مريم سيف الدين

خطوط التّماس سقطت... والقرار للشارع

تظاهرات بيروت درس في الديموقراطية

24 تشرين الأول 2019

01 : 05

تنظيم الاحتجاجات لا بدّ أن يحصل وأن يفرز التحرك ناطقين باسمه (فضل عيتاني)

في بيروت بدأت الثورة نهار الخميس الماضي بنحو 50 شخصاً، أقفلوا جسر الرينغ ومشوا باتجاه مصرف لبنان في الحمرا وعادوا إلى ساحة الشهداء ومعهم الآلاف، فنزل تأييداً مئات الآلاف من مختلف المناطق. المفاجأة لم تكن في بيروت، بل أتت من مختلف المناطق اللبنانية التي استنهضت هممها وانتفضت بوجه من عرفوا بزعمائها، فشكّلت طرابلس المشهد الأجمل. بينما جسدت صور والنبطية مشهد التحدي والمقاومة فلم يخف المحتجون في المنطقتين الترهيب والضرب والرصاص واستمروا في تحركاتهم. أما في جل الديب وزوق مصبح فأُفشل قرار محاولة فضّ تظاهرتيهما. وفي وقت اختفت فيه الاحتجاجات في الضاحية الجنوبية لبيروت، استمرّ إقفال الطرقات وإن بشكل متقطع وسط العاصمة، وبقي الهدوء سيد الساحة على عكس اليومين الأولين.

وبعد أسبوع من بدء الاحتجاجات الشعبية، لا تزال ساحتا رياض الصلح والشهداء تغصّان بالمتظاهرين وإن تفاوت الزخم من وقت إلى آخر. تراجعت قوى الأمن إلى خلف الشريط الشائك والسياج الحديدي اللذين وضعا أمام السراي الحكومي، بعد اشتباك عناصرها مع المتظاهرين نهار الجمعة. فلم يعد عناصر قوى الأمن هناك على تماس مع المتظاهرين ما أزال التوتر بين الطرفين. كذلك كفّ المتظاهرون عن محاولة إقتحام السراي الحكومي وتخطي السياج. بل اكتفوا بالتوجه إلى ساحة رياض الصلح لإلقاء الهتافات. من يرغب منهم بالرقص والغناء وبأجواء أكثر احتفالية يتوجه باتجاه ساحة الشهداء. وكأنهما ساحتان مختلفتان، ساحة للسياسة وساحة للترفيه.

بالتوازي مع استمرار التحركات وسط العاصمة، تحاول مجموعات متفرقة من الشابات والشبان الحفاظ على زخم التحركات. تنسّق في ما بينها لإقفال الطرقات من أجل فرض المزيد من الضغط على السلطة. أمس انقسموا إلى مجموعات متفرقة أقفلت طرقاً عدة بأجساد أفرادها وسياراتهم وبالمستوعبات وبأي شيء يمكن وضعه في الطريق. فـ"من الضروري شلّ بيروت لاستمرار الضغط"، يقول أحدهم. مجموعة من طلاب الجامعة اللبنانية نزلت أيضاً للتظاهر باعتبار أن المطالب تطاول جامعتهم الوطنية أيضاً، وهم معنيون بالانتفاضة التي تحصل وبالمشاركة فيها، رافضين قرار رئيس الجامعة فؤاد أيوب فتحها في هذا الوقت.

وعلى الرغم من التنسيق الظاهر في ما بينها تبدو المجموعات وكأنها حذرة من بعضها، وكأن كل فئة خائفة من أن "يقطفها" غيرها. لم يظهر حتى الآن ناطق باسم المحتجين، بل بيانات مختلفة باسم مجموعات، وهو أمر طبيعي ويفترض أن يحدث خلال تحركات كهذه. ففي الشارع اليوم مواطنون من توجهات مختلفة، كسروا خطوط التماس التي وضعها زعماؤهم، واكتشفوا أن بامكانهم التواجد مع الآخر من دون الاشتباك معه. واكتشفوا معنى الحرية التي تجسّدت بالفعل في وسط بيروت، فهناك تطلق كل مجموعة شعاراً قد توافقه أو تعارضه مجموعة أخرى، لكنها تكتفي بإطلاق موقف آخر لا بقمع غيرها.

ويؤكد عدد من الناشطين الذين شاركوا في تنظيم بعض الدعوات لـ "نداء الوطن" أن تنظيم الاحتجاجات لا بدّ أن يحصل وأن يفرز التحرك ناطقين باسمه، لكن الأمور تحتاج إلى الوقت لتتبلور. كذلك يترك هؤلاء للشارع وظيفة تحديد المرحلة المقبلة. وبالانتظار أحضر العديد من المتظاهرين مقوّمات البقاء للاستمرار أطول وقت ممكن في الشارع. ويرفض الشباب الذين افترشوا الشوارع أن يأتي أشخاص يستريحون في منازلهم لقيادتهم أو التحدث باسمهم.

ولأنّ اللحظة لحظة شدّ عصب ولحظة انخرط فيها المواطنون مباشرة بالشأن العام، نَصَبت بعض المجموعات خيماً ووضعت داخلها طاولات، مستغلّة المناسبة في محاولة لاستقطاب المتظاهرين إليها. بينما قرر أحد الأشخاص نصب خيمة وإجراء استفتاء مستخدماً الورقة والقلم، داعياً المتظاهرين إلى كتابة اسم الشخصية التي تمثّلهم. هو استفتاء عشوائي عارضه الحاضرون في الساحات. ففي الساحة كلٌّ يغني موّاله لكن الجميع موحد تحت مطلب إسقاط الحكومة. وفي حين خوّن بعض من جمهور "حزب الله" المتظاهرين بعد خطاب أمينهم العام حسن نصرالله، غير أنّ هؤلاء أيدوا التظاهر والاحتجاج أمام مصرف لبنان والشعارات التي كتبت هناك. وكأنّ حاكم المصرف رياض سلامة مسؤول وحده عن تردي الأوضاع الإقتصادية. ففي حين يخوّن هؤلاء المطالبين بإسقاط الحكومة، يهيّصون للاحتجاج أمام مصرف لبنان، وكأنّهم يستغلون الفرصة للثأر من سلامة على خلفية العقوبات التي فرضت على "الحزب" والتزم بها المصرف رغماً عنه. وفي مقابل محاولة الاستغلال يؤكد متظاهرون حرصهم على عدم استغلال تحركاتهم لتصفية أفرقاء في السلطة حسابات في ما بينهم. فتظاهراتهم تدعوا لمحاسبة الجميع، وكلّن يعني كلّن، لا سلامة فقط.


MISS 3