طريق طويل قبل الإعتراف بإبادة الشعب الأرمني

02 : 05

ما هي الإبادة الجماعية للأرمن؟

عاش أكثر من مليونَي أرمني ضمن حدود السلطنة العثمانية في مطلع القرن العشرين، فكانوا مسيحيين مقيمين في مجتمعٍ يطغى عليه المسلمون وتعرّضوا لحملات متعددة من الاضطهاد، فخسروا أراضيهم وارتُكِبت مذابح متقطعة بحقهم. بلغت حملات استهداف الأرمن ذروتها في العام 1915، فقد حاول القادة في السلطنة المتداعية لوم الأرمن وأقليات أخرى على الانتكاسات العسكرية.

في 24 نيسان 1915، اعتقلت الحكومة حوالى 250 مفكراً وقائداً أرمنياً ثم عادت وقتلت معظمهم في نهاية المطاف. خلال الأشهر اللاحقة، أطلق المسؤولون المدنيون والعسكريون حملة ترحيل جماعية من القرى الأرمنية. سيقت عائلات كثيرة نحو بادية الشام حيث ماتوا من الجوع أو من قلة المياه. ترافقت حملة التطهير هذه مع مذابح نفّذتها قوات غير نظامية أو سكان محليون وفق مصادر المؤرخين.

تتفاوت التقديرات المرتبطة بعدد الضحايا الأرمن بدرجة كبيرة، إذ تتراوح الأرقام التي يطرحها المؤرخون بين 700 ألف و1.2 مليون. أعلنت الحكومة الأميركية من جهتها أن مليوناً ونصف المليون أرمني ماتوا أو تم ترحيلهم. في المرحلة اللاحقة انتشر اللاجئون في جميع أنحاء العالم، وظهرت الجماعات الأرمنية في فرنسا، وروسيا، وأميركا الجنوبية، والشرق الأوسط، والولايات المتحدة.




أي عوائق حالت دون الاعتراف بإبادة الأرمن؟

في العام 1915، ركّزت معظم دول العالم على الحرب العالمية الأولى أكثر من اضطهاد الأرمن.

في تلك الفترة، لم يكن مصطلح «الإبادة الجماعية» موجوداً. لم يطرح المحامي المولود في بولندا، رافاييل ليمكين، هذه العبارة للدلالة على مقتل عدد كبير من الناس بهدف تدمير جماعة دينية أو عرقية كاملة إلا في العام 1943، علماً أن ليمكين كان قد خسر عشرات الأشخاص من أفراد عائلته خلال محرقة اليهود.

بدأ بعض الأرمن يستذكر الإبادة الجماعية علناً منذ العام 1919، لكن لم يتّضح عدد القتلى قبل مرور عقود عدة.

بدءاً من الستينات، تزامناً مع الذكرى الخمسين لعمليات القتل، بدأ الأرمن حول العالم يرفعون الصوت حول تلك المذبحة. راح الأرمن يحيون ذكرى ما اعتبروه «النكبة العظيمة» (Meds Yeghern)، ثم أصبح إقناع الحكومات بوضعها في خانة الإبادة الجماعية ركيزة أساسية من الهوية الأرمنية.

عارضت جمهورية تركيا، التي انبثقت من انهيار السلطنة العثمانية، تلك الجهود بكل ثبات وقوة. اعترفت الحكومة التركية بحصول أعمال وحشية، لكنها اعترضت على استعمال مصطلح «الإبادة الجماعية» على اعتبار أن القيادة العثمانية لم تأمر بارتكاب جرائم القتل ولم تطلق سياسة رسمية لإبادة الأرمن.

امتنعت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى عن استعمال هذا المصطلح لفترة طويلة خوفاً من إثارة استياء الحلفاء الأتراك. في العام 1985، رفض الرئيس رونالد ريغان تخصيص يوم 24 نيسان لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية رسمياً نظراً إلى الروابط الأميركية مع تركيا، وذلك رغم الاحتجاجات والضغوط من حاكم كاليفورنيا في تلك الفترة، جورج ديكمجيان الأميركي الأرمني.

استمر هذا التردد الأميركي على مر عهدَي باراك أوباما ودونالد ترامب. لكن في 24 نيسان 2021، اعترف الرئيس جو بايدن أخيراً بحصول الإبادة الأرمنية، فقال في أحد تصريحاته: «نحن نُكرّم ضحايا «النكبة العظيمة» كي لا تصبح أهوال ما حصل منسيّة في طيات التاريخ».





ما أهمية التأمين على الحياة للأرمن في السلطنة العثمانية؟

كان التأمين الغربي على الحياة شائعاً وسط الجماعات الأرمنية المضطهدة في بداية القرن العشرين لأنه يمنحها شكلاً من الأمان المادي الذي كان غائباً تحت الحُكم العثماني.

كانت السلطات تدفع الأرمن إلى حافة المجاعة، أو تستولي على ممتلكاتهم، أو حتى تقتلهم. لكن طالما يستفيدون من سياسات التأمين مع شركات تقع خارج حدود السلطنة العثمانية (في نيويورك، وباريس، ولندن، وبرلين)، كان عدد كبير من الأرمن يَطْمَئِنّ إلى حصول عائلاتهم على الإعالة والدعم.

تابع المُعيلون الأرمن السفر إلى القسطنطينية (اسطنبول المعاصرة) ومدن أخرى لدفع أقساط التأمين، تزامناً مع احتدام العنف ضدهم خلال السنوات التي سبقت الإبادة الجماعية.





ما سبب انحسار القضايا التي تطالب بتعويضات الإبادة الجماعية؟

رُفِعت قضايا مرتبطة بتعويضات الإبادة الجماعية في كاليفورنيا تحديداً بسبب قانون وقّعه حاكم الولاية غراي ديفيس في العام 2000.

يُعرَف هذا القانون باسم SB 1915، وهو يعيد إحياء قانون التقادم لضحايا الإبادة الجماعية الأرمنية أو وَرَثتهم ويمنحهم حتى العام 2010 كي يتابعوا المطالبة بأموال التأمين غير المدفوعة في محاكم كاليفورنيا.

بعد تمرير القانون، واجهت شركات التأمين في الولايات المتحدة وأوروبا وابلاً من الدعاوى الجماعية من الناجين وعائلاتهم. وافقت شركتا التأمين New York Life وAXA (مقرها باريس) على دفع ملايين الدولارات، لكن رفضت شركات أخرى هذه التسوية. حاولت شركة التأمين الألمانية العملاقة Munich Re إسقاط دعوى جماعية ضدها. اعتبرت هذه الشركة أن قانون ولاية كاليفورنيا، الذي يطرح مساراً واضحاً للتعويض عن ضحايا الإبادة الجماعية الأرمنية، يتعارض أو ينسف الموقف الأميركي القديم والمثير للجدل الذي يرفض الاعتراف رسمياً بحصول إبادة جماعية.




في العام 2012، وافقت محكمة استئناف فيدرالية على رأي شركة Munich Re واستنتجت أن قانون الولاية يتطفل على الصلاحيات الفيدرالية في ملف خلافي من الشؤون الخارجية.

هذا القرار أنهى بشكلٍ مفاجئ أي فرصة لتحميل شركات التأمين والبنوك مسؤولية سوء معاملة ضحايا الإبادة الجماعية، طالما ترفض الحكومة الفيدرالية الاعتراف بحصولها.

لكن بعد اعتراف بايدن بالإبادة الجماعية في السنة الماضية، يفكّر بعض المحامين برفع سلسلة جديدة من الدعاوى.