيضاً حل المجلس الوطني تمهيداً لإجراء انتخابات برلمانية جديدة. لكن تدخّلت المحكمة العليا واعتبرت هذه الخطوات غير دستورية وسمحت بحصول تصويت حجب الثقة.

بذل خان قصارى جهده للتمسك بمنصبه، حتى أنه دفع رئيس المجلس الموالي له إلى تأجيل الجلسة البرلمانية المخصصة لتصويت حجب الثقة مراراً، ثم هدّد بدعوة الجيش إلى استلام السلطة. ذكرت تقارير إعلامية أن خان كان مستعداً لطرد باجوا واستبداله بالجنرال فايز حميد، حليفه الذي كان يطمح لاستلام قيادة الجيش. لكن تذكر قناة "بي بي سي" أن خان تراجع عن هذه الخطوة بعد لقاء مشحون جمعه مع كبار المسؤولين العسكريين. ثم حصل التصويت أخيراً وأقالت المعارضة خان واستبدلته بشهباز شريف، رئيس "الرابطة الإسلامية الباكستانية"، فترأس هذا الأخير ائتلافاً واسعاً لا يقتصر على أعضاء من الرابطة بل يشمل أيضاً "حزب الشعب الباكستاني" (حزب يساري وسطي شَغَل بعض المناصب في العقود الأخيرة) وعدداً من المجموعات الأصغر حجماً.

بدل الطعن بالتصويت، قرر خان وحلفــاؤه المتبقون الاستقالة من البرلمان، وهو يدعو مناصريه منذ ذلك الحين إلى معارضة "الحكومة المستوردة" عبر تنظيم الاحتجاجات، ما يزيد احتمال أن تستمر الاضطرابات السياسية في البلد. يلوم مؤيدو خان السلك القضائي والجيش على إقالته. في النهاية، اضطر الجيش لتوحيد صفوفه ونفي مزاعم خان حول وجود مؤامرة ضد البلد بعد تلاحق الاحتجاجات في الشارع والهجوم المستهدف ضد باجوا ورئيس وكالة الاستخبارات الباكستانية على مواقع التواصل الاجتماعي (كان هاشتاغ#باجوا_خائن من أكثر المواضيع تداولاً على تويتر لأيام عدة).

ســـــراب ديـــــمـــــقـــــراطـــــي؟

تحمل المحكمة العليا الباكستانية سجلاً متقلباً، فهي معتادة على تشريع الانقلابات العسكرية مثلاً، لكن قد يشير قرارها المرتبط بحماية الدستور إلى انتصار حُكم القانون في باكستان. قد يبدو نجاح المعارضة في إسقاط خان فوزاً ديمقراطياً نادراً في بلدٍ معتاد على الانتكاسات الديمقراطية. ظاهرياً على الأقل، يعكس رحيل خان نهاية النظام الهجين الذي أسّسه الجيش ويتراوح بين الديمقراطية والدكتاتورية، حيث يحكم الجيش وراء واجهة مدنية ظاهرية هشة منذ العام 2018. لكن أدى خطاب خان الشعبوي السام إلى تعميق الانقسامات داخل البلد.

يواجه شريف تحديات صعبة، أبرزها إعادة إحياء الاقتصاد الباكستاني المتعثر، وقد تزداد صعوبة هذه المهمة بسبب طبيعة تقاسم السلطة الشائكة في الحكومات الائتلافية. من المستبعد أن تكون علاقته مع الجيش مضطربة بقدر شقيقه الأكبر نواز الذي بدا أكثر صرامة في فرض سلطته الدستورية على الجيش حين كان رئيس الوزراء بين العامين 2013 و2017. يتعامل شهباز شريف مع العلاقات المدنية العسكرية في باكستان بطريقة أكثر اعتدالاً، انطلاقاً من قناعته القائلة إن الحكومات المدنية يجب أن تُشرِك الجيش في حُكم البلد. باختصار، من المستبعد أن يجازف بإثارة استياء الجنرالات.

لكن رغم إقالة خان، لن تتغير العلاقات الشائبة بين السلطة المدنية والجيش يوماً. لم تكن حيادية الجيش المزعومة خلال هذه الأزمة السياسية حقيقية بأي شكل، فهو دعم المعارضة بكل وضوح. وكانت ضغوط الجيش في اللحظة الأخيرة كفيلة بإقناع خان بأن وقته انتهى، ما يعني أن قوة الجيش، لا نتائج الانتخابات، هي التي أوصلت خان إلى السلطة ثم أخرجته منها.

لقد أصبح الدرس الذي يمكن استخلاصه من أزمة النظام الهجين واضحاً: أدى تدخّل الجيش في العمليات السياسية والقضائية إلى نشر الفوضى، وإضعاف حُكم القانون، ووقف تطور المؤسسات السياسية المستقلة التي تستطيع حُكم هذا النوع من المجتمعات متعددة الأعراق. أعلن الجيش أنه لا ينوي التدخّل في السياسة، لكن يصعب عليه التخلي عن العادات القديمة. في الوقت الراهن، من المتوقع أن يبقى الجيش على هامش الأحداث ويسمح للحكومة المدنية بمعالجة الأزمة الاقتصادية، وقد يقدّم المساعدة لإعادة العلاقات الثنائية الباكستانية المهمة إلى وضعها الطبيعي، بما في ذلك إصلاح علاقة البلد مع الولايات المتحدة وتهدئة المخاوف الصينية من تصاعد الاضطرابات في باكستان عبر إعادة إحياء أهم المشاريع الاقتصادية التي تباطأت في عهد خان. لكن يجب ألا يُشكك أحد بنزعة الجنرالات إلى متابعة السيطرة على السياسات المحلية وسياسة باكستان الخارجية، ما يعني أنهم مستعدون للتدخل في أي لحظة إذا شعروا بأن السياسيين يعجزون عن أداء مهامهم.


MISS 3