شكلت الإنتفاضة في بعلبك وملاقاتها المناطق اللبنانية كافةً مفاجأة لمن يعنيهم الأمر، حيث ظنّ البعض أن نار الثورة ستنطفئ بعد كلام الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، وأن الناس ستكون ليّنةً أمام التهديد والسموم التي تُبث لإبطال مفعول الحراك.
حراك بعلبك وإن كان يقتصر يومياً على العشرات من الشبان والشابات ولا يناهز المئات، إلا أن مفعوله أثمر وأوجع، وشكلّ صرخةً بوجه كل أحزاب السلطة بمن فيهم "حزب الله" و"حركة أمل" ثنائي القرار في بعلبك - الهرمل وممثلوها على مرّ عشرات السنين. وفيما يتقارب المشهد بين الجنوب والبقاع حيث الأغلبية من الطائفة الشيعية وتعتبر الإنتفاضة بوجه أداء ممثلي الطائفة، غير أنّ هتافات أهل البقاع على مرّ خمسة أيام لم تكن إلا وطنية بامتياز، ومطالب المحتجين محقة وممزوجة بحرمانٍ مزمن وإهمال أنتج صرخات منذ سنوات كانت تداوى بالتخدير من الأحزاب المسيطرة في المنطقة وسياسييها، ووعود تذهب أدراج الرياح بعد إمتصاص نقمة الناس.
على مرّ السنوات الماضية كان الشعار المطلبي للناس في بعلبك الهرمل دائماً وأبداً "الأمن والأمان" وبسط الدولة سلطتها على الزعران والعصابات الذين استباحوا المدينة وروعوا الآمنين فيها، فتنطلق بعدها الخطط الأمنية من دون أن تتمكن من توقيف أحد، حيث كان المطلوبون يتوجهون إلى سوريا إلى حين انتهاء المداهمات، وفي كثير من الأحيان إلى مراكز الحزب في جرود السلسلة الشرقية أيام الحرب مع تنظيمي "داعش" و"النصرة".
قبل يومين وقع إشكالٌ فردي إثر حادث سير تطور إلى اشتباك مسلح استمر حتى ساعات الصباح الأولى من فجر الإثنين، إستخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة والقذائف الصاروخية بوتيرةٍ لم يلحظها أهالي بعلبك في الفترات السابقة، وعلى الفور عمد المعتصمون إلى ترك ساحة الجبلي في بلدة دورس والتزام منازلهم خوفاً من الرصاص الطائش. وفي صباح اليوم نفسه أقام بعض أهالي المطلوبين وأعضاء من لجنة العفو العام خيمةً في وسط ساحة الجبلي حيث تقام الإعتصامات يومياً مطالبين بالعفو العام وتشريع زراعة الحشيشة، ما دفع الشبان الذين يشاركون يومياً إلى تأجيل تجمعهم حتى المساء تفادياً لأي صدامات بين الجهتين.
وعند مساء أمس وخلال تجمع الشباب والشابات وسط الساحة رافعين الأعلام اللبنانية ومطلقين شعارات تندد بالسلطة والفساد، إرتفعت صورة كبيرة للرئيس نبيه بري والسيد موسى الصدر على دوار الجبلي بعيدةً أمتاراً قليلة عن التجمع، رفعها أحد مشايخ عشائر المنطقة لإيصال رسالة مفادها أن الشعارات بوجه "أمل" وغيرها كما يحدث في الجنوب ممنوعة، وتؤدي إلى خلافات يعرف الجميع عقباها، لما لتلك العشيرة من باعٍ طويل في المشاكل والمظاهر المسلحة، ناهيك عن انتشار احد الفيديوات وهو يوثق قيام أهم المطلوبين بقطع الطريق في بعلبك مانعاً المرور.
شيطنة الحراك ومحاولة تحويل مساره وتجنباً للصدامات وإبتكار المشاكل، دفعت بالشباب إلى نقل الإعتصام صباح الثلثاء من دوار الجبلي إلى ساحة المطران مقابل قلعة بعلبك بروحيةٍ أكبر من ذي قبل وبشعارات تعبر عن طموحاتهم، فيما فتح الطريق الرئيسي في دورس أمام حركة السير.
لا خروج من الشارع في بعلبك رغم إقرار الورقة الإصلاحية في جلسة مجلس الوزراء أمس، حيث يؤكد المعتصمون أن طموحاتهم أكبر من أي إصلاح، فالمطلب الأساسي هو سقوط هذا النظام الفاسد بدءاً من رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة تشرف على إنتخابات نيابية مبكرة، أمّا مطلب الأمن فلا يزال الهم الأول والأخير لأبناء المنطقة الذي تنجح معه الإعتصامات وتحقق هدفها، وتنتعش معه بعلبك الهرمل.
وأشار مصدر متابع لمسار الإعتصامات والأحداث في بعلبك إلى أن "الخوف يلازم أبناء بعلبك بعد الأحداث التي وقعت، ويعتبر البعض أن الذي حدث هو أمر مدروس وممنهج لضرب الإعتصامات التي تحدث في المدينة ومنع أهاليها من رفع صوتهم بوجه الأحزاب المسيطرة في المنطقة وبوجه السلطة ككل".
وعصر امس شهدت بعلبك اعتصامين، الأول عند دوار الجبلي للمطالبة بالعفو العام حيث تم قطع الطريق بالاطارات والسيارات، والثاني في ساحة المطران مقابل القلعة حيث رفع المعتصمون الاعلام اللبنانية ويافطات تطالب بحقوقهم المعيشية وتطالب بإسقاط النظام الفاسد.