بشارة شربل

"قطيع" المودعين

22 نيسان 2022

02 : 00

لنتصوّر برهة أن المودعين الفرنسيين تعرّضوا لعملية سرقة موصوفة طاولت واحداً أو اثنين في المئة من مدَّخراتهم، ماذا يكون ردّ فعلهم؟

إستناداً الى ما اعتدناه من وعي الشعب الفرنسي وتاريخ أحزابه ونقاباته ونضالاتها، كنا لنشهد على الأرجح تظاهرات حاشدة تعمّ فرنسا متزامنةً مع عنفٍ ثوري تجعل احتجاجات "السترات الصفر" مجرّد "لعب عيال"، وربما استعدنا "أيار 68" أو أكثر بقليل أو كثير.

يصحّ تعميم ما نورده عن فرنسا على أي شعب تمرَّس بالحرية، ويميز بين سلطة جائرة وحقوق مواطنين ويعرف كيف يُسقط الفاسدين في الشارع أو يحاسبهم عند أي استحقاق انتخابي. المثل الفرنسي صائب تحديداً كون باريس "متورطة" بالشأن اللبناني، ليس لأسباب تاريخية فحسب، بل لأنها، وبعد تفجير 4 آب، وضعت ثقلها لمساعدة اللبنانيين، وهي تزيل حالياً ركام مبادرة الرئيس ماكرون لتستنهض تنسيقاً يسدّ رمق الناس، ولتسعى الى تسوية جديدة تفرض "هدنة وطنية" موشَّاة برعاية دولية.

لن نتحدّث عن القضاء الفرنسي وما كان سيفعله بحاكم مصرفه المركزي وعصابة المصرفيين ومَن تواطأ معهم من السياسيين الأوغاد. لكن ما دمنا في سياق الافتراض، فإن موضوع المودعين كان بالتأكيد ليكون موضوع المناظرة الوحيد بين مرشحَين لرئاسة فرنسا، ولَما تداول المجتمع الفرنسي بنسبة "الهيركات" على الودائع وبمستقبل زعيمٍ موالٍ للمحور الممانع أو أي وريث وقح راغب في الاسترئاس، بل بكيفية استعادة المسروقات وتشديد العقوبات على المجرمين لجعلهم فاقدي الأهلية والحقوق المدنية مدى الحياة.

كثرٌ شاهدوا أو تابعوا مساء الأربعاء الحوار الذي شاركت في ادارته صحافية مميزة من أصل لبناني. كان المرشحان ماكرون ومارين لوبن تحت رحمة الرأي العام ويحاولان اقناعه بتنافسهما في سبيل الخدمة العامة مزوَّدَين بالأرقام أو مدافعَين عن وجهات نظر اجتماعية وسياسية تستحق النقاش والاحترام. ولا شكّ في أن كثيرين أيضاً عقدوا المقارنات مع حالنا المزرية، وانتبهوا الى أن أبرز مرشحَين لدينا لرئاسة الجمهورية، بعد نهاية "العهد القوي"، لا ينويان حتماً التناظر على الشاشات بل يكتفيان بخضوعهما في مكان ما من الضاحية قبل عشرة أيام لامتحان أعده مدير الحوار الوحيد الذي يختصر الجمهور ولجنة التحكيم ويقرر نتائج الاستطلاع ويترك لنفسه توقيت البوح باسم الرئيس العتيد.

ليس أمَرّ من المقارنات. تفضح المقصّرين والجاهلين والمرتكبين وشعوباً بأكملها تَسوق نفسها كما القطيع. سيكون مؤلماً لو صدَق بعض التوقعات بتكرار الأكثرية، أي أن تربح الانتخابات منظومةٌ استباحت أموال الناس وتسبّبت بتفجير مرفأ عاصمتهم وبدّدت سيادتهم. ومعناها أن جزءاً كبيراً من المودعين الناخبين صوّتوا لجلاديهم، معتبرين أنّ الولاء للطائفة أو الزعيم أو لسلاحٍ خارج عن الشرعية أهمّ بكثير من ضياع جنى العمر وخسارة جيل ابنائهم ايّ مرتكزٍ ماديّ لبناء مستقبلٍ يليق بالآدميين. والجلادون بدورهم سيساقون كالقطيع أيضاً لتنصيب رئيس.